بقلم: محمد شريف ابو داؤود
الشاعر نور الدين السيد علي رائد وعبقري الشعر النوبي وعميد شعرائه وأيقونة الألحان الأثيرة الخالدة , تتميز قصائده بالرقة والطلاوة , صاحب مفردة فخيمة ساحرة وأحرف راقصة مترعة بالشجن واللوعة , محببة للنفس مقربة من الروح تلج إلى القلوب دونما استئذان . متأمل للطبيعة من حوله منغنس في تفاصيلها بكل حركاتها وسكناتها، يتنسم عبقها فيمتلئ وجداً وهياماً , تتلبسه الألحان فتدغدغ مشاعره فيتفجر إبداعاً وشعراً عبقرياً , يشدك شذى عبيره وأريجه، يجيد السباحة والغوص في أعماق لغته النوبية خبير ببواطنها مجيد لها وآخد بناصيتها , له مقدرة فذة في تشكيلها ووضعها في أي قالب يشاء, ساعده في ذلك ملكته الفنية التي لا تحدها حدود , تطرق لكل ضروب الشعر كما برع في الشعر الغنائي وهذا ضرب من الشعر يستعصي على الكثير من الشعراء , يجيد فن السهل الممتنع يمتلك أدواته من خيال خصب جامح متمرد على كل ماهو معروف ولغة سلسة ، فهو بحق رائد الشعر النوبي الدنقلاوي الحديث دون منازع أخرجه من نمطه القديم المتمثل في المديح والمناحة والقليل من الغزل والذي كان مقتصرا على المناسبات إلى فضاءات أرحب وأوسع وانتشله من وهدة الرتابة وأبحر به بعيدا في عوالم عميقة حيث أضاف في المعنى والمبنى وخرج عن المألوف ، متكئا على خيال واسع وثقافة عالية ثرة ولغة رصينة.
وإذا كان الشاعر العربي الكبير إمرؤ القيس بن حجر الكندي قد أحدث تغييرا جوهرياً في الشعر العربي حيث يعتبر (كما قيل) أول من وقف واستوقف وبكى واستبكى وسبق الأشياء فاستحسنها الشعراء واتبعوه ، حتى قال عنه الإمام علي كرم الله وجهه : رأيته أحسن الشعراء لأنه قال مالم يقولوا وأحسنهم نادرة وأسبقهم بادرة ولم يقل الشعر رغبة ولا رهبة.
وهذا تماماً ما فعله شاعرنا الكبير نور الدين السيد علي في الشعر النوبي الدنقلاوي حيث كان له الفضل في إعادة صياغته بصورته الحالية وجعل له شأنا و وضعه بين سائر الأشعار والآداب، وإن بدا متأثرا بالشعر العربي من حيث الأوزان والبحور والقوافي مع احتفاظه وعدم إخلاله بخصوصيته النوبية، فهو أول من أدخل الأغنية النوبية الدنقلاوية في الإذاعة السودانية وذلك في العام 1957م برائعته ( أن قلب جوبقون ⲁⲛ ⲅⲁⲗⲓⲃ ⳝⲟⲩⲅ ⲡⲟ̄ⲩⲛ) حيث صاغها شعراً ولحنا وقام بأدائها المغفور له بإدن الله الفنان القدير إدريس إبراهيم والفنان الكبير زكي عبد الكريم وشاعرنا كان وقتها طالباً بالمرحلة المتوسطة لذا فهو يعتبر العلامة الفارقة في مسيرة الشعر النوبي الدنقلاوي والأغنية النوبية الدنقلاوية ، يتمز شاعرنا بإنتاج غزير ماتع ومستودع ضخم ومعين لا ينضب من الألحان الشجية وله الفضل في تشكيل الذائقة الغنائية الدنقلاوية عبر قصائده وألحانه الخالدة ، فهو من كبار ملحني الوطن الكبير، تغنى له العديد من عمالقة الفن النوبي على سبيل المثال لا الحصر المغفور له الفنان إدريس إبراهيم والذي بدوره يعتبر أول من أدخل آلة الطنبور في الإذاعة السودانية. والفنان الكبير زكي عبد الكريم والفنان عبد اللطيف توسي و الفنان عبده سعيد والفنان دولة العطا والفنان عثمان حميدة والمرحوم الفنان عبد الرحيم شاهين والمرحوم الفنان علي شاهين ومحمد سيد فرحان وجمعة جاد وآخرين، وفوق هذا وذاك فهو يعتبر من مؤسسي الإتحاد العام للكتاب والأدباء السودانيين ومن مؤسسي اتحاد شعراء الأغنية السودانية وشاعر مجيد باللغة العربية. وهذا غيض من فيض في سيرة ومسيرة هذا الشاعر العملاق فهو كما قال الشاعر :
علامة العلماء و اللْج الذي لاينتهي ولكل لج ساحل.
قدسية الأوطان :
قصيدة أندا دنقلا
ⲁⲛ ⲇⲁ̄ ⲇⲟⲩⳟⳟⲟⲩⲗⲁ
الوطن وكما هو معلوم ليس فقط ذلك الحيز الجغرافي الذي ترتبط به وجدانيا بحكم الميلاد والوجود بل هو أعمق و أكبر من ذلك ، فهنالك سر دفين يجتذبك ويشدك إليه فلا غرو أنه الأهل والعشيرة ، مرتع الطفولة والصبا ، مستودع الذكريات والملاذ الآمن عند الكهولة والعجز، ويعتبر جزءا من تكوين الإنسان يعيش في أعماقه فهو من أهم وأعظم مكونات الهوية تماما كما اللغة والتاريخ ، كقول الشاعر ابن الرومي:
بلد صحبت به الشبيبة والصبا
ولبست فيه العيش وهو جديد
فإدا تــمثل في الضمــــير رأيتـــه
وعليه أفنان الشباب تميد
ويقول أيضا :
ولي وطن آليت ألا أبيعه
ولا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمه
كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إدا دكروا أوطانهم دكرتهم
عهود الصبا فيها فحنوا لدلكا
فقد ألفته النفس حتى كأنه لها
جسد إن بان غودر هالكا
وها هو دا شوقي ينشد قائلا:
وللأوطان في دم كل حر
يد سلفت ودين مستحق
هكذا تغنى الشعراء لأوطانهم وأبدوا عميق مشاعرهم تجاهه حتى إن شعراء العصر الجاهلي الذين لم يعرفوا لهم سكناً ثابتاً تغنوا للدوارس من الديار و وقفوا على الأطلال يجترون ذكريات عمر قضوه في مغانيها ومراتعها وروابيها وما فتئوا يسألونها عن المحبوبة أين حلت وإلى أين إرتحلت فكما قال إمرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمأل
ويقول الشاعر زهير بن أبي سلمى :
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
بحومانة الدراج فالمتلثم
ودار لها بالرقمتين كأنها
مراجع وشم في نواشر معصم
وهذا عنترة بن شداد يقف على أطلال لهم ويناجيها منشدا:
هل غادر الشعراء من متردم؟!
أم هل عرفت الدار بعد توهم ؟!
يادار علبة بالجواء تكلمي
وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
سحر المشهد :
وشاعرنا النوبي الكبير نور الدين السيد علي تغنى للوطن بقصيدة تفيض شوقاً وحنيناً ورقة وبلغة شعرية رفيعة ساحرة أقل ما يقال عنها أنها من سحر القوافي، صور فيها الوطن والحياة تصويرا دقيقا استدعى فيها خيالاً ولغةً أقرب ما تكون لكاميرا عالية الدقة والحساسية ، لم يغفل عن أدق التفاصيل لا يستطيع معها المرء الذي عاشها والذي لم يعشها إلا أن يقف مشدوها أمام هذا التصوير البديع البليغ وهو يتجول في القصيدة كأنما يتجول بروحه وجسده في مساكنه وفي الحقول ووسط غابات النخيل وعلى ضفاف النيل نستعرض بعضا من أبياتها.
وقد وفق شاعرنا أيما توفيق حين ابتدأ قصيدته بهذا المطلع الأخاذ
أندا دنقلا إكي أي جلري
دسن مشكري
إكي أنلقي وو مسود
ⲁⲛ ⲇⲁ̄ ⲇⲟⲩⳟⳟⲟⲩⲗⲁ
ⲉⲣⲕⲓ ⲁⲓ̈ ⳝⲓⲗⲗⲉⲣⲓ
ⲇⲉⲥⲉⲛ ⲙⲁϣⲕⲓⲣⲓ
ⲉⲣⲕⲓ ⲁⲓ̈ ⲛⲁⲗⲗⲉⲅⲓ
ⳣⲟ̄ ⲙⲁⲥⲟ̄ⲇ
فكأنما جارى شاعرنا الشاعر العربي حين قال:
ذكرت بلادي فاستهلت مدامعي
لشوقي إلى عهد الصبا المتقادم
حننت إلى أرض بها إخضر شاربي
وقطع عني قبل عقد التمائم
فهاهو شاعرنا النوبي الكبير يرسل أشواقه إلى وطنه من على البعد عبر هذه الرائعة التي برع في استهلاليتها وضبط إيقاعها وموسيقاها فأصبحت بمثابة النشيد الوطني لأهل دنقلا عبر فيها عن عظيم شوقه وإلتياعه لوطنه ممنيا النفس برؤيته في القريب العاجل ، أوضح فيها عما يعتمل ويجيش في دواخله من حب دفين ممنيا عميق انتمائه بهدا البيت الرائع .
ترى هل تغنى لدنقلا صراحة كما فعل شاعرنا الكبير جيلي عبد الرحمن عندما تغنى لمسقط رأسه عبري بقصيدته الرائعة:
أحن إليك يا عبري
حنينا ماج في صدري
وأذكر عهدك البسام
عهد الظل من عمري
تطوف بخاطري الذكرى
من الأعماق من غوري
عليه غلالة سوداء
دابت في رؤى فجري
أم تراه رمز للوطن الكبير بدنقلا كما فعل الشاعر الكبير خليل فرح في قصيدته الخالدة عزة حينما رمز له بمحبوبته:
عزة ما سليت وطن الجمال
ولا ابتغيت بديل غير الكمال
وقلبي لسواك ماشفتو مال
خديني باليمين وأنا راقد شمال
وعلى كل لا تعارض ولا تضاد بين حب الوطن الكبير والوطن الصغير ، فحب الأوطان جبل وفطر عليه الإنسان
أندان أرتقي نقد نارتقي قبل نارتقي وو مسوود
ⲁⲛ ⲇⲁ̄’ⲛ ⲁ̄ⲣⲧⲉⲅⲓ
ⲛⲉⲅⲓⲇ’ⲛ ⲁ̄ⲣⲧⲉⲅⲓ
ⳝⲉⲃⲉⲗ’ⲛ ⲁ̄ⲣⲧⲉⲅⲓ
ⳣⲟ̄ ⲙⲁⲥⲟ̄ⲇ
يحن شاعرنا الكبير لذلك المنزل العتيق الدي ولد وترعرع فيه ، ولظلال جدرانه التي تمتد قبيل لحظات الأصيل والشمس تميل إلى الغروب مؤذنة بالغروب ، تلك الظلال التي يركنون إليها في أوقات فراغهم يتخدونها مجلسا للأنس ويتعاونون فيها لإنجاز بعض أعمالهم الخفيفة كصنع الحبال من ألياف النخيل ونبات الحلفا وشحد أدواتهم الزراعية وكما هو معلوم فإن العمل شيء مقدس عند النوبيين والمزارعين بصفة خاصة حيث يعتبرون أنفسهم فى حالة عمل متواصل ولقد صدق فيهم المثل النوبى القائل (تربال جلن اولير نيون ⲧⲟⲣⲡⲁⲗ ⳝⲉⲗⲗⲓⲛ ⲟⲗⲗⲓⲣ ⲛⲉ̄ⳣⲉ)
وذلك يعنى أن المزارع لا يرتاح إلا أثناء عمله حيث يتحينون الأوقات التى يكون فيها العمل قليلا فينالون قسطا من الراحة وهم على رأس عملهم وهناك مثل آخر يقول:
(تربال تبد كار نيون ⲧⲟⲣⲡⲁⲗ ⲧⲁⲡⲓⲇ ⲕⲁ̄ⲣ ⲛⲉ̄ⳣⲉⲛ)
وهذا مثل يجسد مدى جدية المزارع النوبي الذي لا يهدأ ولا يرتاح إلا للحظات قليلات والتى يكون فيها مع الحداد لشحذ أدواته وما أيسرها وأقلها ! ويقول شاعرنا لا بأس أحيانا من ممارسة رياضة المصارعة ترويحا للنفس، وللنساء في الظلال مآرب أيضاً فيجتمعن لصنع الأطباق والبروش وتصفيف الشعر ( المشاطة) أحيانا ، وممارسة الأعمال المختلفة ، كل ذلك في جو من التآلف والتراحم والتواد.
ويستذكر شاعرنا تلك الجزيرة الحالمة التي يلفها النيل بحنان لافت من كل جانب كأنما هي مركب تمخر عباب النيل وما فيها من نخيل سامقات تعانق عنان السماء في مشهد آسر يريح النفس , وهو كما قال الشاعر الكبير محمد سعيد العباسي :
فكم جلوت لنا من منظر عجب
يشجي الخلي ويروي غلة الصادي
من أوبي كلقي ديو نار تلقي وو مسوود
من كل ندقي كابد بكقي جكد دسقي وو مسوود
ⲙⲁⲛ ⲟⲡⲉ ⲕⲁⲗⲗⲉⲅⲓ
ⲇⲉ̄ⳣ ⲛⲁ̄ⲣ ⲧⲟⲩⲗⲗⲉⲅⲓ
ⳣⲟ̄ ⲙⲁⲥⲟ̄ⲇ
ⲙⲁⲛ ⲕⲗⲁ ⲛⲁⲇⲇⲓⲅⲓ
ⲕⲁ̄ⲡⲓⲇ ⲡⲟⲩⲕⲕⲁⲅⲓ
ⳝⲁⲕⲟⲩⲇ ⲇⲉⲥⲥⲉⲅⲓ
ⳣⲟ̄ ⲙⲁⲥⲟ̄ⲇ
تتداخل الصور وتتزاحم الأخيلة في وجدان شاعرنا الكبير فيتذكر أدق تفاصيلها ، يتذكر والدته وهي تقف منتصبة داخل مطبخها وهي تستعد لإعداد الطعام مستخدمة الصاج (الدوكة) بواسطة الروث كوقود ، والدخان يملأ المكان ويتسرب صاعدا من خلال سقف المطبخ المعروش بجريد النخيل ، ويتذكر والدته وهي ترفع صوتها موبخة هذا وتلك ، تحثهم على العمل وهذا مشهد لايمكن أن يتفاعل معه إلا من عايشه حقيقةً و واقعًا .فلله دره من شاعر!
ويستحضر شاعرنا كيف أن طعامهم من الكسرة المصنوعة من الذرة وقراصة القمح والملوخية ، وغني عن القول أن شاعرنا يقف على أدق التفاصيل فمثل هذه الذكريات لا يستطيع الزمان محوها من ذاكرة الإنسان ، فما بالك بشاعر مرهف كنور الدين.
كجر بودتقي سيلن كربقي بوود بوكوجقي وو مسوده
كارن شدقي ارون بوقي جكر وجقي وو مسودة
ⲕⲁϭϭⲁⲣ ⲡⲟ̄ⲇⲧⲓⲅⲓ
ⲥⲓⲗⲉⲛ ⲕⲉⲣⲡⲁⲅⲓ
ⲡⲟ̄ⲇ ⲡⲟⲕⲟ̄ϭϭⲁⲅⲓ
ⳣⲟ̄ ⲙⲁⲥⲟ̄ⲇ
ⲕⲁ̄ⲣⲉⲛ ϣⲓⲇⲇⲉⲅⲓ
ⲟⲩⲣⲟⲩⲛ ⲡⲟⳣⳣⲟⲅⲓ
ⳝⲁⲕⲕⲁⲣ ⳣⲓϭϭⲉⲅⲓ
ⳣⲟ̄ ⲙⲁⲥⲟ̄ⲇ
لم تبرح ذاكرة شاعرنا تلك الألعاب الجميلة التي كانوا يمارسونها على ضوء القمر وهم في شرخ الشباب كالسيلة والغميضة والسباحة في النيل وصيد الأسماك مع الرفاق ، حقا إنها لحظات سعيدة وماتعة في عمر الإنسان عصية على النسيان ، تجتاحك وتداهمك دون إستئذان مهما طال الزمان ، حيث أنها أصبحت جزءا من تفاصيل حياتك لا تستطيع الفكاك منها وكما فعل شاعرنا نور الدين فقد سجل شاعرنا الكبير التجاني يوسف بشير دكريات طفولته في أبيات رائعات.
إنها ثورة الحياة فمن للكون يحميه من قدائف رعن.
إنها ثورة الشباب يبسا مراعيه وما كالصبا أعز لعيني
يفرح الطين في يدي فألهو جاهدا أهدم الحياة وأبني
كم أشيد الحصى قصورا وكم أكبر من شأنها وأقدر شأني
وطني في الصبا الدمى والتماثيل ونفسي ومن أحب وخدني
شرح بعض الكلمات :
ⲕⲁϭϭⲁⲣ : اللعب
ⲥⲓⲗⲉⲛ ⲕⲁⲣⲡⲉ: نوع من الألعاب
ⲡⲟⳣⳣⲉ :السباحة
ⳝⲁⲕⲕⲣ ;السنارة
نورن نورتقي جوقد نورتقي هنن بودتقي وو مسود
مرن انققي حمرقي بنققي دكين جنققي وو مسود
نبد كبسقي انقري دولقي تن تور نيرقي وو مسود
ⲛⲟ̄ⲩⲣⲉⲛ ⲛⲟ̄ⲩⲣⲧⲓⲅⲓ
ϩⲁⲛⲟⲩⲛ ⲡⲟ̄ⲇⲧⲓⲅⲓ
ⳣⲟ̄ ⲙⲁⲥⲟ̄ⲇ
ⲙⲁⲣⲉⲛ ⲁⲛⳟⳟⲁⲅⲓ
ϩⲁⲙⲣⲉⲅⲓ ⲡⲁⳟⳟⲁⲅⲓ
ⲇⲉⲕⲕⲉⲛ ⳝⲁⳟⳟⲁⲅⲓ
ⳣⲟ̄ ⲙⲁⲥⲟ̄ⲇ
ⲛⲟ̄ⲩⲣⲉ :آلة الطحن
ⲛⲟ̄ⲣⲧⲓ :الطحين
ⲙⲁⲣⲉ :الذرة
ⲡⲁⳟⳟⲁ : الجراد
قيم التعاون :
ويستحضر شاعرنا تلك الأيام الخوالي التي كانوا يجتمعون فيها كبارا وصغارا نساء ورجالا وهم يدرسون محاصيلهم من الذرة والقمح والفول بواسطة (النورج) والحمير بعد موسم زراعي مضنٍ عانوا الكثير من الرهق وهم في غاية السعادة بما جنوه من محصول وفير، حقا إنها لحظات سعيدة حيث توجت مجهوداتهم بهذا الإنجاز الرائع ، ويتذكر أيضا ذهابه للطاحونة لطحن الغلال وهي مهمة تستحق العناء، حيث كانت ملتقى للأحباب والأصحاب يتسامرون ويمارسون شتى الألعاب كـ(السيجة والصفرجت) وغيرها من الألعاب وكانت تعتبر من أسعد الأوقات.
وأبدع شاعرنا أيما إبداع حين صور لنا كيف أن الحمار لا يتوانى إذا ما سنحت له الفرصة في الهرب يتنسم الحرية ومن ذا الذي لا ينشد الحرية عله يريح نفسه من عناء العمل الشاق.
وكيف أن الجميع يتعاونون على الإيقاع به والإمساك به وهذا يدل على عدم رضا الدواب من البشر أحيانا لسوء معاملتهم ، منظر يتكرر بإستمرار لا يستطيع رصده إلا من احترف التأمل والاستغراق وحظي بذهن متقد مثل شاعرنا نور الدين
كما يتذكر شاعرنا حقول الذرة وهي تقف خضراء على مد البصر تتطاير فوقها أسراب الجراد وكيف أنهم كانوا يتعهدونها بالرعاية والعناية بتنظيفها من الحشائش والطفيليات والحشائش التي تصبح علفا لمواشيهم في ممارسة يومية مضنية.
وإن ينسى لا ينسى شاعرنا تلك الألعاب الجميلة التي كانوا يمارسونها بعد انقضاء يوم عمل طويل مجهد كالدكي (الشَدة) وهي لعبة جماعية أثيرة للنفس محببة إليها تعتمد على القوة والسرعة تتكون من مجموعتين يستخدمون رجلا واحدة للحركة يحاول كل فريق أن يصل إلى الهدف دون الإيقاع به والإمساك بهم في تنافس مثير ، ويشتاق لدلك السرير ( العنقريب ) الصغير مرتخي الحبال وكيف أن النوم فيه طعم خاص لا يحس به إلا من أجهده وأرهقه العمل ، أي خيال وأي كاميرا صورت كل دلك بهده الدقة المتناهية .
مشرن شارقي دفقي سارقي كوبلن تارقي وو مسود
ⲙⲟⲩϣⲣⲁⲛ ϣⲁ̄ⲣⲉⲅⲓ
ⲇⲁⲫⲫⲁⲅⲓ ⲥⲁ̄ⲣⲉⲅⲓ
ⲕⲟⲩⲡⲗⲓⲛ ⲧⲁ̄ⲣⲉⲅⲓ
ϣⲁ̄ⲣⲉ :المساء
ⲕⲟⲩⲡ :المركب
يتجلى شاعرنا حين يصف لنا سويعات الغروب وسحرها في تلك الديار والشمس تودع النيل وأشجار النخيل والحقول الخضراء ساحبة أشعتها الذهبية لتتوارى خلف الأفق في منظر ساحر بديع تتجلى فيه قدرة الخالق سبحانه وتعالى آملة اللقاء بها في غدٍ قريب ، تماما كما قال الشاعر المقدسي :
فديتك هل نسيت القدس والسحر الذي فيها
وأوقات قضيناها هناك على روابيها
نطوف في شعاب الحب في شتى ضواحيها
ونلهو ما حلا لهو ونسرح في مغانيها
ونسرع إن دنا وقت الأصيل إلى أعاليها
نودع شمس ذاك اليوم في أبهى مجاليها
ونضرب موعدا في يومنا التالي نوافيها
فكم من وقفة عند الغروب لها معانيها
ويصف شاعرنا الكبير ضفاف النيل والمرسى (المشرع) لحظة الغروب وهو يعج بالحركة ، والمراكب تعود فاردة أشرعتها في منظر بديع مشكلة لوحة زاهية وضيئة في غاية الروعة والجمال تتداخل فيها أشعة الشمس والنيل والنخيل وأشرعة المراكب التي تحاكي النخيل في علوها وشموخها وأصوات المواشي والطيور وهي عائدة إلى أوكارها وأعشاشها ، فياله من مساء! وياله من شاعر يعرف كيف يصنع الدهشة وينثر الإبداع !