” وول ستريت جورنال ” تنشر أمس مقالاً جديدا موسعاً للفيلسوف والكاتب الفرنسي “برنار-هنري ليفي” بعنوان [ الحرب السودانية الوحشية المنسية ] .. و”الرواية الاولى” تورد الترجمة الكاملة


رصد وترجمة : المحرر الدبلوماسي ل”الرواية الاولى”
صحيفة وول ستريت جورنال (1 أغسطس 2025)
أولاً، كانت هناك الحروب بين الشمال والجنوب، في الفترة من 1955 إلى 1972، ومن 1983 إلى 2005، والتي أدت في عام 2011 إلى استقلال جنوب السودان.
ثم جاءت الحرب بين السودان ومنطقة دارفور الغربية، التي بدأت في عام 2003 وانتهت في عام 2020 بسقوط الديكتاتور عمر البشير، الذي يقبع الآن في السجن في السودان ومطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهم الإبادة الجماعية وجرائم أخرى.
في عام 2019، وبعد سقوط البشير تحت وطأة انتفاضة شعبية، تم إنشاء حكومة مدنية-عسكرية مختلطة — لكن الجيش سرعان ما استأثر بالسلطة.
في 15 أبريل 2023، انقسم المجلس العسكري. فتحوّل الجنرالان الرئيسيان، عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، إلى أعداء في صراع دموي.
من بين جميع الحروب التي غطيتها خلال الخمسين سنة الماضية، تعد هذه واحدة من أعنفها، وبدون شك أكثرها نسياناً.

يقول سليمان، الملحق السابق في سفارة السودان بباريس، والذي انضم إلى الجيش فور اندلاع الحرب في أبريل 2023، وسيكون مرافقاً لي لمعظم هذا التقرير: ‘هل تعلم أن هذه الحرب تسببت في نزوح 12 مليون شخص وسقوط 150 ألف ضحية مدنية؟’ ويبلغ عدد سكان السودان الإجمالي حوالي 50 مليون نسمة.
نحن الآن في قاعة الوصول بمطار بورتسودان الدولي، والذي لا يملك سوى عدد محدود من الرحلات الدولية غير المنتظمة إلى إسطنبول والقاهرة وجدة في السعودية وأديس أبابا في إثيوبيا، وإلا فإنه معزول عن العالم.
يتجول هنا، في حرارة خانقة، رجال يرتدون الجلابيب البيضاء الناصعة، وأولاد هزيلون يرتدون قمصاناً ممزقة كشبكات الصيد، وقطط تخرج من تحت سجاد الحقائب، وتقول الأسطورة إنك لا تدري إن كانت أشباحاً أم حقيقية.
ومع ذلك! أن يعمل أي شيء على الإطلاق يُعد معجزة، بالنظر إلى حجم الدمار الذي سببه آخر هجوم بالطائرات المسيّرة، والذي أُطلق من البحر بواسطة جيش محمد “حميدتي” دقلو، سائق الجمال الذي أصبح جنرالاً وتمرد على الرئيس عبد الفتاح البرهان.
أرى آثار الشظايا على جدران صالة المغادرة المتشققة؛ برج المراقبة، الذي يشبه فرن صهر منزوع الرأس، قامت القوات الحكومية بإصلاحه على الفور؛ وبين خزانات الوقود، هناك حفر هائلة ما تزال سوداء بفعل حريق استمر لعشرة أيام متتالية.
يكرر سليمان، دون أن تظهر عليه أي انفعالات، بلهجة بريطانية: ‘مئة وخمسون ألف قتيل’، ونحن نسرع لرؤية الرئيس.
أفكر في نفسي: هنا عدد القتلى لا يقل عن ثلاثة أضعاف ما حدث في غزة. ومع ذلك، لا أحد في الجامعات الأميركية، أو بين غريتا ثونبرغ واليساريين ‘التقدميين’ الآخرين، يهتم. لا احتجاجات. صمت إذاعي. أفكر في تلك ‘الحروب ذات الأسباب المنطقية على نحو غير متوقع’ التي تنبأ بها الشاعر الفرنسي آرثر رامبو (1854-1891)، والذي مر عبر بورتسودان في طريقه من اليمن إلى إثيوبيا.
يستقبلني الرئيس البرهان عند الغروب في مقر إقامة متواضع، مظلم بسبب خطر هجمات الطائرات المسيرة. طويل القامة، يرتدي الزي العسكري، وصدره مزين بالأوسمة. ملامحه تشبه قادة النيل القدامى.
يتحدث إليّ عن الرئيس إيمانويل ماكرون، أحد القلائل من القادة الغربيين الذين التقاهم خلال السنوات الأربع الماضية، والذي لم تصله منه أي أخبار. ويتحدث عن صعوبة خوض المعركة، وحيدًا أو شبه وحيد، ضد عدو يرتكب كل جرائم الحرب وكل الجرائم ضد المدنيين. ويتحدث أيضًا عن لغز دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة الصديقة سابقًا، والتي تزود الآن — عبر تشاد — معظم الأسلحة للقتلة.
أتحدث معه عن الشائعات التي تشير إلى وجود صلات له مع إيران، وهو ما ينفيه بشكل قاطع: ‘إيران افتتحت سفارة، لا أكثر — لا خبراء عسكريين، ولا شحنات أسلحة، على عكس ما تروجه المعلومات المضللة للعدو’.
أثير معه اتفاقات إبراهيم التي وقعها، لكن لم يصادق عليها البرلمان: ‘الحرب الأهلية فقط هي ما أخّر تنفيذها، وأنا مستعد، في مواجهة العدو المشترك المتمثل في الإرهاب، الذي يهدد تشاد وليبيا والمنطقة بأكملها، للتعاون الأمني الكامل مع دولة إسرائيل.’
عندما أعربت له عن دهشتي من تأخر العودة إلى ‘الانتقال الديمقراطي’ الذي وُعد به منذ توليه السلطة في 2019، غرق في صمت طويل، ثم نهض، وأشار لي لأتبعه إلى نهاية حديقة جافة ومظلمة، ومن هناك، برفقة عدد قليل من الجنود الشباب بالكاد مسلحين، خرجنا إلى الكورنيش حيث يأتي سكان بورتسودان بحثًا عن نسمة هواء.

يتعرف عليه الشباب — العشرات، ثم المئات. تتعالى الهتافات، والزغاريد، وعبارات ‘يحيا السودان’ — وصور السيلفي بلا نهاية. ‘ها هي ديمقراطيتك!’ يصرخ لي، رافعًا قبضته.
ثم، بحركة فخمة ومتفائلة فوق الحشد في الكورنيش: ‘ذكّر أولئك المروّجين الذين يتحدثون دون علم بأن رئيس وزراء قد تم تعيينه، السيد كمال إدريس، أستاذ القانون المعروف — وأنه يشكل الآن حكومة مدنية بنسبة 100٪!’
السودان بلد شاسع. كان الأكبر مساحة في إفريقيا قبل انفصال الجنوب. بالطائرة — أولاً على رحلة تجارية، ثم على متن مروحية عسكرية منخفضة الارتفاع لتجنب صواريخ حميدتي، حيث إن مناطقه أحيانًا تكون قريبة — نصل إلى أم درمان، العاصمة الإدارية، ثم إلى الخرطوم، عبر النيل.
كيف يمكن وصف الخراب الذي يُقابل أعيننا؟ إنه يشبه مدينة باخموت الأوكرانية، ولكن على مستوى مدينة كبرى كان يسكنها سبعة ملايين نسمة قبل الحرب، ولم يعد يُرى فيها اليوم سوى صفوف النساء الهزيلات، اللواتي أنهكتهن المجاعة، ينتظرن منذ الفجر مساعدات إنسانية لا تصل أبدًا إلى 24.6 مليون شخص يتضورون جوعًا.
إنها مقديشو أخرى، في حي النُبَوي، حيث اجتاحت النيران متاهة الشوارع، تاركة وراءها أسقف صفيح محترقة، وواجهات مدمرة تتأوّه في الرياح الحارة الجافة.
إنها بنوم بنه، بطابعها كمدينة أشباح، والصمت المميت المخيم على الأحياء الخالية التي لم يتبقّ فيها سوى كلاب ضالة تحدّق بك بجوع مرعب.
إنها بربرية على طريقة طالبان في المتحف الوطني، حيث لم يتم تدمير تماثيل بوذا، بل المومياوات، والفريسكات التي تعود لقرون، والتماثيل من ممالك كوش وكرمة ومروي.
إنها مثل سراييفو في المكتبة الوطنية، حيث تم استخدام الأرشيفات العقارية — الشاهدة على التاريخ العريق للمدينة — كوقود لإشعال النار والطهو.
وهي تشبه الموصل في الجامع الكبير الشهيد، الذي أطلقت عليه عصابات حميدتي جام غضبها قبل أن تنسحب.
الخرطوم: خلاصة لكل جرائم إبادة المدن التي شهدتها — وربما ذروتها.
في حي أمبدة، نصادف واحدة من تلك التلال الترابية العديدة التي تشير إلى وجود مقبرة جماعية — وحولها نحو 30 رجلاً تجمعوا. يقول أحدهم: ‘هناك 244 جثة تحت هذه التربة’، ويدعونا للانضمام إلى الدائرة.
تم اعتقال الناس في منازلهم ذات صباح، أو خارجها فقط لأن الجوع كسرهم فخرجوا بحثاً عن طعام. تم جمعهم هنا، في هذا الشارع الذي لم تترك فيه الحرب سوى الأنقاض المليئة بالرصاص وأكوام الطوب الممزوجة بالدم الجاف.
قيل لهم: ‘لا داعي للقلق. هذه ليست حياة. حميدتي هنا لأجلكم وسيوفر لكم منزلاً جديداً.’
ثم وصلت شاحنات ‘قوات الدعم السريع’، وفتح الشُبّان (المقاتلون) النار بشكل عشوائي كالمجانين، ربما تحت تأثير المخدرات، وهم يصرخون: ‘الله أكبر!’ ثم غادروا، تاركين الجثث لتتعفن ثم تجف تحت شمس الخرطوم القاسية.
فقط عند تحرير الحي، بعد شهور، جاء الجيران لنثر التراب والجير فوق العظام التي لم يعد بالإمكان تمييزها. هؤلاء الجيران هنا الآن، يرتدون جلابيب بيضاء وأوشحة ملونة — أجمل ما وجدوه — لتقديم تحية متواضعة ومتأخرة لأرواح الموتى.

عند رؤية الأجانب للمرة الأولى، يدير الرجال ظهورهم بشكل غريزي، يرفعون جلابيبهم، ويُظهرون الندوب التي خلفها سوط على أحدهم، وزجاجة بلاستيكية ذائبة على آخر، وعضّات كلاب على ثالث.
ثم يعيدون ترتيب أنفسهم، يشكلون دائرة حول التلة، يرفعون أكفهم نحو السماء، وتحت إشراف الأكبر سناً بينهم، يهمسون بدعاء الموتى.
إحدى أسلحة المتمردين هي، على ما يبدو، الاغتصاب. الطبيبة نانا طاهر، مديرة تنظيم الأسرة في عيادة بشارع بدر، جمعت مجموعة من النساء المعذبات لزيارتنا.
تتحدث كل واحدة منهن، بعضهن بأصوات خافتة، بالكاد تُسمع، وأخريات بأعين فارغة وشفاه بلا تعبير — لكن كلهن بكرامة عظيمة، كما لو كنّ يروين محنة تخص غيرهن.
كانت هناك أمهات تم اغتصابهن أمام بناتهن. وبنات اغتُصبن أمام أمهاتهن. اغتصاب جماعي، واحدة تلو الأخرى، في سلاسل، تحت أنظار الأخوات المذعورات.
بعضهن اغتُصبن في منازلهن. وأخريات نُقلن إلى مراكز تعذيب واغتُصبن حتى الجنون. بعضهن أُعطين فرصة لجلب المال الذي زُعم أن أسرهن خبأته. ولما لم يكن هناك مال، أُخذن واغتُصبن مجددًا.
إحدى النساء صرخت كثيراً، فكان لا بد من ملء فمها بالرمل، ثم التراب لأنها أكلت الرمل. أخرى لا تتذكر شيئاً. وثالثة ستتذكر حتى نهاية حياتها يد الرجل اللازجة التي أمسكت بها بينما كان آخر ينتهكها.
ثم هناك الأطفال المولودون من هذه الاغتصابات.
تسأل د. طاهر كل امرأة: ‘ماذا تريدين؟’ بعضهن يردن الإجهاض لأنهن متزوجات ولا يردن أن يعرف أزواجهن — أو لأنهن غير متزوجات ويخفن ألّا يتزوجن أبداً.
أخريات يؤمن بأن ذلك قَدَر الله، لكن في السر، يعوّلن على أن أسرهن في حيّ آخر، بلا هاتف، ولا اتصال، وأنه سيكون هناك دائماً وقت، دون أن يلاحظ أحد، للعثور على أم بديلة للمولود.
ثم هناك زوجان رائعان جاءا مع طفلهما البالغ من العمر 15 يومًا، وقالا بصوت واحد إن الثلاثة ضحايا هذه الحرب — وأنهم سيبنون سودانًا مسالمًا معًا.
لكن الشهادة الأكثر رعبًا ما زالت قادمة.
نحن غرب الخرطوم، على طريق الأبيض، آخر معقل تحت سيطرة القوات الحكومية، في ‘بيت ضيافة’ وسط القرية. اندلع عاصفة كأنها نهاية العالم، والنهار صار ليلًا ممزقًا ببريق نادر.
كبار السن من المنطقة، جميعهم يرتدون الأبيض، اجتمعوا في قاعة استقبال مرتجلة، واستدعوا حوالي 10 رجال — ضحايا، لكن أيضًا جناة — وافقوا على الإدلاء بشهاداتهم، ووجوههم تُضاء واحدًا تلو الآخر بأضواء الهواتف.
أحدهم تاجر معادن ثمينة انضم إلى ميليشيا حميدتي تحت التهديد.
آخر انضم طوعًا، ثم انسحب حين علم أن إحدى قريباته قد تم اغتصابها واستُعبدت في دارفور.
ثالث أُخذ هو وأصدقاؤه من مقهى إنترنت تابع لستارلينك، جُنّد قسرًا، وهرب ذات ليلة زاحفًا من فتحة في القبو.
جميعهم خضعوا للمحاكمة وأُعيد دمجهم في المجتمع بعد قضاء العقوبة.
ثم يظهر شاب، يرتدي قميصًا دُهنيًا، عيناه ميتتان وصوته آلي، وكأنه لم ينتهِ بعد من محاسبته أمام العدالة البشرية. عمره 17 عامًا.
هو أيضًا أُخذ، وأُحضر إلى منزل فيه 24 امرأة محتجزة. تم تخديره بالكبتاغون — منشط قوي — وحبة حمراء أخرى لا يعرف اسمها، لكنها تشبه الفياغرا.
أُغلق عليه الباب ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، وحده مع النساء وحارس يجلب له الذرة الرفيعة مرتين في اليوم — ومعها جرعته التي جعلته يغتصب ويغتصب حتى الجنون.
عكس ما قاله سارتر في مقدمة كتاب ‘معذبو الأرض’: ضربة واحدة دمّرت 24 امرأة — ولعنت رجلًا إلى الأبد.
الساعة الآن منتصف الليل. عدنا إلى مشارف الخرطوم، إلى الطابق الأول من بيت آمن بلا كهرباء.
الحر خانق. أبحث عن النوم. طرق على الباب. في ضوء مصباح الهاتف، أتعرف فورًا على وجه الجنرال السوداني الذي كنت قد رأيته في بورتسودان يرتدي بدلة مدنية، والذي وصفه الرئيس البرهان بأنه من أقرب رفاقه.
يهمس لي الجنرال مازحًا بأنه ‘كان يمرّ صدفة’، ويقترح أن ‘نستأنف الحديث’.
يسألني إن كنتُ أفهم أن هذا الصراع، الذي أصبح من الشائع القول إنه ‘معقد وغير مفهوم’، هو في الواقع واضح جداً.
وإن كنت أدرك أنه ليس ‘حرب جنرالات متنافسين’، كما يحب الكسالى أن يقولوا لتبرير لا مبالاتهم.
وإن كنت أستطيع أن أبلغ المعنيين أن الأيام التي كان فيها السودان يؤوي أسامة بن لادن قد انتهت منذ زمن (قبل 32 عامًا)، وأنه اليوم يقود مطاردة لا هوادة فيها لداعش والقاعدة — بينما حميدتي يحميهم.

جاء الجنرال ليعرض عليّ ‘زيارة حصرية’ لقاعدة قوات خاصة سرية على طريق الفاشر. وصلنا عند الفجر.
في الرمل، عند سفح تلة قاحلة، قوات هجومية مدربة على مهام مكافحة الإرهاب. وحدات كوماندوز من 12 رجلاً — استطلاع، هجوم، تصويب، قنص، اتصالات، طب — كل له دوره المحدد.
رجال مغطون بالكامل بأوراق خضراء مزيفة، مدربون على إنقاذ الرهائن في الغابات والصحارى، على طريقة القوات الخاصة البريطانية (SAS).
يشرف على هذا المشهد المتنوع ضابط أنيق يُلوّح بعصاه كأنه من شخصيات كيبلنغ: الجنرال حافظ التاج. يقول: الجيش السوداني هو من سينتصر في الحرب ضد جحافل حميدتي.
لكن الخطر لا يزال قائمًا: الإرهابيون الذين أُطلق سراحهم عند سقوط الخرطوم، والآن تحالفوا مع إسلاميي الساحل، ويهددون بتحويل المنطقة الممتدة من البحر الأحمر إلى ليبيا وتشاد إلى بؤرة عاصفة.
يقول: ‘هؤلاء هم من نحاربهم’.
تم الإبلاغ عن تسلل، على بعد أميال قليلة، في بلدة صغيرة لن أذكر اسمها. يتلقى الجنرال التاج الرسالة، ويرسل فوراً إحدى فرق الكوماندوز.

يستقبلنا هناك وحدة محلية من ‘القوة المشتركة’، وهو اسم سمعته منذ وصولي لكن لم أفهمه حتى الآن.
هم أعضاء من قبائل الزغاوة والمساليت والفور، ويمكن تمييزهم من العمامة التي يرتدونها بدلاً من القبعة العسكرية — كانوا من أعضاء الحركات الانفصالية في دارفور.
أحدهم هو الجنرال علي مختار، بقبعته العسكرية الميدانية وحافتها اليمنى المرفوعة — إرث من سنوات حرب العصابات.
هؤلاء هم الناجون — أو أبناء الناجين — من الجماعات المتمردة التي تابعتها في 2001 و2007 أثناء تغطيتي لحروب جبال النوبة ودارفور لصالح صحيفة لوموند.
يعرفون في صفوف حميدتي الورثة الحقيقيين لفرسان الجنجويد الذين لم يعرفوا يومًا سوى الحرق والنهب.
لذا، انضموا إلى الجيش الحكومي.
أشاهد الجنرال مختار وثلاثة من الكوماندوز وهم يصعدون درج المبنى الذي اشتبه بوجود قناص فيه.
أراهم مساءً، خارج المدينة، في وادٍ جاف يشبه مدرجًا من الحجارة والأشواك والرمل الصلب، يحتفلون بشواء مشترك.
أستمع إلى قصصهم القديمة، حين كان بعضهم من مقاتلي العصابات بحزام ذخيرة عريض، وآخرون جنودًا نظاميين.
هذان هما موسماي السودانيان، يجيبان أحدهما الآخر بعد عقدين — وقد اتحدا الآن.
وقبل كل شيء، هما السودانان — تصالحا في وجه عدو مشترك لا يعرف من السياسة إلا الأرض المحروقة.
لقد انتهى يومي. أعود إلى فرنسا.
هذه الأرض، المشبعة بالدم والمعاناة، هذا السودان ذو الأسوار القديمة والحضارة الأقدم من الفراعنة، هذا الشعب الحليف والصديق — يستحق أكثر من الصمت المدوي المحيط بمأساته.
أن ترفض السماع هو عار. وأن تفتح عينيك هو واجب.
هذه الأرض، المشبعة بالدم والمعاناة، هذا السودان ذو الأسوار القديمة والحضارة الأسبق من الفراعنة، هذا الشعب الحليف والودود — يستحق أكثر من الصمت المدوي الذي يحيط بمأساته.
أن ترفض السماع هو عار. وأن تفتح عينيك هو واجب.