عيون الكِسَرة ودُموعاْ”عِيون لِعيون… شِ لِ شِ مِ خلَّيهم ي زَ مَ ا ي حلاة اي و شَ مَ”
الرّحالة عبد المحمود
من مسيد الغرقان ونُبل الباشا ومن براري الشريف باشراقات الأشراف وولاية الحُسين ودهشة السيَّد علي ومن جبل اللُّقَمة ومعزة دار جعل – يُهدى النص للعُناة به من الأهل الزينين لما يتوافق ومذاقات إدراكهم (الأستاذ الكبير/ علي نايل والأُستاذ المك/ نايل الطيب والدكتور/ الرشيد والمهندس/ فيصل والشقيق ودابسِن/ عوض.
تختَّم لوحنا في السابقة بمأشرٍ إلى الغرقان والشريف على أن نُبدي بهذه لوائحٌ لمّاحة بكسرتِهما، إذ حقيق بِنا عند ذَين الزُّيناء أن نتوقف لُزوماً – فشيخنا دفع الله الغرقان وآله فِمن غير ما معلوم عنهم لدى الغالبية والشُّهاد، ودون ما أوردناه في حلقتين على إثر رحيل “جَنب الحَوبات، أبا المساكين” والد الخليفة الحالي شيخ دفع الله – إلاَّ أن ما يميز كِسرتهم من غير الوفرة الدائمة هو النوع والإبداع والفخار والطعم حسب مقتضى الحال، ولكُم أن ترجعوا إلى عمنا المؤرخ/ دفع الله الجيلاني ليدمغ لكم ما هو بالممهور لدينا، حيث أن جدنا الزبير باشا عندما بعثت حكومة ذاك الزمان بوفد باشوي من مصر إلى السودان تزامناً وتواجد الزبير بمصر “مخدوعاً به” إلاَّ أن مروءته الوطنية أبت إلا أن يُوجه ذلك الوفد بأن ضيافته ستكون بدار الشيخ دفع الله لمعرفته بإتقاناتهم وإنتقاءاتهم الإكرامية وقد استبق وصول الوفد بمراسلة الغوارق وقد تحقق توجيه ودرحمة بإندهاش أولاد بمبا من ردوا لنا هذا التبمبُّب الآن فالجحود مذمّة.
أما مُمدي بالفنون ابن شموم السرور كريمة أربابنا الزيني أحمد حميد حفادة جدنا الجامع عبد الله ودتاج الدين وأحمد ود الزين هو ابن عم مباشر لحبوبتنا وادي النبي بت أحمد ود عبد الله التاجي وعلَّ أحمد والد شموم أُسمي على عمه أحمد والد وادي النبي وكلهم خيار بالمآثر والمفالح.
وابن شموم من نتشمم به دوماً عَرف النبويات البادع فيها فهو ابن الأمين يوسف الهنا شريف الأصل الصافي آباءً وجليل من الكلام عن أحواله جهيم لأهل الظاهر ولكَم ما شرَّفت قلمي عبر متون عديدة بزين ضياء الشريف فهو وليٌ متكامل له في كل شأن عظيم مضرب غوير لم يستطع غوّار أن يصادمه فيه بأي حال إذ له مصدات ردود يتحاشاها الأكابر وفي هذا المسلك الوقي تنفَّعت من سيرة الشريف منيعاً، وما بمنأى عنه في بديع المواهب عاظمة خلفه الزاهد ورغم أني “كما تتابعون” لا بالمّيال للٌغة الظُرف أو “الحسين خوجلية” لكني ألتكِن عاجزاً وأقول عنهم “إنهم ناس جميلين”. فلي مع فرائد منهم لحظات خالدة بالشوارح والمُشرِحات والبعض من جلدتنا أو سواها تارةً يتجلّد بمسوسة زيادة اللبن لا وصل رحِم فدوني بالطبع من هم حقاً أوصل وأرسخ غض النظر عن وصالاتي ولكن أعني “ناس – قابلت الشريف وقال لي وهكذا… كُلو هوا” بيد أن الأشراف بعضهم طيَّاب لخاطر كل هاوٍ!، والدليل قصة لي ماثلة أمام حضرة الزين عندما قصدته ذات مرة باكراً لأتشرف بتقديم الدعوة له المعنية بتأبين من أبَّنته أعماله سيدي المُعهِد ربَّ الوفاء البروف شيخ المحاسن أبو الفتوح، فبأثناء وجودي مع الشريف وهو “مصنغّر على سرير حصير ومْشنّق” قد حضر حينها مسئول وهو وزير عمبلوكي “طوييل” يتبع للحزب لكنه أحتأل كثيراً باسم الشريف والشريف لدارٍ بذلك.
هذا الشخص قبل دَنْوه من الشريف سلاماً جثى على ركبتيه ثم أفرد ساقَيه خلفاً ثم حبى نحو الشريف كأنه بصالة جِم – سلّم ثم قدَّم تقريراً موجزاً وطلب الإذن ثم ولَّى فقبل أن يختفي عنا ظهْر هذا المسرحي خصَّني الشريف بـ “السرورابي شوف مِتل ده قائل أنا ما عارف” فيبدو أنه فقط طيّب خاطره كما وأراد اخطاري بأننا يا السرورابي مشربنا النباهي مُتحد.
لا أدعي بهذه الحكاية أني من حُمد البساط معه إنما مبلغ اجتهادي أن هذا موروث من يوسف المُكاشِف وتقليد من الأشراف نحو أهلهم السروراب من أعتز بهم الهندي الألمعي، وكذا تحوطاً ألاّ نوسوس نحن جيل اليوم الفِارط بأنّ “الشريف مَدقّس وحاشاه”. بل الأشراف هم من “يدقّسون الكيشة” عند الضرورة – فانظروا إلى حُسينهم الفطِن – تلاحقه السلطات النميرية مطلباً عند بدء انقلابها وهو حاضر بينهم في ندوة حاشدة لهم بميدان الأهلية ويهتف معهم “رأس الشريف مطلب وطني…”
من غير مُطلق إتكاءاتي الروحية الجازمة ومدير مقاعدها أستاذي غير الراضي بدونه بدلاً – فلو خُيرت في الرد على سؤال فحواه مَن قدوتك في عِراك الحياة بكل محاملها التي ينأى بعض العارفين عن اقترابها دون نُكرانها لقلت: بكل جرأة إنه الولي العبقري المتلفح بدثور الخفاء الشريف حسين الهندي.
ولمن لا يعرف فهو والِه واصل وراوٍ للأمداح مُجيد ومُحب لجده النبي بأشواق لِهاف وكان يتسنح مواسم الحج أداءً أثناء مجاول مجاهداته الوطنية وفي ذات مرة حبسته موانع المرابطة الجهادية عن موسم حج فتهيجت أشواقه فنظم قصيدة حاسرة مطلعها المُردد:
بروق الخِيف ضِياها بعيد – لِلمشتاق يوم العيد
هاجتني هذه القصيدة الحزينة فتداخلت معها بإضافات مسموحة لا يسمح الحال باستعراضها.
هذا الشريف الوريف كان أديباً مؤدباً وكان يتجلى أدبه المسيدي في مبلغ تسليمه في حضرة أخيه صاحب المُونة والمعونة صدَّيق النبأ والمنبأ أبا أحمد “كرفاس” وهنا يسوقني الحديث إلى إشارةٍ حاسنة من أخي عوض من ضمن مداخلاته التنبيهية على إثر جهادنا البياني بقلم الحق وفق مجهد مبلغنا القابل لآفاق الغير عوناً حميداً ما سَلمت النوايا بدافع مُتأِذت، ففي سياقٍ منطقي نبهَّنا الشقيق إلى أبي الكل وأبي الناس من فارسة ورّاث الشريف وإنه بالطبع لمنحىً حسناً راقني.
ولكن مطامني المُرسلة بأن لي كُليات ومآِنس مع بني أبي الكل وأبي الناس ومايقابلهم وهي راسخة القِدم والقَدم على نحو فووق للثلاث عقود منها ما بأمريكا الواسعة “كالي، تِك، دي سي، مِت، وويسك “وغيرهن وما رسى بعدهن بشواطيء الهندي البديع في وطنٍ وطَّن لتاريخه المُتحفظ على بعض وقائعه بمجلده الضخم “تاج الزمان في تاريخ أهل السودان” وقد أُستثنيت إكراماً بالاطلاع على بعض مسارده الخِطار التي أذكرتني بمُسِكرات عمي الهادي بقوله بما يوافق: “لِكن ما بِجري”…
فاللشقيق المُولع صِدقاً بأدب الكرام أهدي رباعية من ضمن مناحة طويلة تمنّح بها أحد رباعي الهمباتة الشِهار في الشريف إبراهيم بن يوسف الأحوال:
جِدّك شفيع الأُمة الملانة ذنوب
وإت دابي التِريّة الراضع العقروب
ما خّليت مسكيناً بدُج أقروب
دفِعتَ الجمل عندك مِتل لِفحة التوب
الشريف إبراهيم أثرى المضارب والبوادي بالفتوحات والمواسع والإعمارات وكان رجُلاً بالمعنى ولكُم أن تزدادوا وتتزودوا من عمنا المُحب للمدهشات/ غلوب المليجي فسوف ينبئكم كيف كانت المعسكرات البرية لنقاهة الشريف حالها وجاهزيتها بالستينيات قبل زائد الخير عليه الرحمة.
غني عن القول أن نشير إلى أن الشريف السياسي الودود/ صديق إبراهيم الهندي هو ابن هذا الإبراهيمي الفحل والذي له ملائكيٌّ آخر مفعم بالمحنَّات هو صفينا الشريف الوجيه حسين المشرح والمشارح.
والحديث مع الأشراف يؤتمن – البوح بمناشره جزافاً لغفلة غليظة، ومن غير رافقة أبنائي لي إلى موارد بُري عديداً، فكي لا نقع في مَلومة مهُوجة فحري بي أن أذكر أن رفيقاً له حظ معنا في قصد ديار الشريف، هذا من غير حظوظه القاصرة عني بـ “سفينة نوح وأسفانٍ أُخر له”!!!
أما الكِسرة عيناً فقد أوفرها الأشراف بكُل بلادٍ أسسوها ويكفي حادثة جدبٍ أصابت أهلنا بالجريف شرق أيام الشريف وبلغ بهم حال المَحل مبلغاً حريجاً فما أن وُضِّح الأمر للشريف يوسف على هذا النحو إلا وصبَّحهم وعلى عتبة كل بيتٍ جوال عيش وخروف ومصروف. كما أيضاً الثابت أن السيد علي تأخر منجباً فعندما رُزق بالسيد الحسيب محمد عثمان فِرح الشريف بفك هذه المضيقة على السيد، فغدا بأمره يُذبِّح اتباعه في الأنعام من بري وإلى الجنينة بالخرطوط والدائرة ببحري، مما أدهش وأخاف السيد فتعجل ببعث وفدٍ عالٍ إلى الشريف يوقفه عن صنيعه بحلفٍ غليظ وحسب الرواية أن السيد علي من هول استمرار الذبح وعدم نفاد “الأستوك” قد قال لخاصته “الشريف ده ربما بعدي شوية يقبّل إضبح الناس – فالحقوه…”
نعود من بعد عمرة في حِمي الأشراف إلى تكرارات بأن للكِسرات أهل “عداد لن يكونوا أبداً بمجهلٍ عن محضرنا العادل – بقديمهم الباقي ومواصلهم الراقي، فقد شببناعلى المشدَّة نحو أهل العوارف المحمودة وإن اختلفنا مع بعضهم في سُبل الرأي أو مع آخر مُتبعض تعمدَّنا بالإفتراي..”.
فيكفي أن المولى المُكافي لا يُسقط الأجور مهما كان بالعبد من فجور فبيوم البعث تُمحَّص الأمور فربما تكن بعض تلك الأجور من أهل الفجور مقاصاة قِصاص تُحوَّل سريعاً لصالح حساب مظلومٍ مغدور.
قطعاً فِراق الكِسرة حار- بل حسرة على بعضٍ عليقٌ بها، فهي بهبابة لولاهة لوالهها بالهوى أو المهوى. وحسبكم بأن أولاد العباس الجعليين جعلوها جبلاً للشيخ صالح بانقا “جبل الُّلقمة” فبكل تقاليدهم الحشومة أولوها عناية بدليل هذه التسمية الخالدة. لذا حقَّ على غيرهم أن يتمرغوا بِتُربها ويرابطوا على أعتابها ويطوفوا بأتكالها ثم يتنفَّلوا بالسُّنة خلف مُلاحها مصّاً للأصابع لا “مِطّيقا” بشرط ألا تُبطل طهارتهم قبل التحلل بـ “جِيب مُلحق….” فما أنكر من الملحق بالمآتم “كما عِبنا سابقا”.
الكِسرة لها بكل الوطن المُتمزق مذاقات وفنون وتشاكيل وخلطات وألوان ودرجات في السُمك والكثافة “عصائد وسناِسن ورهائف وغير…” كما أسماء وألقاب ورموز وأطباق ورِيكات وصوانٍ ومحامل عِداد.
هذه الكِسار بكل متونها وحواشيها منها ما هو مُتاح للجميع أضياف ومارة وعُفاة عبر المتجوّد “ولو قليلة” وعلى حساب أهل بيته، ومنها ما هو بالمحبوس رهن أشاعب يُتخفىَّ بها شأن القٌمرتية أو ذاك “الَّدبل إجنت- ركّاب السرجين- شائت الفريقين ذو الوجهين- البخيث مشرى القرشين.. كثير ذي ده على كافة المقاسات!!!.
كما تحديدا ليست جماعة غرب الوطن الأقصى أو أدناه وسطاً “دار اِلريح” ببعيدين عن أدب الكِسرة “وإن تقلّلوا به” فبمثل ما تغنَّوا بالطبيعة والْبِل والبنات والشاي والقعدات السمحة والفارغة لحظات الفنقة وما تبدى للأسف لاحقاً من عنجهةٍ مدعومة المكائد- فلقد كان أيضا للكِسرة بتصانيفها المتباينة حظ تغنًّ بها في أوساطهم وبدلالات مفرداتهم التي لا يتناسب الحال والتسهُب فيها وقوم غزة “كما الشاهد” واللمَّات الطبيعية لأهلنا الطيبين تبعضت وتشتت ببُعاد بعض وانحسار حيوية بقية مُرابطة لما صودر منها من مُعينات الدفع السماحي والرواحي والوساعي.
مدّ بنا الحديث “كالعادة” والحديث عندما تكن مجاِذبه نحو الأهل الكرام يحلو لأن بهم نُبهاء كُثرٌ نثق في توافقات مدركهم مع ما نطرح، ومنهم من يطرح لكل وَهيّة خُنس تنسَّجها غبية الحيك فآثر ذاك النبيه معية النُّهى فإلى كل أميت مُمِت إلى طائفة الألّباء السمية- أسمى التحيات والتقديرات وأُمنيات التلاقي الكفاحي قريبا، فإن أشواقي تنامت نحو أشخاص بالبلدة الأم والأب الريف الممتد- فمن لم يتمدد بمفاخر أهله ترابا وتراثا فهو لكركوب مُهلهل أو كمية من القُصاصات يتحشَّى بها كِبت اللَّيون التي ما عادت لها من قيمة وسط الأطفال الذين غدوا كاشفين لكل صنيعة وهيّاء ومسرحية ولو بطلها عنقوق….. نواصل.