
ارجو في بداية هذا المقال التاكيد على ان اللغة هي الوعاء الذي تُصَب فيه التجارب الإنسانية وتتشكل به ملامح الثقافة .
وهي ليست مجرد أداة للتعبير _ بل هي أحد أهم مكونات الهوية الثقافية .
وحين تتعدد الثقافات _ يتبدى اختلاف اللغات فيما قد يمثل حاجز منيع أمام التواصل الفعّال والفهم العميق بين المجموعات .
ففجوة فهم الكلمات تتحول إلى فجوة في المعاني _ فتخلق سوء فهم يتجاوز حدود الترجمة الحرفية ليطال جوهر ومقصد الرسالة .
هذا الحاجز اللغوي يتطلب أكثر من معرفة و إتقان لقواعد النحو فهو يحتاج إلى إدراك السياق وفهم ما وراء الكلمات .
وبطبيعة الحال في المجتمعات المتنوعة هناك اختلاف في القيم والعادات الثقافية _ فما نراه سلوك مقبول أو محترم في ثقافة ، قد يكون من المحظورات في ثقافة أخرى .
هذا التباين _ خاصة في بعض القضايا مثل أدوار الجنسين في المجتمعات ، أو طرق التواصل قد يُسبب تنافر داخل المجتمع الواحد ، يعود غالبًا من اختلاف وجهات النظر حول ما هو صحيح أو طبيعي .
_ هذا التباين يفرض على المجتمعات اهمية العمل بتركيز
للمحافظة على تماسكها .
وهنا يبرز تساؤل مستحق و مشروع وهو …. كيف يمكن التغلب على هذا الحاجز اللغوي والثقافي ؟ .. وقد يتبادر إلى الذهن من واقع التجربة فكرة ابتكار لغة هجينة أو مستحدثة كلغة للتواصل المحدود
هذا الحل مع مقبوليته ، يبدو لي انه يتسبب في ان تفقد اللغات الأصيلة عمقها الروحي والتاريخي ويُسهم في اغتراب ثقافي دون أن يضمن وصول كامل المعنى والرساله .
_ واذكر هنا ما استطاعت العديد من الدول التي عرفت التنوع الثقافي في ارضها ان تبتدره من مسارات أعمق ترتكز على الاحترام المتبادل والاعتراف بقيمة التنوع .
وما قدمته هذه الدول من نماذج للتعايش وآليات الاندماج بالاعتماد على قوة الحوار الهادئ والاحترام والتقدير المتبادل يستحق الاحترام _ وكان نتاجه استقرار ونماء وعافية .
نجحت هذة الدول ومجتمعاتها في التغلب على هذا الوضع عبر بناء جسور متينة من التسامح المؤسسي والمجتمعي .
ولم يكن النجاح وليد الصدفة ، بل نتاج آليات عملت على
ضمان المساواة وعدم التمييز وحماية التنوع وتحويل الاختلاف إلى قوة دافعة وليست سببًا للانقسام ،
و خلقت فرص للحوار والتفاعل اليومي في بيئات العمل والثقافة المحايدة _ حيث تذوب الحواجز أمام أهداف مشتركة .
_ وانا هنا اذكر بالاعجاب تجربة دولة قطر 🇶🇦 ونجاحها باقتدار في صناعة ورعاية العديد من المبادرات التي شجعت الحوار بين الثقافات ، و اشاعة روح التسامح وتوفيرها لبيئة مريحة و حاضنة للجاليات ، وما قامت به بكامل الوعي من الاستثمار في الثقافة كاداة قائدة للتنمية الاجتماعية والصناعية _ وماشيدتة في ذلك من صروح وبنيات للثقافة باذخة وشاهدة على حكمة وذكاء القيادة .
فانتشرت مراكز الثقافة والحوار في ارجاء دوحة الخير شاهدة وعاملة على تعزيز التفاهم والتعايش بين الحضارات والثقافات المختلفة –
بل وسمحت للجاليات بإصدار صحف و عمل إذاعات بلغاتهم ، ودعمت ورعت عبر وزارة الثقافة و المؤسسات الثقافية الأخرى الأنشطة الثقافية والفنية لهذة الجاليات
وفوق ذلك كله اذكر بكل المحبه و الاجلال ما تقدمة دولة قطر من فرص للتعليم للأطفال الذين تأثرت بلدانهم بويلات الحروب .
اختم مقالي بالقول بان الثقافة لا تتراجع بالتباين ولا تموت بالاختلاط _ بل تزدهر وتتجدد ،
وتستطيع بذلك ان تعزف هارموني الاختلاف بشرط أن تُبنى جسور التفاهم على أساس متين من الاحترام العميق للتباين والاختلاف الانساني .