ملامح من الذكري السنوية لحرية الصحافة في 2022م : حرية التعبير في السودان بين الحصار الرقمي للصحافة والمسؤولية الأخلاقية 2-3
تطرقت الحلقة الأولي للمحة تاريخية عن الصحافة بشقيها التقليدي والحديث، التطور التقني في مجال الصحافة وتأثيره علي حرية التعبير ، وفي هذه الحلقة نستعرض حرية التعبير في السودان إبان الفترة الإنتقالية الحالية 2019-2022م بصورة عامة بالتركيز علي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها من أهم آليات حرية التعبير في العصر الحالي.
وسائل التواصل الاجتماعي في السودان
شهد السودان تطورات متسارعة في مجالات الإعلام بشقيه التقليدي والحديث بعد تحرير قطاع الاتصالات في مطلع تسعينات القرن الماضي، حيث لعبت استثمارات القطاع الخاص السوداني والأجنبي دورا محوريا في إنشاء شركات زين،سوداني، أم تي إن، لتصبح هذه الشركات روافد فاعلة لتغذية قطاع الإعلام -خاصة حرية التعبير- وغيره ومن القطاعات ذات الصلة.
وفقا لذلك التطور تفيد الإحصائيات أن نسبة استخدام الانترنت وسط السكان في السودان بلغت خلال شهر يناير 2021م 30.9% أي ما يعادل 13.70 مليون نسمة من إجمالي السكان كما بلغت نسبة مستخدمي الاتصال عبر الموبايل في يناير 2021م حوالي (33.74) مليون شخص، و أن سرعة الإنترنت في الربع الأول من عامو2020م تراوحت ما بين (8.6) الى (6.8) ميجابايت وهو أدنى معدل من السنوات السابقة بفارق 19%. و على الرغم من ارتفاع نسبة استخدام الانترنت في السودان، إلا أن تغطية شبتكه لا تتجاوز الـ 60 % و أن نسبة الأمية التقنية-وفقا لبعض الاحصائيات- بلغت 61% وهي نسبة عالية مما يحتم علي واضعي السياسات الإنتباه ليس لهذا فحسب، بل أيضا معالجة الفجوة الرقمية في ظل تسارع رقمي مهول له تأثير بالغ علي كل العالم بما في ذلك السودان.
وسائل التواصل الاجتماعي و حرية التعبير في السودان
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا محوريا في ممارسة حرية التعبير في السودان، و رغم أن حرية التعبير تشمل طيفا واسعا من المعاني إلا أن الحديث عنها في السودان غلب عليه الميدان السياسي في ظل الظروف السياسية المعقدة والمربكة التي تشهدها البلاد، وتبعا لذلك صاحب ممارسة حرية التعبير انتشارا واسعا للشائعات والاخبار المزيفة في ظل غياب جهة حكومية مسؤولة بالقدر الكافي يُعتمد عليها في توفير المعلومة في توقيتها المناسب مما يتيح فرصة لأخذ ما هو صحيح ودحض ما هو باطل في زمن سهل فيه التحقق من المعلومة بكل يسر، أضف إلي ذلك أن من اهم ميزات تلك الوسائل في ممارسة حرية التعبير أنها تتيح فرصة لتعدد الفاعلين في المجال، فباتوا بفضلها كُثر ما بين متلقي و مرسل ومعلق حقيقي أو متخفي أو مستتر وكل ذلك في آن واحد وفي الزمن الحقيقي (Real Time) وبأشكال مختلفة وباستخدام المؤثرات السمعية والبصرية في تكوين الرسالة الإعلامية التي يمكن توجيهها لمختلف شرائح المجتمع (رجال، نساء، طلاب، شباب، شابات وبل حتي يمكن مراعاة مستوي التعليم والوعي في تكوين تلك الرسالة)، و مثل هذه الميزاتة تفتقر إليها وسائل الإعلام التقليدية كاحدي مكونات حرية التعبير.
وسائل التواصل الاجتماعي وحرية التعبير في فترة الإنقاذ
واجهت الإنقاذ معارضة منذ بدايتها وبالتالي تأثرت حرية التعبير بسياسات الحكومة وقتئذ، و كان يسود حينها الإعلام التقليدي بكل أنواعه ثم اتجهت الدولة “للأمنَنة” لمواجهة قضايا حرية التعبير والمقصود بالأمننة هنا اللجوء الي الحلول الأمنية عِوضا عن معالجة جذور المشاكل التي تواجه ممارسة حرية التعبير، مثلا: بدلا عن فرض الرقابة القبلية (نوع من أنواع الأمننة) علي الصحف قبل إصدارها، كان الأولي توفير المعلومة الصحيحة وممارسة الشفافية في تمليكها و العمل علي إنشاء شراكة مع وسائل الإعلام باعتبارها السلطة الرابعة فهي بمثابة الشريك وليس العدو.
بعد سبتمبر 2013م سئم الشعب السوداني من أسلوب التظاهر كأحد اشكال للتعبير ضد بعض سياسات الحكومة، فاتجه الشباب خاصة لوسائل التواصل الاجتماعي، و ظهرت وقتها وسائل إعلام أكثر شعبية من الفيسبوك والتويتر ممثلة في الواتساب والتيلجرام، فنشأت المجموعات الإسفيرية المعارضة والإخبارية حتى أن كثير من الصحف أصبحت تستقي أخبارها من تلك الوسائط، زادت حيوية استخدام هذه الوسائل كوسيلة للتعبير في عام 2015م عندما رفعت الإدارة الأمريكية الحظر التقني عن السودان بعد 18 عاما من الحصار، أصبح بعدها بإمكان مستخدمي الهواتف الذكية في السودان فتح متجري play store وGoogle play ثم عادت شركة “غوغل الأمريكية” لتسويق خدماتها البرمجية والتطبيقات بالسودان.
في رأيي أن رفع الحظر التقني رفع معه ايضا حجب الدهشة من منظور أن كلا من الحكومة السودانية والإدارة الأمريكية غنتا علي ليلاهما، فيبدو أن الإدارة الأمريكية كانت تعرف ما تريد من ذلك وهو العمل علي تقويض النظام في السودان من خلال إستعمال وسائل التواصل الاجتماعي لتسهيل ممارسة حرية التعبير ومنح فرصة للمعارضة للتأثير علي الرأي العام السوداني، و إلا لماذا رفع الحظر التقني الذي لا يتجاوز من يستخدمون التقنية في السودان ذلك الوقت حوالي 10-15% من السكان بينما تبقي الإدارة الأمريكية الحظر ولو جزئيا علي أهم قطاعات (مثل القطاع الطبي والقطاع الزراعي رغم الإدعاء برفع الحظر عنهما) تمس حياة المواطن السوداني مباشرة ولها آثار كارثية علي حياة حوالي (40) مليون نسمة من السكان، إذن ليلي امريكا هي دفع المعارضة السودانية لحصار النظام اعلاميا و الذي صادف هوي عند بعض الشامتين في أوطانهم فاستغل ذلك تحت ذريعة حرية التعبير و لحاجة في نفسه للإضرار بالسودان قبل الاضرار بالإنقاذ. أما ليلي السودان فكانت هي تخفيف الضغط الدولي علي السودان وتحسين صورته لذلك وجد القرار ترحيبا من الحكومة السودانية واعتبرته دليل علي تطور العلاقات والإنفراج وهذا صحيح بنسبة 100%، وربما أحدث تحسنا إيجابا طفيفا علي الصورة العامة للسودان داخليا وخارجيا، لكن الأمر الأهم في تقديري أن الحكومية السودانية حينها لم توفق او قل إن شئت فشلت في الإستفادة القصوى من التقنية وتسخيرها لتسهيل ممارسة حرية التعبير ومواجهة أكاذيب المعارضة بمخاطبة الرأي العام السوداني و العالمي ومحاصرة ناشطى حقوق الإنسان وجمعياتهم بتصحيح ما يُبث من شائعات أضرت ومازالت تضر بمستقبل وأمن السودان حتى يومنا هذا.
وتأسيسا علي ذلك تضح مدي خطورة استخدام الإعلام في ممارسة حرية التعبير في تحسين أو تحطيم صورة الدول وهذا مجال غابت عنه الإنقاذ بشدة وهو من أكبر أخطائها الإستراتيجية والكارثية. وإزا استعار أوار تلك الحملة المسعورة ضد السودان عبر هذه الوسائل ولا أقول الإنقاذ لان السنن تقتضي زوال الحكومات لتعقبها أخري، ولكن يبقي الوطن وهذا للأسف ما فشلت في إستيعابه الإنقاذ حينها وايضا فشل معارضيها سابقا و حكام اليوم وحتي نحن عامة الشعب الذي لم يسلم بعضه من متلازمة غياب الوعي والوقوع في شباك الاستحمار والاستغفال الجماعي.
يتواصل…