
المتابع للمشهد السوداني يدرك مدى عمق الأزمة التي عصفت – ولا تزال تعصف – بمكونات المجتمع السوداني والتي أدت إلى حالة من الانقسامات الداخلية انتهت بشن حرب ضروس ضد الدولة السودانية وشعبها من قبل مليشيات الدعم السريع المتمردة التي جسُد من خلالها أطماعًا داخلية وخارجية كانت تسعى لخدمة اجندة و مصالح المستعمر الجديد الذي أراد كسر هيبة وسيادة الدولة السودانية عبر تفتيت بنيته المجتمعية من خلال إحداث الفرقة والانقسامات بعد فشلهم في السيطرة على مقاليد الحكم في ١٥ أبريل ٢٠٢٣م. و الذي كان الهدف من خلفه هدم المؤسسة العسكرية السودانية واستبدالها بمليشيا ذات ولاء لأنظمة خارجية لضمان استمرار الهيمنة على موارد السودان عبر نظام تابع وخاضع للمستعمر الجديد.
وبالنظر إلى المشهد الحالي، فقد أصبح لدى دايرة القرار الحالية و غالبية فئات المجتمع السوداني رؤية واضحة وواقعية للمشهد وتعقيداته سواء كانت داخليًا او خارجيًا. لذي نجد بأن ما يتم اتخاذه من قرارات من قبل دائرة القرار الحالية – المتمثلة في المجلس السيادي ومؤسساته – يآتي عملياً ضمن مفهوم استراتيجي قائم علي الفهم العميق للأحداث و النواتج التي صاحبت عملية الحرب في كل مرحلة، فكل القرارات الصادرة عن دائرة القرار اصبحت تستند على دراسات وتشخيصات مستفيضة تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الميدانية والتفاهمات الإقليمية والدولية مما يدلل علي عودة العملية المؤسسية في دائرة القرآر الاولى في الدولة.
لهذا، تشهد الدولة السودانية الآن عملية إصلاحات وترميمات بنيوية أساسية تهدف إلى إعادة اصلاح و هيكلة المؤسسات حسب خارطة طريق و مصفوفة معدة تهدف إلي استعادة الاستقرار الداخلي للمؤسسات السودانية بما فيها المؤسسة العسكرية باعتبارها العمود الفقري للدولة، وصولًا إلى مرحلة الاستقرار، تمهيدًا لإدراج السودان في المنتظم الدولي الجديدة وفقًا لاستراتيجيات مدروسة و متوافق عليها. ليتم من بعدها، تشكيل كيان الدولة السودانية المدنية الحديثة عبر صناديق الاقتراع، و التي تعبر عن تطلعات و آمال الشعب السوداني.
إن كل المؤشرات تؤكد أن هناك خارطة طريق واضحة لإعادة ترتيب البيت الداخلي تم اعدادها و اعتمادها تراعي الظروف الحالية و متطلبات هذه المرحلة و المراحل التي تعقبها، وأن جميع القرارات و الإجراءات الحالية المتخذة تهدف إلى تنفيذ هذه الخارطة و مصفوفاتها التنفيذية المقررة. و التي تبدأ بتعيين رئيس وزراء مستقل يتمتع بكامل الصلاحيات، وهو ما حدث بتعيين كامل إدريس بعد مشاورات مستفيضة، حيث تم اختياره لضمان استعادة المسار الديمقراطي وفقًا لاشتراطات تلبي رغبات الداخل والخارج.
وبما أن السودان يدخل مرحلة جديدة تختلف عن سابقاتها، فإن انسجام جميع القوى الصلبة الداخلية مع هذه المرحلة بات أمر بالغ الأهمية لضمان إنجاح الإصلاحات الداخلية المزمع تنفيذها عقب تولي كامل أدريس منصبه كرئيس للوزراء. و ذلك لبناء نسق متوازن يخدم عملية الإصلاحات الداخلية التي سوف نشهدها في الفترة القادمة، فكل القوى الصلبة دون تمييز بين المكونات المختلفة، بما في ذلك القوى المسلحة التي اختارت وحدة السودان أرضًا وشعبًا وساهمت في إفشال المخطط الذي استهدف تفتيت الدولة السودانية يجب عليها أن تعمل علي دعم عملية الإصلاحات الهيكلية و البنيوية في المؤسسات السودانية لعودتها في تأدية مهامها بصورة تخدم عودة الاستقرار الداخلي للدولة السودانية و تؤسّس لعملية انتقال سلس للسلطة في البلاد في المستقبل.
ختامًا:
إن تجاوز السودان لعقبة تعيين رئيس وزراء جديد ومنحه الصلاحيات اللازمة لإتمام مهامه يمثل خطوة محورية في مسار الإصلاح الداخلي لهياكل السلطة التنفيذية في الدولة. الآن، يبقى التنفيذ الفعلي لعملية الإصلاح، بدءً باختيار رئيس الوزراء لكابينته الوزارية ثم الشروع في معالجة المشكلات الداخلية من خلال البرنامج الجديد، مع مراعاة الملفات الساخنة، ولا سيما الأوضاع الإنسانية والاقتصادية. كما ينبغي وضع استراتيجيات فعالة لضبط الأسواق ومحاربة الفساد المتفشي، بما يضمن استقرار الدولة السودانية ويهيئها للمرحلة القادمة فليس المطلوب من الحكومة الجديدة العمل علي تنفيذ كل المراحل في أن واحد و انما الاستفادة من الاخطاء السابقة وذلك من خلال اتباع سياسة عدم القفز علي المراحل من خلال تحديد الاولوية و اهداف كل مرحلة مراد تنفيذها وفقاً لخارطة الطريق المعتمدة مع مراعاة عملية الرقابة الحثيثة لكامل عملية الإصلاحات المرتقب تنفيذها.
الجمعة ٢٣ مايو ٢٠٢٥ م