
1
تحاول أبواق العملاء في “صمود” وتابع مسعد بولس أن يقدموا خطاباً مداهناً في محاولة لتبييض وجه الميليشيا التي لن تُغسل جرائمها بمياه الأرض. يقوم الخطاب المنافق على ثلاث سرديات: الأولى التهوين من جرائم الميليشيا، والثانية مساواة انتهاكات الجيش بأحداث معزولة وأخطاء تقع فيها كل الجيوش وهي تخوض الحروب، والثالثة هي الإنكار وتزييف الوقائع.
سرديات مسعد بولس ومنصات “صمود” تحاول تشكيل الوقائع بما يخدم الميليشيا، سرديات قُصد بها تضليل الوعي، وكل سردية منها تحاول القيام بمهمة مستحيلة: غسل يد غارقة في الدم. لكن الوقائع العالمية، من تقارير أممية ودولية وصحف كبرى، جاءت لتنسف هذه السرديات الواحدة تلو الأخرى.
2
السردية الأولى كانت التهوين. تقول أبواق الميليشيا: “لا توجد إبادة… ما جرى مجرد صراعات مجتمعية”، بل ذهب بعضهم للقول: “الحديث عن اغتصاب جماعي مبالغات إعلامية”، كما قال علاء الدين نقد. لكن لم تترك لهم التقارير الدولية مساحات للهرب. كل الصحف الكبرى المحترمة في العالم قدّمت صوراً موثّقة من الجرائم، وقدّمت شهادات الضحايا حيّة من مناطق النزوح، وكل منظمات حقوق الإنسان قدّمت تقاريرها من موقع الأحداث. عشرات من مراكز البحوث ومنظمات حقوق الإنسان، وحتى آخر تقرير للعفو الدولية في نوفمبر 2025، وصف الفظائع والجرائم التي ارتكبتها الميليشيا في الفاشر، كما وصفت من قبل ما حدث في الجنينة بأنه “أسوأ موجات العنف العرقي في أفريقيا خلال العقد الأخير”، مؤكدة أن الهجمات لم تكن فوضى حرب، بل عملية منظمة تستهدف مجموعات بعينها. حتى الأمم المتحدة، ورغم لغتها الحذرة، اضطرت إلى الاعتراف بإدانة 82 دولة للهجمات “المخطط لها” التي ارتكبها الدعم السريع ضد المدنيين. هذه الإثباتات لم تترك للسردية الأولى أي مساحة للتنفس.
3
السردية الثانية كانت المساواة: “كل الأطراف ارتكبت جرائم”، الجيش والدعم السريع سواء. ردد بعض كتّاب بولس: “لا أحد بريء في هذه الحرب”، بل ادعى آخرون أن “الجيش ارتكب ما هو أسوأ”. لم يكن الهدف قراءة المشهد، بل التضليل، ووضع الضحية والجلاد في ذات الموقع. لكن الوقائع صفعت هذا الوهم. الجيش، رغم كل الضغوط، أعلن فتح تحقيقات في أي تجاوز فردي—سلوك مؤسسة نظامية تخضع للقانون. أما الميليشيا، فجرائمها ممنهجة باعتراف العالم: صور Maxar وPlanet Labs أظهرت إحراق أحياء بأكملها، وتقارير Yale HRL وثّقت مقابر جماعية وعمليات تطهير عرقي، وناجيات روين تفاصيل اغتصاب جماعي بأوامر عليا، ونيويورك تايمز وثّقت عمليات قتل على الهوية داخل شوارع دارفور. كل ذلك حطّم السردية الثانية، وأعاد الفصل الأخلاقي بين دولة وميليشيا.
4
السردية الثالثة كانت الإنكار، وهنا يبلغ خطاب العملاء درجة الوقاحة: “لا توجد مجازر… الصور مفبركة”، “لا توجد مقابر جماعية… حفريات طبيعية”. إنكار يساوي بين الجريمة والعدم، وكأن الجنينة لم تُباد، وكأن الفاشر لم تُذبح. لكن الأدلة جاءت كالسيل. صور الأقمار الصناعية حدّدت مواقع المقابر الجماعية بدقة، ورصدت احتراق الأحياء وتحركات ارتال الميليشيا. الغارديان نشرت تقريرها الصادم “They slaughtered us like animals”، وفيه روايات مباشرة عن اغتصاب، وقتل أطفال أمام أمهاتهم، وإعدامات على الطرقات. BBC وثّقت استخدام الاغتصاب كسلاح حرب، وأسوشييتد برس وصفت ما جرى بأنه “تطهير عرقي يستهدف مجموعات محددة بوضوح”.
هذا الكم من الإثباتات سحق سردية الإنكار سحقاً، وجعل من يكررها شريكاً في الجريمة لا ناقلاً لرواية.
5
هكذا تتهاوى السرديات الثلاث—التهوين، والمساواة، والإنكار—كلما واجهتها الحقيقة. فخطاب مسعد بولس ومنصات “صمود” عاجز عن تغطية جثة سياسية لا يريدون الاعتراف بموتها. إن الميليشيا التي ارتكبت كل أنواع الجرائم في الأرض لا يمكن غسل سجلّها، لا بمياه الأرض. إن ما تحاوله الآن “صمود” ورهطها وأبواقها وكفلاؤها مستحيل. كيف للموتى في تحالف “صمود” أن يغسلوا قاتلاً صورُ ضحاياه وجرائمُه بيديه؟!





