الرواية الأولى

نروي لتعرف

تقارير

فضيحة ( آيا 1 ) .. السلاح إماراتي، الطريق عبر ليبيا، الضحايا في السودان .. والاتحاد الأوروبي يغمض عينيه ويسمح بمرور الشحنة. تجارة موت ترعاها العواصم.

Brown land
ترجمة : صباح المكي
————

في 26 أغسطس 2025، صحيفة Il Foglio الإيطالية فجّرت تحقيق بعنوان “دارفور إكسبريس”. التحقيق كشف الفضيحة: سفينة آيا 1 محمّلة بالذخائر والسيارات من الإمارات، أوقفتها اليونان… ثم سمحت لها أوروبا بالعبور إلى ليبيا ومنها إلى دارفور، في خيانة لحظر الأسلحة الأممي ودماء الأبرياء.
——-

التاريخ سيسجّل من تواطأ ومن صمت.

تحقيق حول سفينة محملة بالذخيرة وشاحنات البيك أب تم تفتيشها في اليونان ولكن سُمِح لها بالمغادرة إلى مصراتة وبنغازي وطبرق خوفاً من تدفق المهاجرين. الصور والشهادات ورسالة عملية “إيريني” إلى المهرب المشتبه به: «شكرًا على التعاون». قضية السفينة “آيا 1” وشحناتها القادمة من الإمارات.

في أوائل شهر يوليو، أبلغت الاستخبارات الأمريكية قيادة بعثة الاتحاد الأوروبي العسكرية “إيريني” عن سفينة مشبوهة. وكانت سفينة الحاويات “آيا 1” – وهو اسم السفينة التي ترفع علم بنما – قد انطلقت في 1 يوليو من ميناء ميناء جبل علي في الإمارات العربية المتحدة، وحسب أنظمة التتبع بالأقمار الصناعية (AIS) كانت وجهتها مدينة ترناوزن في هولندا. إلا أن الأمريكيين رأوا أن الحمولة كانت متجهة إلى مكان آخر، إلى بنغازي في شرق ليبيا، وأنها لا تحمل مستحضرات تجميل وسجائر ومعدات إلكترونية كما تزعم وثائقها، بل ذخائر ومئات من شاحنات البيك أب لاستخدامها في عمليات عسكرية.

تشير صور الأقمار الصناعية التي اطّلع عليها صحيفة إل فوغليو (Il Foglio) إلى أنه في 22 يوليو قرب سواحل كريت، اقتربت من “آيا 1” الفرقاطة اليونانية “ثيميسوكليس” والفرقاطة الإيطالية “فرانشيسكو موروسيني”، وكلتاهما تعملان ضمن عملية “إيريني”. وقد أُطلقت هذه المهمة الأوروبية قبل خمس سنوات بهدف مراقبة حظر الأسلحة في ليبيا، وانتقلت قيادتها إلى إيطاليا في يوليو. لكن هذه المرة جرت الأمور بشكل مختلف. فبحسب ما كشفه أربعة أشخاص مطلعين على الوقائع – مفضلين عدم الكشف عن هوياتهم لحساسية الموضوع – فإن عمليات التفتيش على متن “آيا 1” أكدت أنها كانت تنقل بالفعل مئات المركبات رباعية الدفع المصفحة والذخيرة الموجهة إلى ليبيا ومنها إلى السودان، لصالح قوات الدعم السريع (RSF) التي يقودها محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، والمدعوم من الإمارات العربية المتحدة.

ومع ذلك، سُمِح لسفينة “آيا 1” بمتابعة رحلتها نحو ليبيا. وقد تمكنت صحيفة إل فوغليو من إعادة بناء كيف ولماذا غضّت أوروبا الطرف عن هذا الانتهاك للحظر، بل وتمكنت أيضًا من الوصول إلى الرجل الذي كان مسؤولاً عن هذا الاتجار بالأسلحة من الإمارات العربية المتحدة إلى السودان مرورًا بليبيا.

كانت صحيفة «تو فيما» اليونانية أول من كشف تسريبات حول الحمولة المشتبه بها على متن “آيا 1”. وكما تقتضي قواعد الاشتباك – الضعيفة للغاية – التي تعمل بها عملية “إيريني”، كان على قيادة المهمة أولاً أن تطلب إذن دولة العلم لتفتيش السفينة. يقول مصدر عسكري: “إن إجراءات تنفيذ مثل هذه التفتيشات معقدة، ولهذا السبب عادةً عندما تحصل إيريني على إذن لاعتلاء سفينة شحن، تقوم بالأمر بشكل مناسب وقبل كل شيء تعلِن عنه لإظهار أن المهمة فعّالة”. أما في حالة “آيا 1″، فقد بقيت قنوات التواصل الخاصة بـ”إيريني” صامتة بشكل غريب، ربما خشية إثارة ضجة كبيرة. وبعد أن قامت بتفتيش سفينة الحاويات في عرض البحر، قامت السفينة الإيطالية “فرانشيسكو موروسيني” مساء 27 يوليو بمرافقة الناقلة إلى ميناء أستاكوس اليوناني، حيث بقيت راسية للأيام الأربعة التالية.

وخلال هذه الوقفة القسرية بدأت تحركات دبلوماسية مكثفة بين أثينا ودبي وبروكسل وطرابلس؛ وهي مفاوضات يُقال إن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس كان يتابعها باستمرار، وفقًا للصحافة اليونانية. ويشرح لنا جلال حرشاوي، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن (RUSI)، أن المسألة كانت حساسة للغاية بالنسبة لأثينا: “إن اليونانيين في خضم نزاع مع زعيم برقة، الجنرال خليفة حفتر، فيما يتعلق بتدفق المهاجرين من شرق ليبيا إلى كريت والذي بلغ بين مايو ويونيو ذروة غير محتملة”.

ويتابع المحلل: “هذا فضلًا عن النزاع بشأن الحدود البحرية ومشكلة طرد بعثة الاتحاد الأوروبي من بنغازي قبل شهرين من قبل سلطات شرق ليبيا. فمن جهة، لم ترغب الحكومة اليونانية في إغضاب الحلفاء الأمريكيين الذين أبلغوها عن السفينة، ولكن من جهة أخرى لم تكن تريد أيضًا أن تزيد من إغضاب حفتر”. ووفقًا لما تم التوصل إليه، كانت الحل الذي وجدته أثينا معقدًا نوعًا ما.

أولًا، جمعت كل المواد التي تثبت انتهاك الإمارات العربية المتحدة للحظر، وأرسلت كافة الأدلة إلى فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المعني بليبيا. وبعد ذلك مباشرة، طلب اليونانيون من “إيريني” السماح للسفينة بالمغادرة وتسليم حمولتها على أي حال. وتمثّل الحيلة التي وُجدت لتجنب إنزال الحمولة مباشرة في بنغازي – في أيدي سلطات الشرق غير المعترف بها من قبل المجتمع الدولي – في تحويل مسارها إلى الغرب، أي جعلها تمر أولًا عبر حكومة طرابلس المعترف بها من قِبل الأمم المتحدة.

وصرّح متحدث باسم المفوضية الأوروبية لصحيفة إل فوغليو أنه “بعد تلقّي الوثائق اللازمة من حكومة الوحدة الوطنية الليبية، وبموجب الإعفاءات الواردة في حظر الأسلحة التابع للأمم المتحدة، تم السماح للسفينة باستئناف رحلتها إلى ليبيا”. وبالمحصلة، منحت بروكسل الضوء الأخضر لتسليم الأسلحة عبر تمريرها بطرابلس والاستفادة من الإعفاءات – التي غالبًا ما يتم تفسيرها بمرونة – والتي تسمح بالتصرف خارج إطار الحظر.

وهكذا، في 1 أغسطس، استأنفت “آيا 1” إبحارها، لكنها بدلًا من أن تتجه إلى بنغازي كما كان مخططًا في البداية، توجهت إلى مصراتة غربًا، حيث رست في 4 أغسطس. وهناك، وفقًا لمصادر عسكرية فضّلت عدم الكشف عن هويتها، تم تفريغ جزء من شاحنات البيك أب، كما يتضح من مقطع فيديو تم تسجيله بعد ذلك بأسابيع قليلة على طول الطريق من مصراتة إلى طرابلس.

وفي الفيديو (المُشار إليه في مقال صحيفة Il Foglio) تظهر ما لا يقل عن ثلاث شاحنات نقل سيارات محمّلة بما يبدو أنه عشرات من سيارات تويوتا لاند كروزر طراز 79 باللون البيج وربما أيضًا بعض سيارات تويوتا لاند كروزر V8 – وكلا الطرازين شائع جدًا في الحرب الدائرة في السودان.

ولتفادي التعقيدات، غالبًا ما يتم تركيب الدروع لهذه الشاحنات فقط بعد تفريغها في ليبيا. وقد أظهر تحقيق أجراه مركز “مركز المرونة المعلوماتية” (CIR) قبل أسابيع قليلة – بالاستناد إلى تحليل مقاطع فيديو نشرها المقاتلون السودانيون أنفسهم على الإنترنت – كيف يتم استخدام هذه المركبات من قبل رجال حميدتي المتمركزين جنوب الجوف، في قلب صحراء السابارا ضمن الأراضي الليبية. ومن هناك تم شن عدة عمليات عسكرية باتجاه شمال دارفور والتي كثيرًا ما أسفرت عن مجازر بحق المدنيين العزل. وفي الأسبوع الماضي فقط، أدت إحدى هذه هجمات قوات الدعم السريع إلى مقتل حوالي 1500 من نازحي دارفور في مخيم زمزم للاجئين.

يقول مسؤول دبلوماسي لصحيفة إل فوغليو: “إن تسليم هذه المركبات إلى سلطات طرابلس كان أشبه بإكرامية، وربما مكافأة قدمتها الإمارات لرئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة لعدم السماح بضياع الحمولة ووصولها في نهاية المطاف إلى ليبيا”. وهكذا، تمت إعادة توزيع جزء من المركبات بين الميليشيات الموالية لحكومة طرابلس، وخاصة لصالح اللواء 111 بقيادة عبدل الزماد الزوبي، نائب وزير الدفاع.

أما بقية الحمولة فقد انطلقت في اليوم التالي أولًا إلى بنغازي ثم إلى طبرق، متبعةً مسارًا غير مسبوق. وتُظهر صور الأقمار الصناعية عمليات التفريغ في موانئ شرق ليبيا. ومن هناك، واصلت شاحنات البيك أب رحلتها نحو السودان، والدليل على أن التسليم وصل إلى وجهته قد يكون مقطع فيديو نُشر الأحد الماضي على منصة “إكس” (تويتر سابقًا). يظهر فيه مقاتلو قوات الدعم السريع يقودون أكثر من مئة سيارة تويوتا هايلوكس عبر صحراء ليبيا باتجاه نيالا، في جنوب دارفور – وهي قافلة قد تكون جزءًا من حمولة “آيا 1”.

منذ بداية الصراع قبل عامين، يمكن لميليشيات حميدتي شبه العسكرية الاعتماد على الدعم العسكري من الإمارات العربية المتحدة، التي تهتم بالسيطرة على طرق التجارة في المثلث البري الواقع بين السودان وليبيا ومصر. ومن الطرق المفضلة للإماراتيين لتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة وجود جسر جوي ينطلق من رأس الخيمة والعين في الإمارات ويصل إلى بنغازي أو الكفرة، في الجزء من ليبيا الذي يسيطر عليه حليفهم حفتر.

ومن هناك، تسافر الشحنات جنوبًا لتصل إلى وجهتها. وقد اكتشف محللون مستقلون مثل ريتش تِد – الذي يتابع منذ سنوات خطوط الإمداد بين الإمارات وإفريقيا – مسارات هذا الجسر الجوي، مبينين أنه يعمل بشكل شبه يومي. ويؤكد المصدر الدبلوماسي: “فيما يتعلق بـشاحنات البيك أب المصفحة، يمر منها الآلاف عبر صحراء ليبيا باتجاه السودان، بمتوسط حمولة كل ثلاثة أسابيع تقريبًا”.

والبديل عن الطائرات هو السفن. وعادةً ما يكون من الصعب اعتراض سفن الشحن التي تنقل أسلحة عبر البحر وتفتيشها. يقول لنا ضابط في إحدى القوات البحرية الأوروبية: “تُثقِل عملية ’إيريني‘ تعقيداتٌ بيروقراطية تجعل من الصعب إيقاف سفينة مشبوهة وتفتيشها. ثم هناك الانقسامات بين دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء، التي غالبًا ما تستخدمها كأداة لتحقيق مصالحها الخاصة”. وقد حدث أمر مشابه مع اليونانيين في حالة “آيا 1”. ومع ذلك، هذه المرة أجبر البلاغ الاستخباراتي الأمريكي الأوروبيين على التدخل، على غرار ما حدث في يوليو 2024، عندما “اقترحت” الولايات المتحدة على حرس المالية الإيطالي تفتيش وحجز حاوية مشبوهة تم تفريغها في ميناء جوياتاورُو – والتي تبين لاحقًا أنها كانت محملة بطائرات بدون طيار صينية الصنع متجهة إلى ليبيا.

يوضح أحد المصادر: “عندما يتدخل الأمريكيون لكبح تهريب الأسلحة إلى ليبيا، فذلك لأن لديهم مصلحة مباشرة”. وفي حالة “آيا 1″، فإن هذه المصلحة المباشرة لها اسم ولقب، وقد تمكنت إل فوغليو من تحديد هويته – إنه مالك الشركة المشغلة للسفينة. إنه رجل أعمال ليبي يُدعى أحمد جدّالة، يصفه من يعرفه بأنه “رجل شديد الخطورة”، وصاحب عدة شركات بين الإمارات وليبيا.

ومن بين هذه الشركات مجموعة ألوشيبي (Alushibe Group)، وهي شركة لوجستية وشحن دولي مقرها دبي، والتي – وفقًا لأرشيف Seasearcher التابع لمؤسسة لويدز ليست إنتليجنس – تمتلك شركة UDS Shipping Services LLC التي تتخذ من الإمارات مقرًا لها وتعمل كمشغل تجاري لسفينة “آيا 1”. وكثيرًا ما يُطلق أحمد جدّالة على نفسه اسم أحمد ألوشيبي، كما يُستدل من مقارنة الصور والمعلومات المتاحة على الإنترنت حول أنشطة شركاته مع نسخة من جواز سفر جدّالة التي حصلت عليها إل فوغليو.

قد يكمن سبب ازدواج الهوية لدى أحمد في بعض المتاعب التي واجهها مع القضاء الإماراتي بين عامي 2016 و2018، والتي روتها قبل عام محطة «ليبيا 360» التلفزيونية. فبينما كان يحاول إنشاء شبكته التجارية الخاصة في دبي، دخل جدّالة في أعمال تجارية مع شركات مرتبطة بتنظيمات ذات صلة بالإرهاب الإسلامي. وبحسب وسائل إعلام ليبية، فإن البلاغ الأمريكي دفع السلطات الإماراتية إلى اعتقال جدّالة، وعندئذ توسط خليفة حفتر لدى سلطات أبوظبي لصالحه لإعادة تأهيله. ويشرح مصدر ليبي: “السبب هو أنه خلال الهجوم على طرابلس عام 2019، كانت الإمارات إحدى الرعاة الاقتصاديين والعسكريين الرئيسيين لحفتر. عندها أدركوا أن رجلًا مثل جدّالة، الناشط بين البلدين والذي لديه شبكة علاقات خاصة به، يمكن أن يكون مفيدًا لكليهما”.

تمكنت إل فوغليو من التواصل هاتفيًا مع السيد جدّالة، الذي نفى جميع التهم. وقال لنا: “الحقيقة أنني رجل أعمال مهم جدًا، والجميع من الفاسدين يرون فيّ مشكلة لأنهم يحسدونني، فأنا أقوم بأشياء عظيمة لبلدي. إنهم فقط يحاولون تشويه سمعتي. لا أعرف شيئًا عن هذه العمليات، لا مع ليبيا ولا مع السودان”، وذلك بينما أوضح أنه موجود في ألمانيا لإبرام عقد بقيمة 400 مليون يورو مع شركة سيمنز – “لكنني أقوم بالكثير من الأعمال أيضًا في إيطاليا، مع شركة دانييلي على سبيل المثال”. كما نفى جدّالة أنه تم اعتقاله في دبي. وقال: “بعض شركاتي تعاملت مع شركات أخرى كانت لديها مشاكل. لقد حققوا معي ولم يجدوا شيئًا. صادروا جواز سفري لبضعة أشهر وحسب”. وبشأن ازدواج الهوية، يوضح أنها كانت مجرد حيلة “لأن اسم جدّالة شائع جدًا، بينما ’ألوشيبي‘ أسهل للتذكر”.

ومهما يكن الأمر، فقد أصبح أحمد على مر السنين أحد أكثر رجال الأعمال نفوذًا في شرق ليبيا، مع دور بارز حتى في مصرف التجارة والتنمية في بنغازي الذي يقوده صدام حفتر نفسه. ويقول المصدر الليبي: “لديه موقع مميز جدًا، لدرجة أنه في كل مرة يحتاج فيها آل حفتر إلى مساعدة أو أموال – سواء للاستثمارات أو التعاملات الدولية أو العقود – يلجؤون إليه”. ويردّ جدّالة قائلاً: “أنا رئيس أكبر مصنع للفولاذ الأخضر في العالم في بنغازي. وبالطبع أعرف آل حفتر، مثل أي شخص يقوم بأعمال في الشرق”.

ويشرح شخص مطلع على الوقائع: “يتابع الأمريكيون تحركاته منذ فترة لأنه يتعامل أيضًا مع الروس والصينيين في ليبيا”. لكن ليس هذا فحسب. أكثر ما كان يقلق الأمريكيين هو تهريب وقود الديزل. تظهر صور الأقمار الصناعية سفينة “آيا 1” وهي منخرطة في أنشطة مشبوهة في مارس الماضي في طبرق، شرق ليبيا. وفي الصور أدناه، تظهر سفينة الحاويات أثناء عمليات تحميل لما يبدو أنه وقود ديزل، كما يتضح من وجود 11 شاحنة صهريج متوقفة على الرصيف بجوار السفينة.

هناك أمران شاذان في هذه الصورة. الأول هو أن ليبيا مستورد صافٍ كبير لوقود الديزل، وبالتالي فمن الغريب أن تكون سفينة مشغولة بتصديره. ويقول مصدرنا: “كل الدلائل تشير إلى اتجار غير مشروع”. الأمر الشاذ الثاني يتعلق بطبيعة سفينة “آيا 1” نفسها، فهي كما ذكرنا سفينة حاويات وليست ناقلة نفط. “الطريقة المستخدمة لنقل وقود الديزل خطرة لكنها فعّالة إذا أردت إخفاء الحمولة – وهي اللجوء إلى أكياس مرنة مخبأة داخل الحاويات”، على حد قولهم. “لقد تم تتبع السفينة عدة مرات من قبل الولايات المتحدة أثناء هذه العمليات المشبوهة، ولكن للإبلاغ عنها إلى ’إيريني‘ تم الانتظار إلى أن تعلّقت الحمولة بأسلحة وبيك أب. ربما لأنهم اعتقدوا أنهم يمكنهم اتهامه بشيء أشد خطورة”. وقد كان ذلك خطأً، بالنظر إلى كيفية تطور الأحداث.

ويصرّ جدّالة قائلاً: “عليكم أن تكتبوا أشياء جيدة عني، وإن لم تفعلوا فلا مشكلة، أمنحكم الحق في ذلك. ولكن انظروا، ليس لدي ما أخفيه. لا تهريب أسلحة ولا وقود ديزل”. ويضيف: “تخيلوا أن جماعة ’إيريني‘ أرسلوا لي رسالة ليعتذروا مني”. وفي الواقع، أرسل لنا رجل الأعمال الليبي نسخة من الرسالة التي بعثتها له البعثة الأوروبية، والموقعة من أميرالنا فالنتينو رينالدي، قائد عملية إيريني: “أعرب عن امتناني لكم على التعاون اللطيف الذي أبديتموه تجاه بعثة EUNAVFOR MED Irini”، كتب القائد إلى جدّالة. “ألتمس منكم توجيه سفينة ’آيا 1‘ إلى ميناء طرابلس لتفريغ الحمولة تحت إشراف حكومة الوحدة الوطنية الليبية. ستقوم بعثة إيريني بالإفراج الفوري عن ’آيا 1‘”.

إن رسالة الأميرال رينالدي وثيقة مهمة جدًا لعدة أسباب. أولها أنه، وبغض النظر عن النبرة المؤدبة والمهادنة، ليست رسالة اعتذار حقيقية. فلا في أي جزء منها تعلن إيريني أنه لم يُعثر على أي مواد محظورة بموجب حظر الأسلحة في ليبيا على متن السفينة. علاوة على ذلك، تطلب الرسالة صراحةً من ربان الناقلة الأوكراني، الكابتن أنتونيوك فولوديمير، التوجه إلى طرابلس، لكن السفينة اتجهت في النهاية إلى مصراتة، مخالفةً تعليمات البعثة الأوروبية. أخيرًا، تأمر الرسالة بتفريغ الحمولة في طرابلس، لكن صور الأقمار الصناعية تظهر أن السفينة سلّمت جزءًا من الحاويات أيضًا في بنغازي – وربما في طبرق أيضًا، نظرًا لأنها بقيت راسية هناك لمدة 19 ساعة على الأقل – ودون الالتزام في هذا أيضًا بأوامر البعثة الأوروبية.

وهكذا أمكن تسوية قضية “آيا 1” في غضون بضعة أسابيع، وبظاهِر الأمر على أفضل نحو بالنسبة لجدّالة – حيث تم تسليم جزء على الأقل من الحمولة إلى وجهتها في السودان وأصبحت سفينته حرة في مواصلة عملياتها. وفي هذه الأيام، تبحر سفينة الحاويات عبر خليج عدن متجهة إلى الميناء الذي بدأ منه كل شيء، ميناء جبل علي في الإمارات العربية المتحدة. لكن خلال الأشهر المقبلة قد يصبح نشاط رجل الأعمال الليبي النافذ أكثر اضطرابًا، إذ إن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة يعكف في هذه الأثناء على إعداد تقريره حول ملحمة رحلة “آيا 1”.

اترك رد

error: Content is protected !!