تمنيت لو تامل بعض الناشطين من مستجدي السياسة فى بلادي (نظرية الناموسية) للدكتور الراحل جون قرنق الزعيم التاريخي للحركة الشعبية لتحرير السودان حينما سئل فى اول واخر مؤتمر صحفي عقده بالخرطوم قبل رحلته الاخيرة بيوم واحد عن المتوقع من المجتمع الدولي تجاه السودان عقب توقيع اتفاقية السلام، اجاب قرنق بقوله ( نحنا فى جنوب السودان عندنا بعوض كتير وعشان ما تجيك ملاريا لازم تنوم فى ناموسية ولازم تقفلا كويس عشان بعوض ما يخش، ولو خليت محل فى ناموسية ما قفلتو كويس ودخلت ناموسية عضتك وجاتك ملاريا ماتلوم البعوض لوم نفسك ليه ما قفلت ناموسيتك كويس).
بهذه الاجابة النموذجية والبسيطة اراد قرنق ان يقلل من تاثير الخارج اذا ما اوصد اهل الداخل الابواب وانصرفوا الى التوافق الوطني وعززوا من قيمة التصالح الذي يغلق البلاد امام اية تدخلات خارجية ..
لكن ناشطي السياسة فى السودان ومستجديها طفقوا يتفرجون على ضعف وهوان لافتاتهم وتنظيماتهم السياسية وسقوطهم فى الامتحان المؤهل لقيادة السودان واخذوا يهاجمون اطراف خارجية لاصلة لها بحالة الفشل الداخلي الذى ترزح فيه بلادنا بسبب اخطائنا لا بفعل الاخرين.
اتابع باستغراب شديد الحملة التى يشنها بعض الناشطين الممثلين لواجهات سياسية معلومة ضد مصر وقنصلها العام فى السودان السيد احمد عدلي، وهو هجوم مغرض يهدف الى ضرب العلاقات السودانية المصرية التى ظلت تشهد خلال السنوات الاخيرة تطورا ملحوظا وتناميا مضطردا يليق بعظمتها التاريخية واهميتها بالنسبة لكلا البلدين والشعبين.
ساءني ما نشر حول عدلي من اتهامات بعرقلة المسار الديمقراطي فى السودان بينما كنت في القاهرة اتمتع كمواطن سوداني بقطف ثمار استقرار العلاقات بين السودان ومصر وانتظر الى نتائجها فى ملامح وحراك السودانيين الذين تفيض بهم شوارع ومدن مصر بعد ان اتخذوها مهبطا ومستقر ربما للابد او الى حين بفعل جهود عدلي وامثاله من حراس بوابة العلاقات السودانية المصرية فى هذا التوقيت.
ما ضر احمد عدلي وهو يخدم مصالح بلاده من موقعه كقنصل عام لجمهورية مصر العربية فى السودان وفى حدود ما تنص عليه الاعراف والتقاليد الدبلوماسية دونما تجاوز او تقليل من شان السودان واهله ، هذا امر طبيعي لا اظنه يضير او يعضب احدا ، فهذه وظيفته التى جاء من اجلها السودان وقد ظل يؤديها بكل احترام واقتدار واحتفاء بعلاقات واد ى النيل، ودونما تدخل فى شان بلادنا ظل عدلي يدير ملف العلاقات الثنائية بوعي واقتدار، ومما يثير المزيد من الاستغراب ان من يهاجمون تدخل عدلي يهللون لحراك الدبلوماسيين الامريكيين والبريطانيين وممثلي السفارات الغريية، ويغضون الطرف عن اتساع دائرة انتشار سفراء اخرين يجوبون السودان طولا وعرضا ويتدخلون حتى بين المرء وزوجه.
ظل عدلي بعيدا عن ( الحوامة) التى يقوم بها دبلوماسيون اقل قربا من اهل مصر للسودانيين، يمد يده للجميع دون تمييز او اقصاء، شهدناه متواصلا مع الجميع وحريصا منذ ان تسلم مهامه على وضع العلاقات الثنائية فى منصة الانطلاق التى تستحقها، وقد ربح بيع عدلي اذ تشهد علاقات الخرطوم والقاهرة فى هذه الفترة طفرات مقدرة وغير مسبوقة فى المجالات كافة.
كنت اود ان يتحلى محركو هذه الحملة بالانصاف الكافي ليكتبوا بلسان الحال عن افواج السودانيين الذين ينشدون العلاج فى القاهرة و عن وجود اكثر من ثمانية ملايين سوداني يعيشون معززين مكرمين فى جمهورية مصر ويتمتعون بكل ما يحظي به المواطن المصري من امتيازات …
في عهد عدلي الذى يتهمونه بالوقوف صد التحول الديمقراطي فى السودان وتحريض العسكر على القوى المدنية استقبلت مصر اكثر من 22 الف طالب وطالبة فى الجامعات والمعاهد العليا، وفى عهد الرجل الذى يدعي الناشطون انه يحرض الاطراف السودانية علة قفل الطرق والميناء وتطويل امد انقلاب 25 اكتوبر اتاحت القاهرة لرجال اعمالنا المناخ المواتي للاستثمار وهيأت لهم فرص العمل لدعم اقتصاد البلدين وقفز حجم التبادل التجاري بنسبة 60% مقارنة بالعام الماضي، وخلال السنوات التى امضاها عدلي قنصلا عاما لبلاده فى الخرطوم ،تدفق السودانيون الى مصر واستوطنوا بها وتملكوا واستثمروا دون ان يسالهم احد، وفى سنوات الرجل بالخرطوم سمحت مصر لاكثر من مائتي مدرسة سودانية بافتتاح مقارها وتعليم فلذات اكبادنا هناك سبل الحياة وقبل العلم اخلاقا.
اما المغالطة المضحكة فهي توسل من ينظمون الحملات ضد قنصل مصر فى الخرطوم بادعاء انه يتعاون مع الفلول فى الداخل لوقف التحول الديمقراطي، يكتبون ذلك بالرغم من المعلوم بشان علاقة مصر الرسمية بجماعة الاسلام السياسي فى كل العالم، وهذه بالطبع مغالطة تشير الي عجز منطقهم الذي يعتمد على الفبركات والاكاذيب، ما ساءني فى الادعاءات المبذولة فى الاسافير لشيطنة احمد عدلي هو التقليل من قيمة الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة السيد محمد عثمان الميرغني وتصويره كلعبة فى يد المخابرات المصرية، وهذا قول مردود من واقع قيمة الحزب الكبير واهميته فى رسم خارطة الاحداث السياسية ببلادنا..
ان الهجوم على عدلي يهدف لضرب العلاقات السودانية المصرية ونسف استقرار اكثر من ثمانية ملايين سوداني احتضنتهم مصر خلال السنوات الاخيرة بكل كرم واحتفاء، انه محاولة لاغلاق منافذ الرزق امام ملايين من ابناء وبنات شعبي ودعوة لتعطيل الرئة التى يتنفس عبرها السودانيون اكسجين العلاج بعد ان عز هذا الامر بالداخل، ترى لمصلحة من يهاجمون عدلي ويسعون للاضرار بوجود ومصالح السودانيين فى مصر، اذكر انني حاورت المشير عبدالفتاح السيسي للعزيزة الراي العام قبل اعوام وقد كان موفقا فى اختيار عبارة بسيطة اخترتها عنوانا للحوار كانت تقول ( كفاية اللراح) على الشعبين السوداني والمصري، ومني اقول تجاوزوا هذه الترهات وحرروا العلاقات السودانية المصرية من غباء التكتيك السياسي فهي لا تحتمل الا ان تكون ( استراتيجية).