
________________

أخي ( عمار ) ،
تحدث معي قبل أيام في أمر كان
يريد أن يستكشف استعدادي
لقبوله إن حدث ..
و كان مما قلته له :
ما إنت عارفني ..
و كذلك ،
ثانياً : أنا من أولئك الذين ينأون بأنفسهم عن تكرار التجربة ..
و ثالثاً : ………
و رابعاً : ( العُمُر ) ،
يعني ،
( و لو حنيت لعهد الشوق
أجيب من وين عمر تاني ) ..
هذا من أجمل و أحزن ما كتب
إسماعيل حسن :
( خافَ مِنَ اللَّه عَلَى قَلْبِي،
مِنْ غَرَامَكْ خَافْ،
زَرَعْتَ الشَّوْكَ عَلَى دَرْبُهْ،
وَيَا مَا فِي هَوَاكُمْ شَافْ ) ..
أجابني ( عمار ) :
( نحن تلاميذك ،
و مزاجنا زي مزاجك ومدرستك ،
و جودك بيساعد في خلق اوضاع طبيعيه ومستقره ،
العمر شباب ياباشا ،
ما تحسب مبدئيا سنين
الحرب دي ) ..
و يا ( صديقي ) ،
لقد ولَّى الشباب و مضى ،
ولكن ،
ليس بين التحسُّر و الأنين ..
و كيف ما أحسب سنين الحرب !!!
لا ،
أحسب و نُص ..
السنة أضربُهَا في ( خَمسٍ ) من
أمثالِها إن لم يكن ( عَشْراً ) ..
أي ،
من كان عمُرُهُ قبل الحرب ( أربعينَ )
عاماً تكاد تراه اليوم ابْنَ ( خمسينَ ) ،
و أكثر ،
و ابنُ ( الخمسين ) ابْنُ ( ستينَ ) ،
و يزيد ..
و هكذا ..
إنَّهَا أَيَّامٌ مُعَبَّأَةٌ بِالأَلَمِ وَالْقَلَقِ،
وَتَبَدُّدِ الأَحْلَامِ،
وَتَلَاشِي تَرَفِ الْخِيَارَاتِ،
وَالتَّحَسُّبِ كُلَّ دَقِيقَةٍ لِهَمٍّ مُطْبِقٍ،
وَلِفَقْدٍ جَدِيدٍ،
وَنَزْفِ جُرْحٍ تَعْقُبُهُ جُرُوحٌ،
وَفَجِيعَةِ وَطَنٍ تُمَزِّقُهُ الذِّئَابُ…
وَالَّذِي يُخَفِّفُ مِنْ وَقْعِ ذَلِكَ:
احْتِسَابٌ، وَانْتِظَارُ يُسْرٍ يَعْقُبُ
كُلَّ عُسْرٍ ..
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
و توالِي حُسن الظن و التقدير
من ( عمار ) ، لشخصي الضعيف
مما يبعث على السرور ،
فقبل أيام تابعت لقاءه مع
( قناة ناس ) ،
و اللقاء أجراه العزيز ( هشام
عزالدين ) ، باقتدار عُرف به منذُ
أن بدأ معنا مسيرته الإعلامية
في ( قناة النيل الأزرق ) ، قبل أن
تنعم بعطائه ( الشروق ) ،
و ليتنا اكتشفنا يومها أنه ( مُقَدِم ) كامل الدسم ..
و ( قناة ناس ) نبتة مُبهِرة ،
يأخذ بمِقْوَدِها الوجيه ( الفاضل
حرزاوي ) ،
و ( الفاضل ) لكل من يقترب منه ،
إنسان معقودة بناصيته أسباب
النجاح ،
و موجبات الفلاح ،
و بواعث الارتياح ..
و أذكر عندما أبدى سعادته
بانضمام المذيعة ( غفران معتصم ) لقناته ، وافيته بهذا التعليق :
“اتصل بي صباح يومٍ الأستاذ
( محمد وردي ) ،
و بعد السلام ،
و بعد أن أبديت له ، ضاحكاً ،
استغرابي من الاتصال في هذا
الوقت المبكر ،
( يا حسن حأرسل ليك شابة أنا
شايف أنها بتنفع مذيعة معاكم ،
شوف و وريني ” ،
أو كما أذكر ..
قلت له : ( طوااااالي ، تأمر ) ..
و بعدها بأيام توفى قبل أن
تأتيني ..
و بعد فترة ، لم تغب عن ذهني
فيها و صية ( وردي ) ،
و التي لم أفلح في معرفة من هي
حتى أسعى إليها ،
إتصل بي ( عبدالوهاب وردي ) :
( كان أبوي كلمك عن شابة و كِده ) ..
( أين هي ، أنا في انتظارها ) ..
و جاءتني ، فأوليتها كل اهتمام ،
إلا أن ظروفها قد حالت دون
استمرارها معنا ..
هي ( غفران معتصم ) ..
أعود إلى لقاء عمار في ( ناس ) ..
لقد خصني بحديثٍ مستفيض ،
أفاض فيه عليَّ بفيوضات من
امتنانه ،
و جميل تقديره لي ،
و لتلك الرفقة التي جمعتنا في
تلك الأيام ..
و هي أيامٌ مُتقلِّبة ،
و مُتلوِّنة ،
أيامٌ تمر بك فيها ( أويقاتٌ ) تحس
أنك أسعد من يمشي على قدمين ،
و تمر بك فيها ( سويعات ) توقن
أنك أشقى الأشقياء ..
قلت :
( لقد ظلم عمار نفسه ، في
هذا اللقاء ،
و منحني أكثر مما أستحق ،
بكل وفاءٍ و نُبل ) ..
و هذا خُلق مطبوع عليه
و موروث ،
و هو ما يدفعني لأذكر للمرة
الأولى ما ظل يعيش في خاطري ،
من أن ( عمار ) في كثير من
جوانب سلوكه يوحي لك أنه
يعيش في ( جلباب أبيه ) ،
( فتح الرحمن شيلا ) ..
و ( فتحي ) ،
التقيته كثيراً أثناء فترة عملي
( بمصر ) ،
و مرة أذكرها جيداً بصحبة
الفريق ( عبدالرحمن سعيد ) ..
و أول مرة في السودان اجتمعنا
في رحاب ،
( يا عزنا و يا حبنا يا عزنا
يا عيون بتعرف قدرنا
و يا بسمة هلت عندنا ) ..
في رحاب ( عبدالعزيز المبارك ) ،
بمنزله ( بحي المهندسين ) ..
اللهم ارحم ( عبد العزيز ) ،
و هو من ظل يناجيك :
(بِكَ أستَجِيرُ وَمَن يُجِيرُ سِوَاكَا
فَأَجِرْ ضَعِيفًا يَحْتَمِي بِحِمَاكَا
إِنِّي ضَعِيفٌ أَسْتَعِينُ عَلَى قُوَى
ذَنبِي وَمَعصِيَتِي بِبَعضِ قُوَاكَا
أَذْنَبتُ يَا رَبِّي وَآذَتْنِي ذُنُوبٌ
مَا لَهَا غَافِرٌ إِلَّا كَا
دُنيَايَ غَرَّتْنِي وَعَفْوُكَ غَرَّنِي
مَا حِيلَتِي فِي هَذِهِ أَو ذَاكَا
إِلَى…
اقبَلْ دُعَائِي وَاستَجِبْ لِرَجَاوَتِي
مَا خَابَ يَومًا مَن دَعَا وَرَجَاكَا)
و بعدها تواترت لقاءاتي ( بفتحي )
في ( السودان ) ،
و كنت أجده من أولئك الذين
يألفون ،
و يؤلفون ،
إذ يُعطيك انطباعاً ، في كل مرة ،
أنك من ذوي مودته المُقربين ..
و هو صادق مع نفسه و الآخرين ،
و متصالح مع نفسه و الآخرين ..
و يذكر الفضل لأولي الفضل ،
و هذا مما تركه في أبنائه ..
و يمنحك كل اهتمامه ، و أنت
تخطب عونه و دعمه و مباركته ..
و أذكر هنا موقفاً لا أنساه له ،
و هو أنني ، جلست إليه في مكتب
( وزير الإعلام ) ،
و لعله كان يومها الدكتور ( كمال عبيد ) ،
و طرحت عليه بحكم موقعه في ( الحزب ) و ( المجلس ) ،
أن يدعم ( مقترحي ) بأن نقوم في
( قناة النيل الأزرق ) بنقل جلسات ( المجلس الوطني ) ،
على ( الهواء مباشرة ) ،
لما في ذلك من تشجيع و تمكين للممارسة الديمقراطية ،
علاوة على أن الأعضاء سيحرصون
على الحضور و المشاركة ،
و أن المواطنين سيقفون على
صنيع من يمثلونهم ..
لقد أبدى سروراً أبهجني ،
و احتفى ( بالمقترح ) و كأنه قد
نزل من السماء ،
و كأعجل ما يكون ، سعى لتحقيقه
بكل قناعةٍ و حرصٍ ، في أروقة
( المجلس الوطني ) ،
و لكن ،
لم يعدم ( المقترح ) مُعترِضين
أولي بأسٍ شديد ،
و وُئدَ في مهده ..
و بقي سعيُهُ عندي مشكوراً ،
و مُقدّراً ..
اللهم اغفر له و ارحمه ..
و أظنك يا ( عمار ) أول مرة تسمع
مني هذه الرواية ..
و السلام ..
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥ ..