
إن الذي ينظر إلى أحوال المجوعين والمحاصرين في غزة والفاشر وكادوقلي والدلنج ويستنكر ويشجب ويدين لا يقدم شيئاً يذكر في
مواجهة هذه المعاناة ،فكما قال السيد أنتوني غوتيريوش الأمين العام للأمم المتحدة في معرض حديثه عن تجويع الشعب الفلسطيني في غزة من قبل الإسرائيلين لدرجة الموت (إن عبارات الشجب والإدانة لا تجدي لأنها لا تطعم الأطفال الجائعين في غزة ) .
وبالطبع فإن مدينة الفاشر المحاصرة منذ ما يزيد على عام ونصف لا يجدي معاناة أهلها شيء من الإدانة والشجب بل هي تحتاج إلى أكثر من ذلك .
لا يتصور العقل أن فاشر (أب زكريا ) قدح الضيفان لا تجد ما تسد به رمق ساكنها ،وأن يبلغ بها الحصار هذا المبلغ من ندرة وغلاء المواد الغذائية إن وجدت .
لك أن تتصور أن مكيال ربع الدخن مطحونا بلغ سعره نصف مليون جنيه ونحن نشتريه في مناطق السودان الأخرى التي حررتها القوات المسلحة بسعر دون العشرين ألف جنيه ؟ لك أن تتصور أن الناس في الفاشر انعدم لديهم السكر منذ شهور وارتفع سعر الرطل إلى خمسين ألف جنيه إن وجد مما أضطرهم لاستعمال مظروف العصير المركز الصغير المشهور باسم (دمرني) بديلاً للسكر في مأكولاتهم ومشروباتهم ! لقد بلغ الأمر بالقائمين على تكايا الطعام في الفاشر والتي يعتمد عليها معظم من تبقوا في المدينة من المواطنين وتعتمد على تحويلات الخيرين من السودان عموماً ومن أبناء الفاشر بالمهاجر أن تعيد إلى الممولين مبالغهم التي أرسلوها لأنه لا توجد سلع غذائية يمكن شراؤها وطبخها للناس ! بل إن مخزون المدينة من ( الأمباز ) وهو المخلف الصلب من عصر الزيوت الذي كانت تتغذى عليه الأبقار عادة قد أوشك على النفاد جراء الاعتماد عليه كمادة غذاء رئيسية للمواطنين لشهور عديدة .فماذا ينتظر أهل الفاشر من أهلهم في السودان ؟ وماذا ينتظر أهل السودان من أهلهم في الفاشر وهم يتلقون منهم كل صباح أخبار الصمود والانتصارات على هجمات المليشيا المباغتة ليل نهار ويكبدونها الخسائر الفادحة ؟
ليكن تضامننا مع أهلنا في الفاشر وكادوقلي والدلنج وقطاع غزة أكبر من مجرد أضعف الإيمان أن نردد في أنفسنا إدانة هذا السلوك الإجرامي الذي تمارسه المليشيا ،بل نتعدى ذلك إلى أفعال وفعاليات جماعية معلنة تحدث فرقا على أرض الواقع .
إن واجبنا الوطني والإنساني يحتم علينا أن نتضامن مع أهلنا في المدن المحاصرة ونشعرهم بأننا نشعر بمعاناتهم ونتألم لها ولا نقف مكتوفي الأيدي ونرى الأوضاع تتفاقم إلى حالات سوء تغذية ومضاعفات خطيرة في ظل انتشار كبير للكوليرا والملاريا وغيرها من الوبائيات مع ضعف المناعة لدى المواطنين جراء سوء التغذية الحاد.
حاشية :
نحتاج للتعبير عن أننا جسد واحد إذا حوصرت الفاشر أو كادوقلي أو الدلنج تداعت لها سائر مدن السودان المحررة بالسهر والحمى ،لنعضد من القومية والحس الوطني الذي يسعى العدو إلى تفتيته ،فلتكن الوقفات الاحتجاجية أمام مقار الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها سعياً بالتصعيد في مطالباتها للمجتمع الدولي للضغط على المليشيا لإيجاد ممرات إنسانية آمنة لدخول الإغاثة ،ولتستمر الوقفات التضامنية في كل مدن السودان وفي المهاجر ولتتعدد أشكال وأنواع التعبير، ولا ننسى غزة في التعبير فالأسلوب واحد والعدو واحد ووكيله واحد.
إذ يحتفل الجيش بالذكرى المئوية لتأسيسه (قوة الدفاع السودان ) والعيد الحادي والسبعين لسودنته ،نبارك له ونحي صمود منسوبيه وبقية القوات النظامية ،فقد أثبتت القوات المسلحة عراقتها قبل الذكرى المئوية في معركة الكرامة فبرهنت للعالم (بيانا بالعمل) بأن هذا جيش عمره قرن ويستند على إرث عسكري وحضاري عمره آلاف السنين ما قبل الميلاد حين أفشلت أكبر مخطط دولي لغزو واحتلال دولة وتشريد شعبها في الألفية الثالثة ،نترحم على الشهداء وندعو لهم بالقبول ولأسرهم بحسن الرعاية ولجرحاهم بالشفاء العاجل ولأسراهم أن يفك الله قيدهم ويعيدهم سالمين ،نثق في قدرة القوات المسلحة على فك الحصار عن الفاشر وتحريرها كسابقاتها من مدن السودان مثلما حصنتها من أن تسقط في يد التمرد بهجماته التي قاربت المئتين وثلاثين هجوماً ،لكن إلى ذلك الحين نريد أن نرد الجميل لمواطن الفاشر الذي قاوم وصمد وضحى منذ اليوم الأول ونشعره بتضامننا ونحاصر المليشيا في الرأي العام الإقليمي والدولي بأنها منتهكة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ونري بذلك شيطان العرب ومرتزقته وقحاحتته من التشنيع والتبشيع ما كانوا يحذرون .