✍️ د. أحمد عبد الباقي

يصادف الثالث من مايو من كل عام اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي تحتفي به الامم المتحدة في عصر شهد طفرة هائلة في مجال تقنية الاتصالات والمعلومات بفضل الثورة الصناعية الثالثة (الرقمنة) والثورة الصناعية الرابعة (انترت الأشياء)، حتي بات أكثر من نصف سكان العالم البالغ (7.87) مليار نسمة يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي حاليا وحوالي 4.80 مليار نسمة حول العالم استخدموا الانترنت من بينهم 4.48 مليار استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي خلال شهر يوليو 2021م. كما أنه وفقا للإحصائيات أن %91 من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يصلون إليها عبر أجهزتهم الجوالة، و على فرض أن الناس ينامون ما بين 7 و 8 ساعات يوميا، فإن الأرقام الأخيرة تشير إلى أنهم يمضون نحو %15 من حياة اليقظة يستخدمون وسائل التواصل. ويقضي العالم أكثر من 10 مليارات ساعة يوميا في استخدام وسائل التواصل، وهذا يعادل نحو 1.2 مليون سنة من عمر الوجود البشري
(https://www.aljazeera.net/news/scienceandtechnolo)

يعود تاريخ اليوم العالمي لحرية الصحافة إلى مؤتمر عقدته اليونسكو في مدينة ويندهوك (عاصمة جمهورية ناميبيا وأكبر مدنها) في عام 1991م في الثالث من مايو، و اصبح إعلان هذا المؤتمر أساس لتطوير صحافة حرّة ومستقلّة وتعدديّة ومن ثم تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذلك اليوم كيوم عالمي لحرية الصحافة في ديسمبر 1993 م، ومن حينها يُحتفل بالذكرى السنوية لهذا اليوم في الثالث من مايو من كل عام. يصاحب الاحتفال مؤتمر دولي كل عام منذ 1993م ويوفر فرصة للصحفيين وممثلي المجتمع المدني والسلطات الوطنية والأكاديميين والجمهور الأوسع لمناقشة التحديات الناشئة التي تواجه حرية الصحافة وسلامة الصحفيين والعمل معًا على اقتراح الحلول. و في احتفالات هذا العام تستضيف جمهورية أوروغواي و اليونسكو في الفترة من 2 إلى 5 مايو 2022 ( منقول بتصرف عن موقع المؤتمر العالمي السنوي لليوم العالمي لحرية الصحافة).

جاء احتفال هذا العام 2022 تحت شعار: “الصحافة تحت الحصار الرقمي” وهو مقصود به حسب الأمم المتحدة: “تسليط الضوء على الجوانب المتعددة لتأثير ما استجد من تطورات في وسائل الرقابة الحكومية وغير الحكومية، وجمع البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي على الصحافة وحرية التعبير والخصوصية، ويستعرض التحديات المتصلة ببقاء وسائل الإعلام في العصر الرقمي ونجاحها، والتهديدات التي تُقوض ثقة الجمهور نتيجة الرقابة والهجمات الرقمية على الصحافيين، وعواقب ذلك كله على ثقة الجمهور في الاتصالات الرقمية” (منقول بتصرف عن موقع الأمم المتحدة). يعد الثالث من مايو 2022م مثابة تذكير للحكومات بضرورة احترام التزامها بحرية الصحافة، وكما أنه يوم للتأمل بين الإعلاميين حول قضايا حرية الصحافة وأخلاقيات المهنة. وإنها فرصة للاحتفال بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، تقييم حالة حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم، الدفاع عن وسائل الإعلام من الاعتداءات على استقلالها ، تحية للصحفيين الذين فقدوا أرواحهم في أداء واجباتهم (منقول بتصرف من موقع الأمم المتحدة).

السودان ليس ببعيد عن تلك التأثيرات التي تتعرض لها دول العالم من حيث أن حرية الصحافة تتأثر بتلك التطورات سواء أكان في مجال الرقابة المذكورة في بيان الأمم المتحدة أو التطور الرقمي الذي غدت بموجبه وسائل التواصل الاجتماعي أحدي الآليات المهمة للتعبير عن حرية الرأي. نركز في هذه المساهمة علي ملامح من حرية التعبير خلال الفترة الإنتقالية التي يعيشها السودان حاليا بالتركيز علي وسائل التواصل الاجتماعي -في ظل الاحتفال باليوم العالمي للحرية الصحافة- بوصفها احدي مكونات الصحافة والإعلام في عصرنا الحالي.

حرية التعبير

تعود فكرة حرية التعبير إلى القرون الوسطى في النصف الثاني من القرن السابع عشر عندما أصدر البرلمان البريطاني بما عُرف حينها بحرية الكلام، و حرية التعبير تعني باختصار ضمان حق الفرد في الإعلان عن أفكاره بالكلام أو الكتابة أو الفن دون قيود. ومن أبرز مكوناتها حريات الإعلام والصحافة والاعتقاد والتظاهر، إضافة إلى حرية تناقل وتبادل والحصول علي المعلومات داخليا و عبر الحدود دون عقبات تحد من التمتع بذلك الحق. ولأهمية حرية التعبير ينص الإعلان العالمي لحقوق الأنسان في مادته رقم 19 على حرية الرأي دون تدخل وقيود ضد الحرية الفردية، غير أن حرية التعبير ليست مطلقة، بل لها محددات تهدف إلى منع تهديدها لقيم الديمقراطية، قيم المجتمع و أمنه وسلمه الاجتماعي.

لعبت وسائل الإعلام التقليدية والحديثة دورا هاما في حرية التعبير، حيث تربعت الصحافة التقليدية علي العرش منذ الحضارة اليونانية (كانت تعلق الأخبار المهمة وقرارات الدولة علي الجدران) ، إلي أن تم اختراع غوتنبرغ للطباعة بالحروف المعدنية المنفصلة في القرن الخامس عشر الميلادي، ومن ثم توالي تطور و انتشار الصحف في العالم حتي يومنا هذا إلا أنها تأثرت سلبا مؤخرا–رغم اهميتها-بصورة كبيرة بالتطور في مجال تقنية الإتصالات الذي أحدثته الثورة الصناعية الثالثة و الثورة الصناعية الرابعة. ساد خلال هاتين الثورتين -منذ الثمانينات- استخدام الكمبيوتر الشخصي والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلي أن وصل التطور ذروته في عصر الثورة الصناعية الرابعة التي تتميز باختراق التكنولوجيا الناشئة لعدد من المجالات، بما في ذلك الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء (IoT) وكل ذلك له تأثير مباشر وغير مباشر علي حرية التعبير بأشكلها المختلفة.

وسائل التواصل الاجتماعي

التطور في مجال تقنية الإتصالات والمعلومات حمل معه تطورا غير مسبوق في مجال حرية التعبير من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي يعود بداية ظهورها إلي عام 1985م حيث وضعت لبناتها شركة GENie التابعة لشركة General Electric الأمريكية ، ثم توالت الإختراعات إلا أن ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي المعاصرة في عام 2003م (يوتيوب، وفيسبوك، وتويتر)، وفي عام 2006 تم إطلاق فيسبوك ليكون واحد من أقوى وأهم مواقع التواصل الاجتماعي على الإطلاق ثم تم أيضا إطلاق منصة تويتر بفكرة مختلفة في عام 2006. ومنذ بداية عام 2006 ظهرت عشرات الشبكات الاجتماعية، أبرزها على الإطلاق إنستجرام والذي ظهر للمرة الأولى في عام 2010م، ثم أتت بعده في 2011 منصة WeChat الصينية. إلى جانب ظهور جوجل بلس في 2011 قبل أن تتخلى الشركة عنه نهائيًا. ثم ظهرت تيك توك في عام 2016 قبل أن تنتشر كالنار في الهشيم في عام 2020م وما زالت الأسماء تتوالي و سادت في العالم حتي أصبح يطلق عليها الإعلام البديل أو السلطة الخامسة.
يتواصل…..