نظرية الحرب والإرهاب : الحرب على السودان في أبريل 2023 نموذجًا !؟

الملخص:
تزايدت في العقدين الأخيرين النزاعات التي يصعب تصنيفها ضمن ثنائية الحرب أو الإرهاب، ما أدى إلى بروز مفاهيم جديدة مثل “النزاعات الهجينة” التي تخلط بين العمليات العسكرية الكلاسيكية وتكتيكات العنف الإرهابي. تقدم هذه الورقة قراءة تحليلية لأحدث حرب في تاريخ السودان في أبريل 2023 تفرض عليه من قبل مليشيا الدعم السريع وتحالفها الداخلي والخارجي . أتناول الاحداث من منظور نظرية الحرب والإرهاب، وتفكك طبيعة الصراع الموجه بداية للقوات المسلحة السودانية (SAF) من قبل قوات الدعم السريع (RSF) المتمردة ، في ضوء الانتهاكات والجرائم واسعة النطاق ضد المدنيين والدعم الخارجي المعقد الذي تلقاه العدو وأعوانه من مرتزقة الشتات. تكشف الدراسة أن النزاع يمثل نموذجًا صارخًا للنزاعات والحروب الهجينة التي تتطلب مقاربة قانونية وسياسية ودبلوماسية وإعلامية متعددة المستويات لمعالجة آثارها الكارثية.على نحو ما اشرت في مقالي السابق عن الاطار المفاهيمي لهذه الجدلية وتقاطعاتها.
١- مقدمة: الحرب والإرهاب – جدلية المفهوم
غدت النزاعات المسلحة المعاصرة أكثر تعقيدًا من أن تستوعبها الأطر النظرية الكلاسيكية التي تفصل بين الحرب كظاهرة سياسية منظمة والإرهاب كعنف غير تقليدي يستهدف المدنيين لتحقيق مكاسب سياسية أو أيديولوجية. ففي حالات عدة، أصبح من الصعب التمييز بين الأعمال الحربية وأفعال الإرهاب، لا سيما في النزاعات الداخلية التي تنطوي على انخراط فواعل غير دولية وتدخلات خارجية.
ما وقع من أحداث مدمرة ومكلفة في السودان جراء المغامرة التي قادتها مليشيا الدعم السريع في أبريل 2023 تثير سؤالًا محوريًا: هل ما شهدته البلاد هو حرب أهلية تقليدية أم حملة إرهابية منظمة أم مزيج من الاثنين؟ الإجابة عن هذا السؤال تتطلب تحليلًا متعمقًا للنظرية والتطبيق، وفق السردية التي حملتها الايام لأكثر من عامين. وقد حاولت اطراف دولية نافذة لتزييفها عبر مصطلحي الطرفانية والشرعية لاضعاف الدولة السودانية وابتزازها.
٢. الإطار النظري: الحرب والإرهاب والنزاعات الهجينة
أ. الحرب في القانون الدولي
الحرب وفق القانون الدولي الإنساني هي نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر أو بين أطراف منظمة داخل دولة، وتخضع لقواعد صارمة لحماية المدنيين والمقاتلين خارج القتال (International Committee of the Red Cross, 1949). لكن النزاعات الداخلية كثيرًا ما تقع في “المنطقة الرمادية”، ما يضعف الحماية القانونية للأطراف الأضعف.
ب. الإرهاب كظاهرة عابرة للحدود
الإرهاب يُعرّف بأنه “أفعال عنف متعمدة تستهدف المدنيين والمرافق المدنية بغرض إثارة الرعب وإكراه الحكومات أو المنظمات الدولية على تنفيذ أو الامتناع عن عمل معين” (United Nations General Assembly, 2004). يتميز بعدم التمييز والانتشار غير المحدود.
ج. النزاعات الهجينة
في السنوات الأخيرة، ظهر مصطلح “النزاعات الهجينة” (Hybrid Conflicts) لوصف الحالات التي تجمع بين:
▪️العمليات العسكرية التقليدية
▪️تكتيكات الإرهاب ضد المدنيين
▪️حرب المعلومات والدعاية
▪️الدعم الخارجي من فواعل
إقليمية ودولية (Hoffman, 2007).
. انخراط منظومات اجنبية ومرتزقة.
. سلاح المخدرات وتبييض الأموال.
٣- الحرب على السودان – أبريل 2023:
خلفية النزاع
اشعل التمرد الحرب في 15 أبريل 2023 إثر خلافهم الحاد مع القوات المسلحة SAF وRSF حول دمج الأخيرة في الجيش النظامي بموجب الاتفاق الإطاري المفخخ الموقع مع القوى المدنية (African Centre for Justice and Peace Studies, 2023). بدأت المواجهات بهجوم الدعم السريع على مواقع استراتيجية في الخرطوم، بما في ذلك مقار الجيش والمناطق العسكرية والقصر الجمهوري ومطار مروي، وغيرها من البنيات التحتية، ثم نهب ممتلكات المواطنين والسطو على الأعيان المدنية، ورد الجيش بضربات جوية مكثفة.
مع امتداد القتال إلى الجزيرة ودارفور وكردفان، والنيل الأبيض وسنار، تعرض المدنيون لانتهاكات واسعة النطاق شملت القتل، النهب، التهجير، وحصار المدن، ما أدى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة (Human Rights Watch, 2023).بكل الجرائم البشعة الموصوفة في القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي .
٤. تحليل التداخل بين الحرب والإرهاب
أ. خصائص الحرب
▪️وجود قوات مسلحة منظمة بقيادة
▪️مركزية تجاوزت القرن منذ تأسيسها
. استخدام أسلحة ثقيلة وطيران حربي ودبابات وصورتيه بعيدة المدي ومسيرات .
•أهداف عسكرية محددة لاستعادة السيطرة على المرافق الحيوية.
ب. مؤشرات الإرهاب
. استهداف المدنيين عمدًا لترهيب المجتمع والسيطرة على الأرض.
. ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غرب دارفور ضد قبائل المساليت (United Nations Human Rights Council, 2023) وفي الخرطوم وضواحي متعددة .
. حرق قرى ونهب ممتلكات، وفرض حصار غذائي وطبي على مناطق مكتظة بالسكان، وتدمير خدمات الكهرباء والاتصالات وتلويث مياه الشرب.
ج. النزاع الهجين
تُظهر أحداث السودان تلاشي الحدود بين الحرب والإرهاب، مما يجعلها نموذجًا واضحًا للنزاعات الهجينة التي يصعب توصيفها في إطار قانوني واحد. مقارنة الي تجارب الجوار والاقليم والعالم من حولنا . وتدعو الظاهرة اهل الاختصاص للتداعي لسبر غورها والإحاطة بمكنونها الجمعي.
٥- الحرب خارج الحدود: الإمارات، تشاد، ومرتزقة الشتات
أ. الإمارات والدعم اللوجستي
وثقت تقارير أممية إنسانية وحقوقية وإعلامية وازنة شحنات أسلحة وتمويل من الإمارات إلى RSF عبر شبكات معقدة من الشركات الوسيطة (Reuters, 2023)وعبر بعد الحدود الغربية وغيرها.
ب. تشاد وليبيا كممر للمرتزقة
تحولت الحدود السودانية التشادية وبعض الجوار الليبي إلى ممر رئيسي لتدفق المرتزقة من غرب إفريقيا والساحل، حاملين خبرات قتالية من ليبيا ومالي والنيجر (Small Arms Survey, 2023)واعدت منصات للتدريب والتشوين والتهريب من داخل السودان.
ج. مرتزقة الشتات ومنظومة فاغنر
شارك مقاتلون سودانيون وأفريقيا وغيرها من الشتات في النزاع، ممن سبق لهم القتال في اليمن وليبيا، وغرب وشمال أفريقيا ما أضفى طابعًا إجراميًا على العمليات (International Crisis Group, 2023).عبر التدريب المتقدم بواسطة منظومة فاغنر الروسية.
٦- التداعيات الإنسانية والقانونية
.ضحايا مدنيون: أكثر من 15,000 قتيل مدني، وأكثر من 10 ملايين نازح (OCHA, 2024) وأكثر من 5 ملايين لاجي.
. دمار شامل: انهيار المؤسسات الصحية والتعليمية، والصناعية والبنى التحتية وانتشار الاوبئة و الأمراض.
. إشكالية المساءلة الدولية: جدل حول تصنيف الجرائم بين جرائم حرب وأعمال إرهابية، مما يعطل إجراءات العدالة الدولية، وتسويف السردية دوليا وايجاد غطاء وحماية للتمرد .
٧.البعد السياسي لإشكالية الحرب والإرهاب وأثره على فرص التسوية
إن مقاربة الحرب والإرهاب في السودان تكشف عن إشكالية سياسية مركبة، خاصة في ظل النتائج المدمرة للصراع مع مليشيا قوات الدعم السريع ورعاتها الإقليميين والدوليين. فالحرب لم تقتصر على كونها مواجهة مسلحة بين أطراف داخلية، بل انزلقت إلى حالة أشبه بالإرهاب الممنهج ضد المدنيين عبر الانتهاكات الواسعة النطاق، بما في ذلك القتل الجماعي، والاغتصاب كسلاح حرب، والتطهير العرقي، ما جعلها أقرب إلى “الإرهاب الداخلي” المعزز بدعم خارجي. هذا الواقع أضعف الثقة الشعبية في أي عملية سياسية، وجعل إمكانية عقد تسوية سياسية مستدامة أمرًا بالغ الصعوبة، لأن أي تسوية لا تأخذ في الاعتبار هذه الانتهاكات وعمق تدخل الرعاة الخارجيين وفقدهم وغياب التعويض المجزئ، ستكون مجرد وقف مؤقت للأعمال العدائية، وليس سلامًا حقيقيًا. كما أن الإبقاء على الفاعلين الذين ارتكبوا تلك الأفعال في معادلة السلطة دون محاسبة وعقوبة يعزز ثقافة الإفلات من العقاب ويقوض مسار العدالة الانتقالية، وهو ما يهدد بعودة العنف في دورات لاحقة. من هنا، فإن تجاوز هذه الإشكالية يتطلب مقاربة شاملة تربط بين وقف الحرب، وتجفيف منابع الإرهاب، ومحاسبة المسؤولين داخليًا وخارجيًا، إلى جانب إعادة هيكلة الحركات المسلحة في القطاعين الأمني والعسكري لبناء عقد اجتماعي وسياسي جديد يعيد للسودان سيادته وللمجتمع الدولي مصداقيته في دعم السلام العادل بالبلاد .
٨- التحديات المستقبلية
يواجه السودان تحديات كبرى بعد هذا النزاع الهجين، أهمها:
. إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعدلية.
. تحقيق العدالة الانتقالية لضمان عدم الإفلات من العقاب.
•معالجة التدخلات الخارجية الاقليمية والدولية التي زادت النزاع تعقيدًا.
٩. خاتمة وتوصيات
تكشف حرب السودان في أبريل 2023 عن مزيج من الحرب والإرهاب في سياق داخلي مع دعم خارجي. لمعالجة هذا الواقع الجديد، والجرائم المنظمة والعابرة للحدود توصي الورقة بـ:
1-تطوير أطر قانونية وطنية و دولية للنزاعات الهجينة.
2-دعم جهود العدالة الانتقالية لتوثيق الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها.
4-ممارسة ضغوط دبلوماسية قوية على الأطراف الإقليمية لوقف دعمها للأطراف المتمردة.
4-تعزيز دور المنظمات الإنسانية لضمان حماية المدنيين.
⸻
٢٠ يوليو ٢٠٢٥م