
قليل من الذين وُلِدوا في العقود الخمسة الماضية يعرفون شيئا عن المبارك إبراهيم لاسباب كثيرة من بينها العامل الزمني الذي باعد بينهم وبين ايام الرجل ، إلي جانب ضعف اهتمام الجيل المذكور بعموم القضايا الثقافية ، ثم هناك إهمال العارفين (من الكتاب وقادة الرأي والإعلاميين الوطنيين ) لبعض رموزنا الرائدة في المجال العام وعدم التنويه بآثارهم ونتاجهم الثقافي ، لاندري اعن قصد ؟ ام لغفلة ؟ ام ماذا ؟
وكثير من الذين سمعوا بالمبارك ، لاتتجاوز معرفتهم به سوي انه مقدم لبرنامج ” حقيبة الفن” الذي يذاع صباح كل جمعة من راديو ام درمان.اما المبارك الكاتب والصحفي والمترجم والمحاضر والشاعر فمجهول عندهم وغائب عن الوجدان والجنان.
لكن العجب العجاب ان يكون المبارك ( شخصا واثرا) منسيا ومغمورا عند الذين عاصروه من الأدباء والمفكرين السودانيين ، خاصة اؤليك الذين اتصلوا بمصادر الثقافة وينابيع المعرفة الخارجية منذ ثلاثينات القرن الماضي ، اذ لاتجد ذكراَ له عندهم ولا قولا عنه فيما كانوا يكتبون!
ولولا انني وقفت – اثناء بحثي في ارشيف المجلات العربية الصادرة طوال القرن الماضي – علي عشرات المقالات المنسوبة إلي المبارك إبراهيم ، لكنت مثل غيري اسمع عنه كإذاعي سابق ومحرر لمجلة ( هنا ام درمان) العتيقة في خمسينات وستينات القرن العشرين ، ولا شيء بعد ذلك.
كانت المفاجاة انني عثرت علي 124 مقالا للمبارك ابراهيم في ٨ مجلات عربية هي :
● مجلة “المجلة الجديدة” المصرية لسلامة موسي : (١٩٢٩ – ١٩٣٩).
●مجلة “المعرفة” المصرية: ١٩٣١-١٩٣٤.
●مجلة “الرسالة” لأحمد حسن الزيات : ١٩٣٣- ١٩٦٥.
● مجلة” الثقافة” لأحمد امين: ١٩٣٩ -١٩٦٥.
●مجلة “الكاتب المصري” لطه حسين :١٩٤٥ – ١٩٤٨.
● مجلة” الاديب” اللبنانية:
١٩٤٢ – ١٩٨٣.
● مجلة ” المجلة” المصرية :١٩٥٧ – ١٩٧١.
●مجلة ” العربي” الكويتية:
١٩٥٨ – ٢٠٢٥.
لقد ظل المبارك ابراهيم – علي مدي اربعة عقود ابتداء من عام ١٩٣١ والي عام ١٩٦٥، يرفد هذه المجلات في فترات متتالية بعصارة فكره ومواهبه الأدبية بذلك الكم الهائل من المقالات المتنوعة ، كتفا لكتف مع العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم واحمد زكي ومحمد عوض محمد ومحمود تيمور والبير اديب والياس ابو شبكة و وداد سكاكيني وصلاح الأسير واخرون كثر يستعصون علي الحصر ، و هذا ما لم يتوفر لأيِ من معاصريه من الادباء السودانيين الاخرين !
بناء علي هذا الاكتشاف الموثق لمكانة المبارك إبراهيم في ساحتنا الثقافية واسهاماته الضخمة في الخروج بانتاجنا الثقافي من محليتنا الضيقة إلي رحاب الوطن العربي الكبير ، الا يحق علينا ان نعترف باننا مدينين له باعتذار لأننا ظلمناه بنسيان وتعتيم قصدنا او لم نقصد، ؟ ثم ألا يحفزنا هذا الاكتشاف الموثق إلي مزيد من التنقيب عن اثارنا الثقافية المجهولة في كل المظان ورد الاعتبار إلي آخرين من ادبائنا المنسيين المغمورين المظلومين ؟
هذه وثيقة اولي ، فارتقبوا ففي كنانتي المزيد .