الرواية الأولى

نروي لتعرف

من زاويةٍ أخري / محمد الحاج

لكل داء دواء – قراءة في النفاق السياسي ونفاق المسؤولين كداء العصر

محمد الحاج

“لكل داء دواء”—مقولة تتردد كثيرًا على ألسنتنا، تحمل في ظاهرها وعدًا بالشفاء، وتُغذي الأمل بأن لكل أزمة مخرجًا ولكل علة علاجًا. لكن الواقع لا يوافق هذا التفاؤل دائمًا. فهناك أمراض استعصت على الطب، وأزمات لم تُكتشف لها حلول ناجعة حتى يومنا هذا. ومن بين هذه الأدواء، يبرز داء لا يُصيب الجسد، بل يُنهك الضمير الجمعي ويقوّض الثقة العامة: النفاق السياسي، وامتداده الأخطر في شكل نفاق المسؤولين.

النفاق السياسي لم يعد مجرد انحراف في الخطاب، بل أصبح ممارسة مؤسسية لدى بعض الفاعلين في المشهد العام. يتجلى في الشعارات الفضفاضة، والوعود البراقة، والتصريحات التي تُقال لا لتُنفذ، بل لتُنسى بعد أن تُقال. أما نفاق المسؤولين، فهو الوجه التنفيذي لهذا الداء، حيث يُبرع البعض في تزيين الواقع، وتقديم صورة وردية لا تمتّ للحقيقة بصلة، مستغلين منابرهم الرسمية لتضليل الرأي العام أو تبرير التقصير.

في كثير من المناسبات، نسمع المسؤولين يتحدثون عن خطط طموحة، ومشاريع مستقبلية، وتحولات جذرية. لكن حين نُمعن النظر، نجد أن هذه الوعود غالبًا ما تكون أدوات خطابية تُستخدم لكسب التأييد أو تهدئة الغضب الشعبي، دون أن يكون لها أساس واقعي أو نية حقيقية للتنفيذ. وهنا، يتحول العمل السياسي من ممارسة نبيلة إلى مشهد تمثيلي، يُكتب نصه في غرف مغلقة ويُعرض على جمهور لا يُمنح حق النقد أو التصحيح.

نفاق المسؤولين لا يُقاس فقط بما يُقال، بل بما يُخفى. فحين تُدار السياسات بعيدًا عن الشفافية، وتُتخذ القرارات دون إشراك أصحاب المصلحة الحقيقيين، يصبح المواطن مجرد متفرج في مشهد يُفترض أن يكون هو بطله. وحين تُستخدم الشعارات الوطنية كستار لتبرير الفشل أو التهرب من المسؤولية، فإننا نكون أمام داء لا يُعالج بالمسكنات، بل يتطلب مواجهة جذرية.

ولعل أخطر ما في هذا الداء هو قدرته على التغلغل في الوعي العام، حتى يصبح الناس غير قادرين على التمييز بين الحقيقة والزيف، بين الصدق والتلاعب. فيتحول الإحباط إلى لا مبالاة، وتُستبدل المشاركة السياسية بالعزوف، ويُفقد الإيمان بإمكانية التغيير.

فهل لكل داء دواء؟
ربما. لكن دواء النفاق السياسي ونفاق المسؤولين لا يُصنع في المختبرات، بل يُولد من إرادة شعبية واعية، ومن مؤسسات قوية، ومن إعلام حر، ومن ثقافة سياسية تُعلي من قيمة الصدق والمساءلة. إنه دواء لا يُعطى، بل يُنتزع.

محمد الحاج
٤ أكتوبر ٢٠٢٥

اترك رد

error: Content is protected !!