مكي المغربي
عندما اعترض الرئيس المصري الراحل حسني مبارك على حل الجيش العراقي ضمن حملة تفكيك البعث، التي قادتها أمريكا بتأييد خليجي ورغبة انتقام وتشفي رعناء منهم، لم يكن يدافع عن حزب البعث، ولا يرى استمرار ايدلوجيا البعث، بل لأنه كان يعلم المخاطر جيدا.
في العام 2016 شهدت ندوة في مركز في واشنطون قال فيها المتحدث، أن داعش وكل الارهاب في المنطقة وطغيان ايران على دول الخليج الذي وصل إلى إسقاط اليمن، سببه حل الجيش العراقي وتسليم العراق للمليشيات الشيعية والقبلية وجيش كردستان ثم قال حرفيا “يا ليت لو أخذنا برأي مصر”.
كل من أعرفهم من الأمريكان حاليا لا يلقون بالا على الاطلاق بمزاعم “كوزنة” الجيش السوداني، هم يتحدثون عن ضرورة التفاوض بغرض الدمج وليس اعادة انتاج المليشيا، بل بعضهم كانوا يرددون منذ أن كنت في واشنطون هل يمكن أن يلعب الجيش السوداني دورا ايجابيا في جنوب السودان؟ بالذات لو تم انشاء قوات سودانية يوغندية مشتركة، حدث هذا بعد أن تم انشاء آلية أمنية يوغندية سودانية في العام 2015 ولكن لم تلقط الخرطوم وكمبالا زمام المبادرة، بالرغم من الضوء الأخضر الأمريكي، والسبب هو ذات السبب .. ارباك الناشطين السياسيين للمشهد.
أما التعاون الاستخباري في مكافحة الارهاب مع السودان كان جزءا من التقرير السنوي الأمريكي لاسيما تجربة اعادة التأهيل النفسي للكوادر غير العنيفة والاصغر عمرا، وكانت كل المفاوضات الأمنية تؤكد أن التصنيف السياسي للسودان في قائمة الارهاب له أسباب أخرى ويجب ازالتها بالتفاوض، وفعلا بدأ التفاوض في عهد الانقاذ، وعطله البشير بعد أن وافق على أجندته ولم يعطله الأمريكان أصلا، ثم بدأ حمدوك من ذات الاجندة التي اعتمدها البشير، وشرحت هذا الأمر من قبل، ولكن الخلاصة التي كانت أمامي أن قصة الأخونة لا محل لها في العلاقات الأمنية السودانية الأمريكية، هي عبط من سياسيين سودانيين وبعض الخبراء المزعومين في دول خليجية الذين يقتاتون على تعظيم أجرهم بتعظيم الخطر الذي يحاربونه أو اختراع الأوهام من العدم.
انني وبكل صراحة أرى عبطا خليجيا في قضية الاسلاميين في السودان مثلما حدث لهم في موضوع البعث وذاقوا وبال أمرهم أكثر من كل الشعوب، لذلك عصيان أجندة دولة أو إثنين في الخليج واجب في ذمة كل مسلم، وليس السودانيين فقط.
أكبر دليل على هذا “العبط” هنالك في السودان مبالغات تنتهي الى تناقضات أشبه “بالهضربة” مثل قول حميدتي أن البرهان لا يصلي تارة وأنه إخواني تارة أخرى، وأن هنالك طرف ثالث أشعل الحرب، وأن البرهان هو الذي أشعل الحرب بعد أن راوغه بسبب مطامع شخصية في السلطة فقط لا غير.
ولأن بعض القنوات تدفع 200 دولار في الاطلالة الواحدة للمحللين والصحفيين فانهم يلتزمون بالهضربة والا لن يتم دعوتهم مرة أخرى للظهور فالمطلوب أن يرددوا مزاعم الطرف الثالث الذي اشعل الحرب ويقبضوا “الورقتين الخضراوين” أما من يكتبون التقارير ويقدمون البرامج يعلمون تماما أن دورهم تجميل صورة المليشيا والنعال السياسية التي ترتديها، وذلك بجعلهم البديل الوحيد والا عادت فزاعة الاسلاميين لحكم السودان.
ولا شيء يجعل عودة الاسلاميين مطلبا شعبيا إلا وجود هذه “النعال” التي تظن أنها أحزاب سياسية.
المهم، لو كنتم تعتقدون أن النزق الخليجي سيقود أمريكا هذه المرة أنتم واهمون، أمريكا حتى الآن تعض على يدها من الغضب أنها لم تأخذ بنصيحة حسني مبارك، وأنها احتلت العراق ثم قدمته لايران والمليشات القبلية والارهابيين على طبق من ذهب.
اعزائي في الخليج، وأنا أقصد دولة أو دولتين، لا تضعوا علاقتكم مع شعب حر وعزيز وواعي مثل الشعب السوداني في خطر من أجل مليشيا ونعال سياسية، سيتجاوز السودان الأزمة مهما كانت الخسائر، ولن يفرط الشعب السوداني في جيشه من أجل خط إعلامي مفضوح في فضائية سبق وأن وقفت مع اسرائيل ضد غزة وباركت قصف البيوت وذبح الأطفال بذات المزاعم حول الحياد والمهنية والحرب على الارهاب.
شاهت الوجوه وستجدون حسرات هذا الأمر في السكرات، وسيصيبكم الفزع في منامكم لأنكم شركاء المليشيا الاعلاميين.