إمام محمد إمام
غيب الموت الذي هو علينا حقٌ معلومٌ، مهما تجاهلناه، وتغافلنا عنه، وهو مدركنا مهما تعددت الأسباب! فإذا جاء لن نستأخره، ولن نستقدمه، تصديقاً لقول الله تعالى: “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ”. وكل نفس ذائقة الموت، مهما تذزعت ببراعة الطبابة، وبنجاعة المداوة، تأكيداً لقوله سبحانه وتعالى؛ “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”.
وضمن الشاعر العربي كعب بن زهير في ثنايا لاميته الشهيرة، وهو يتلمس العفو والصفح من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكمة بالغة، حين قال:
كل ابن أُنثى وإن طالت سلامتُه
يوماً على آلةٍ حدباءَ محمولُ
تُوفي إلى رحمة الله تعالى خبير المختبرات الطبية الأخ عوض عبد الوهاب عضو مجلس أمناء جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا ومستشار عميد كلية المختبرات الطبية في الجامعة، يوم الثلاثاء 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وقد غادر الراحل عوض عبد الوهاب دنيانا الفانية في صمتٍ، بينما انشغلنا نحن رسلاؤه ورسيلاته في الجامعة، بأزيز الطائرات، ودوي المدافع، والذين اتبعوا فقه “وَلا تُلْقُوا بِأَيْديكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ أللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ”، وغادروا الديار، وفي أنفسهم غُصة وحزن وشئ من حتى! وانشغلوا بمتابعة أخبار الحرب!
كان الراحل عوض عبد الوهاب منشغلاً منذ أمدٍ بعيدٍ بالمختبرات الطبية، ومن أوائل السودانيين الذين تخصصوا فيها كفني مختبرات طبية. ويعتبر علم المختبرات الطبية من المجالات الطبية الحديثة، والمتطورة بشكل متطرد على المستوى العالمي، رغم حداثة هذا المجال إلا أن التوجه العالمي نحو التخصص الدقيق واستخدام التقانات جعل هذا المجال الناشئ في تطور متسارع، ويعتبر السودان من إحدى الدول الرائدة في مجال علم المختبرات الطبية على المستوى العربي والإفريقي.
وفي عام 1966، عُين البروفسور أحمد محمد الحسن كأول بروفسور في علم الأمراض ورئيس لقسم علم الأمراض في كلية الطب بجامعة الخرطوم، واستطاع وهو الطبيب الحاذق والنطاسي البارع، أن ينظر إلى مهنة الطب والطبابة نظرة شاملة ومتقدمة في ذاكم الزمان، سواء عندما كان عميداً لكلية الطب بجامعة الخرطوم في عام 1969 أو عندما أُنشئ المجلس القومي للبحوث الذي كان أول رئيس لمجلس أبحاثه الطبية، فقد ساهم بقدر فعال في تأسيس معهد المختبرات الطبية بالتعاون مع وزارة الصحة السودانية. وكان الراحل عوض عبد الوهاب من مؤسسي ذلكم المعهد الذي كان يمنح وقتذاك دبلوم تقني بالمعمل الصحي القومي، ثم انتقل المعهد إلى جامعة الخرطوم، فأصبح كلية المختبرات الطبية فيها، حيث يُمنح خريجيها درجة البكالوريوس. وعمِل الراحل عوض عبد الوهاب مع البروفسور مأمون حُميدة في مركز الخرطوم التشخيصي، وكان مسؤولاً من المختبر الطبي فيه. وهاجر الراحل عوض عبد الوهاب إلى المملكة العربية السعودية، وأمضى فيها ردحاً من الزمن. ومن ثم عاد إلى السودان، وكان وقتئذٍ البروفسور مأمون حُميدة مديراً لمستشفى سوبا الجامعي، فعينه فني في المختبر الطبي في المستشفى، وساهم بجهد مقدر، وبخبراته المتراكمة، عمِل مع البروفسور مأمون حُميدة على تطوير قسم المختبر الطبي بمستشفى سوبا الجامعي.
وعندما شرع البروفسور مأمون حُميدة في إنشاء كلية المختبرات الطبية في أكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا قبل ترفيعها إلى جامعة في مايو (إيار) 2006، كان الراحل عوض عبد الوهاب خير معين له في تأسيس كلية المختبرات الطبية. وعُني الراحل عوض عبد الوهاب كثيراً بوضع المناهج والمقررات الدراسية بالكلية.
ولم يكن غريباً، أن يتجه إليه البروفسور مأمون حُميدة، عندما بدأ في إنشاء المستشفى الأكاديمي في امتداد الدرجة الثالثة في الخرطوم، بالتعاون مع وزارة الصحة بولاية الخرطوم، لتكون تلكم المستشفى موئل التدريب الإكلينيكي لطلاب كلية الطب بجامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، ليتعاون معه في إنشاء المختبر الطبي وقسم أمراض الدم وتطويره في المستشفى. وعكف الراحل عوض عبد الوهاب على تدريب الفنيين، إلى جانب تدريب الطلاب. وكذلك الحال، عندما تم افتتاح مستوصف الزيتونة الخيري بالسلمى، عمِل الراحل عوض عبد الوهاب على إنشاء المختبر الطبي وقسم أمراض الدم بالمستوصف على أحدث طراز، من حيثُ الأجهزة الطبية، والكوادر الطبية المؤهلة، في سبيل تحقيق المستوصف الخيري لأهدافه في خدمة مواطني المنطقة، ومقاصده في ترقية الخدمات الصحية بتلكم المنطقة.
أخلص إلى أن الراحل عوض عبد الوهاب كان عضواً فاعلاً في مجلس أمناء جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا منذ عام 1996 وهو بذلك يُعد من أقدم أعضاء مجلس أمناء الجامعة. كما تم تعيينه مستشاراً لعميد كلية المختبرات الطبية في الجامعة. ومن حسن المصادفة أن عميد كلية المختبرات الطبية الأخ الدكتور محمد الفاتح السنهوري أحد تلاميذه.
ألا رحم الله تعالى خبير المختبرات الطبية الأخ عوض عبد الوهاب، وأنزل عليه شآبيب رحماته الواسعات، وتغمده يعميم المغفرات، وألهم آله وذويه وأهليه جميعاً، وأسرة جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا وأصدقاءه وزملاءه وعارفي فضله، الصبر الجميل.
ولنستذكر في هذا الصدد قول الله تعالى: “وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ”.