العبيد احمد مروح
الحرب في بلادنا لم تبُح بكل أسرارها بعد، فما يزال هناك غموضٌ يلف كثيراً من المواقف والوقائع المتصلة بها منذ إنطلاقة شرارتها الأولى وحتى ما تمّ تداوله عن ظهور قائد التمرد في جولة إفريقية قبل أيام، وذلك برغم اجتهادات الصحفيين ومحاولاتهم لفك شفرة الكثير من تلك الأسرار.
منذ الأسبوع الأول من الحرب، قال رعاتها الدوليون والإقليميون (الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في الإقليم) إن هذه الحرب ليس فيها طرف منتصر وأن أمدها سوف يطول وأنها قد تتحول إلى حرب أهلية وقد يتمدد أثرها السالب إلى الإقليم، وذلك في سياق حيثياتهم للمطالبة والضغط لوقفها عن طريق عقد صفقة بين (الجنرالين) !!
والحقيقة أن ما قالوه قد وقع بالفعل، إن لم يكن وقع الحافر على الحافر في صورته العامة فبما هو قريب منه، فأمد الحرب تطاول خلافاً لتوقعات الكثيرين، ولم يتمكن الجيش السوداني، حتى الآن، من حسم التمرد والقضاء عليه، بل إن مناطق نفوذ التمرد إتسعت لتشمل ولايات دارفور وبعض ولايات كردفان فضلاً عن ولاية الجزيرة، وما يزال التهديد لبقية الولايات قائماً، ولم يبق مما “حذر” منه الكفلاء – وعملوا على تحقيقه في نفس الوقت – إلاّ إندلاع الحرب الأهلية والتي كانوا ومازالوا يعملون لحدوثها، وأهم أدواتهم في ذلك هي إحداث إنقسام عِرقي وسط القوات المسلحة وفجوة ثقة بينها وبين بقية أبناء الشعب السوداني، فهم يخططون لكي يفقد الجيش الثقة في قدرته على الحسم العسكري ويفقد الشعب السوداني الثقة في جيشه، فينهار الجيش وتنهار الدولة!!
في طيات محنة سيطرة المتمردين على عاصمة ولاية الجزيرة وتمددهم في بقية أنحاء الولاية، وبعدما عاثوا في الولاية من نهب وقتل وترويع وما مارسوه من إنتهاكات، ظهرت منحة “المقاومة الشعبية” إذ بدون ترتيب يذكر من أية قوة سياسية بدأت قيادات شبابية وشعبية في تنظيم صفوف أهلها في عدد من ولايات السودان وخاصة في الشمال والشرق والوسط وفي ولاية الجزيرة نفسها وفي كردفان، وإعدادهم للدفاع عن أعراضهم وأموالهم بالتدريب والتسليح، وخاطبت تلك القيادات المجتمعية قيادات الفرق العسكرية في مناطقها لتسليح المستنفرين والإشراف على قيادتهم الميدانية.
حتى الآن جاءت استجابة القيادات التنفيذية والعسكرية في مناطق الاستنفار للمقاومة الشعبية متفاوتة وفوق الوسط وإن كانت في حدود المعقول، ويُستشف من ذلك أن الضوء الذي منحته القيادة العليا للدولة كان ضوءً أصفراً، فالقيادة العسكرية العليا ما تزال – وهذا من باب التحليل – تعطي اعتباراً لما ينصح به كفلاء التمرد ورعاته حين يُقدمون أنفسهم بمدخل الحريص على مصلحة السودان الراغب في أن “لا يتحول الصراع إلى حرب أهلية” !!
لقد بات من الواضح أن رعاة التمرد يسابقون الوقت لكي يضعوا حداً للحرب في السودان نظراً لتطورات محلية وأخرى دولية متسارعة، لسنا الآن بصدد الخوض في تفاصيلها، لكنها قد تقلب الموازين في غير صالحهم، وقد جاءت جولة “البو” في عدد من دول الإيغاد في هذا السياق. ولأن الرعاة والكفلاء يخططون لأن تكون كفة التمرد هي الراجحة في أية مفاوضات قادمة، فقد تصاعدت وتيرة الدعم العسكري والمالي للتمرد خلال الشهور القليلة الماضية حتى يستطيع تجنيد أكبر عدد من المقاتلين والمرتزقة وحتى يحصل على تسليح نوعي يحقق له تفوقاً عسكرياً، ولو بشكل غير استراتيجي.
وإذا سارت الأمور وفق ما يخطط له رعاة التمرد، فإن قائد التمرد حين يلتقي الرئيس البرهان في اللقاء الذي يجري الإعداد له، سيمد رجليه وربما لسانه ساخراً من المطالبة له بتنفيذ ما سبق وأن وقع عليه في جدة شهر مايو الماضي، وسيصر إصراراً ويلح إلحاحاً على فرض شروطه التي أفشلت جولة مفاوضات جدة الأخيرة وربما زاد عليها !!
وعليه وفي ضوء ما تقدم، يتعين على الرئيس البرهان أن لا يفرِّط في كروت القوة التي ما تزال في يده أو تلك التي جاءته منحة من رب كريم، وأعني بذلك نجاح الجيش في الحفاظ على أسلحته الرئيسية في ولاية الخرطوم تحت سيطرته، وتدافع السودانيين إستجابة لنداء المقاومة الشعبية. ولو كنت مكان الرئيس البرهان لما ترددت للحظة في تقديم كل الدعم للمقاومة الشعبية ولاعتبرتها الكرت الرابح – وهي بالفعل كذلك – ولخصصت لها قيادات عسكرية في الخدمة أو من المتقاعدين للإشراف عليها وتنظيم صفوفها ولشجعتها لتصعيد وتيرة عملياتها لردع المتمردين وحرمانهم من تحقيق كسب سياسي عن طريق العمل المسلح.
بس المشكلة البرهان متردد حتى وهو يتعرض للموت والتصفية شخصيا لايتصرفةكما يحب مصيبتنا أننا ليس لدينا خيار غير دعمه والوقوف معه والموت دونه لانه غير هذا سوف لن يكون هناك سودان