خالد محمد علي •
أنهت الحرب الدائرة بين الدعم السريع والجيش السوداني شهرها الرابع، مخلفة ورائها حالة من الدمار الشامل في العاصمة الخرطوم، حيث نجحت قوات المتمرد محمد حمدان دقلو، الملقب بحميدتي في خداع قوات الجيش والأمن، بعد أن استلمت المقرات الرئيسية للجيش والقصر الجمهوري، والإذاعة والتلفزيون، والجسور والكباري، ومؤسسات الدولة الرسمية، بحجة حراستها والحفاظ عليها من المتظاهرين.وبعد أن اكتملت سيطرة قوات الدعم على كل هذه المؤسسات، واكتمل أيضًا تنسيقها مع تيرات سياسية داخلية، ومع قوى أجنبية خارجية، أطلقت حربها الشاملة في 15 أبريل الماضي، وبهذا التخطيت المحكم وضعت الجيش السوداني في مأزق محكم حيث لم يكن لديه خيارًا للانتصار السريع إلا بتدمير كل تلك المنشآت بواسطة الطائرات المقاتلة، وهكذا دارت رحى الحرب بين الطرفين، الدعم السريع يضيف إلى ما امتلكه قبل الحرب، بيوت المواظنين، ومؤسسات الدولة المدنية، والجيش لا يستطيع تخريب وتدمير الخرطوم كي ينتصر.وعلى الرغم من أن تفاصيل هذه الحرب ما زالت أسرارها كثيرة، وغامضة، إلا أن أسئلة كثيرة يمكن طرحها لتفكيك طلاسم حرب يقاتل فيها السوداني السوداني، والجميع يدمر بلده، ومن تلك الأسئلة هل هي حرب الصراع على المعادن.. أم أنها حرب تقسيم البلاد؟ وما هو موقف أمريكا من التقسيم، ومستقبل البلاد في ظل هذه الحرب؟
صراع المعادن:يرى الكثير من المراقبين أن المعادن التي يتمتع بها السودان هي المحرك الرئيسي لهذه الحرب، فالسودان يحتل المرتبة الثانية من إنتاج الذهب في إفريقيا، والمتبة الثالثة في إنتاج النحاس إفريقًا، إضافة إلى المعادن الأكثر أهمية مثل اليورانيوم والكوبالت، والكثير من تلك المعادن التي تدخل في صناعة التقنيات الحديثة.وفي هذا الإطار، شهدت حرب السودان صراعات مكشوفة وعلنية بين الشركات الأمريكية والأوروبية من ناحية، والشركات الصينية والشركات الروسية، من ناحية أخرى، وقد ساندت قوات فاجنر الروسية شركاتها العاملة في مجالات التعدين بمناطق السودان المختلفة، وأصبحت فاجنر أكثر نفوذًا لتحالفها مع قوات الدعم السريع خاصة من خلال العمل المشترك لحماية نظام دولة إفريقيا الوسطى ومناجم المعادن هناك، وهو ما انعكس بدوره على مسار الحرب الدائرة الآن، حيث فاجأت قوات الدعم السريع طائرات الجيش السوداني بمضادات أرضية متقدمة، وطائرات مسيرة، وبنادق قنص حديثة، وكلها أسلحة تخص قوات فاجنر، وتخص قناصين فاجنر، وهو ما تسبب في إطالة أمد الحرب، وصمود قوات التمرد بشكل أكبر أمام الجيش السوداني.كما أدى الصراع بين الشركات الأجنبية إلى تدخل دولها كأطراف، حيث تسعى كل شركة إلى الحصول على أفضل الصفقات، ودخلت هذه الشركات في صراع مع الحكومة السودانية التي تسعى بدورها إلى الحصول على أكبر قدر من الإيرادات من التنقيب عن المعادن.وقد أدى هذا الصراع إلى تهميش السكان المحليين من أبناء الشعب السوداني، الذين لم يستفيدوا من هذه الموارد بشكل عادل، إضافة إلى تدمير البيئة المحيطة نتيجة لقيام الشركات الأجنبية بعمليات تنقيب غير قانونية، وهذا بدوره أدى إلى تزايد التوتر في السودان، حيث أصبح السكان المحليون أكثر عداءً للشركات الأجنبية والحكومة السودانية في آن واحد، مما خلق أجواء من التوتر والعنف في كل المناطق المحيطة بمناجم الذهب والمعادن الأخرى، مما دفع تلك الشركات للاتفاق مع قوات الدعم السريع على حماية مواقعها وموظفيها نظير دفع أموال شهرية لها.ويمكن الإشارة إلى بعض الشركات الأجنبية التي تعمل في السودان في هذا المجال، وهي : شركة سينوفارم الصينية، شركة موانسل الأسترالية، شركة ريو تينتو البريطانية، شركة بي إتش بي بيريو الأسترالية، شركة تشاينا مينرال ريسورسز الصينية، إضافة إلى الشركات الروسية؛ شركة “ميروقولد” (Myrogold)، شركة “كوش” (Kush)، شركة “جيمكو” (Gemco)، شركة “روسجيو” (Rusgeo). وهكذا يتضح أن صراع الدول والشركات على المعادن في البلاد قد انعكس بدوره على حالة السلم الاجتماعي، حيث أنتج غضبًا شعبيًا للحرمان من عوائد تلك المعادن، إضافة إلى تأسيس وشرعنة قوات من المرتزقة تنتسب إلى الجيش السوداني لحماية موظفي تلك الشركات، وكان هذا التوتر أحد المناخات التي ساعدت وتساعد على استمرار الحرب.
حرب التقسيم:يذهب قادة الفكر والتحليل السياسي إلى أن الحرب الدائرة الآن صنعت بتدبير إقليمي ودولي لتقسيم السودان إلى خمس دويلات تشمل دويلة في دارفور، وأخرى في النيل الأزرق وجنوب كردفان، وثالثة في وسط السودان والخرطوم، ورابعة في شرق البلاد، وخامسة لقبائل النوبة في أقصى شمال البلاد على الحدود مع مصر.ويستند هؤلاء إلى أن حالة الإنقسام موجودة بالفعل على أرض الواقع من خلال سيطرة الدعم السريع على دارفور، وقوات الحركة الشعبية شمال بزعامة عبدالعزيز الحلو، على النيل الأزرق وجنوب كردفان، وسيطرة مجموعات البيجا والرشايدة على الشرق رغم عدم وجود قوات مسلحة لهم، إضافة إلى مطالبات ثقافية لأبناء النوبة بدولة لهم في الشمال، تصاعدت فكرتها بعد ظهور مناجم للذهب في مناطقهم لتبقى دولة الوسط وحيدة بعد انصراف الأطراف عنها.ويلاحظ المراقبون أن هناك تناغمًا بين قوات الدعم السريع بزعامة حميدتي وقوات الحركة الشعبية بزعامة عبدالعزيز الحلو في الجنوب، حيث تحرك الطرفان ضد الجيش السوداني في توقبت منتظم، وبتنسيق شبه علني، كما أغلق الشرق للمرة الأولى ميناء بورسودان وجميع الطرق المؤدية إلى الخرطوم وبقية البلاد، إضافة إلى مطالبات في الأولى لأبناء الشمال بالسيطرة على مناجم الذهب، ومنع الدولة والأطراف الأخرى من دخول مناطقهم، وهذه هي الإرهاصات الأهم لتقسيم البلاد. ولأن الولايات المتحدة هي الفاعل الرئيسيفي المسرح السياسي العالمي فإننا نطرج تساؤلا حول الموقف الأمريكي من تقسيم السودان.
الموقف الأمريكي من التقسيم:
بينما تتحرك الإدارات الأمريكية المختلفة على الأرض لتقسيم البلاد بشكل فعلي عبر مساندة كل الأطراف المتمردة، ومدها بالأسلحة والمعلومات، تحاول الصحف الأمريكية والمراكز البحثية، والحزبين الحاكمين الجمهوري والديموقراطي، طرح رؤية مخالفة بمساندها وحدة السودان ورفض تقسيمها. وفي بحث مفصل في تناول الصحف الأمريكية مؤخرًا لفكرة التقسيم داخل الصحف الأمريكية التي اخترنا منها مقالات عن تقسيم السودان في كل من النيويورك تايمز، و وول ستريت جورنال، والواشمطن بوست، وقد جائت النتائج كالتالي: (*) النيويورك تايمز: “السودان على وشك الانهيار في ظل الحرب بين الدعم السريع والجيش“، وتشير إلى أن السودان على وشك الانهيار بسبب الحرب بين الدعم السريع والجيش. وأن هذه الحرب قد تؤدي إلى تقسيم السودان إلى أجزاء أصغر.(*) وول ستريت جورنال: “الحرب في السودان تثير مخاوف من تقسيم البلاد“، تشير إلى أن الحرب في السودان تثير مخاوف من تقسيم البلاد. وإلى أن هناك العديد من العوامل التي قد تؤدي إلى التقسيم، بما في ذلك الحرب الأهلية وضعف الحكومة السودانية والتدخل الخارجي.(*) واشنطن بوست: “السودان على حافة الانقسام في ظل الحرب الأهلية“، تشير إلى أن السودان على حافة الانقسام بسبب الحرب الأهلية. وإلى أن هذه الحرب قد تؤدي إلى تقسيم السودان إلى أجزاء أصغر.كما تناولت ثلاثة مراكز بحثية أمريكية فكرة التقسيم، وهي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية(CSIS):، معهد بروكينغز، معهد كارنيغي للسلام الدولي، وجائت خلاصة تناولهم كالتالي:(#) مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية(CSIS):،يرى أن تقسيم السودان سيكون كارثة وطنية، حيث سيؤدي إلى مزيد من العنف والاضطرابات في المنطقة. كما سيضعف الاستقرار في المنطقة ويجعل من الصعب على الولايات المتحدة تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط. ويعتقد المركز أن أفضل طريقة لحل الأزمة في السودان هي من خلال الحوار والتوصل إلى حل سلمي. كما يعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تدعم الحكومة السودانية في جهودها لتحقيق السلام.(#) معهد بروكينجز: يرى المعهد أن تقسيم السودان سيكون خيارًا صعبًا، حيث سيؤدي إلى مزيد من التعقيدات السياسية والأمنية في المنطقة. كما سيخلق تقسيم السودان دولًا جديدة ضعيفة، مما يسهل تدخل القوى الإقليمية في المنطقة. ويعتقد المعهد أن الولايات المتحدة يجب أن تدعم الحكومة السودانية في جهودها لتحقيق السلام.(#) معهد كارنيغي للسلام الدولي: يرى المعهد أن تقسيم السودان سيكون كارثة إنسانية، حيث سيؤدي إلى نزوح الآلاف من الأشخاص وقتل المئات. كما سيضعف تقسيم السودان الاستقرار في المنطقة ويجعل من الصعب على الولايات المتحدة تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط. يعتقد المعهد أن أفضل طريقة لحل الأزمة في السودان هي من خلال الحوار والتوصل إلى حل سلمي يضمن حقوق جميع الأطراف السودانية. كما يعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تدعم الحكومة السودانية في جهودها لتحقيق السلام.ويعارض العديد من أعضاء الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديموقراطي تقسيم السودان، ويعتقدون أن تقسيم السودان سيكون كارثة وطنية، حيث سيؤدي إلى مزيد من العنف والاضطرابات في المنطقة. كما يعتقدون أن تقسيم السودان سيضعف الاستقرار في المنطقة ويجعل من الصعب على الولايات المتحدة تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط.وكان مجلس الشيوخ الأمريكي في عام 2020، ومن قبله مجلس النواب الأمريكي في عام 2019، أصدرا قرارًا يعارض تقسيم السودان. وجاء في القرار أن تقسيم السودان “سيكون كارثة وطنية ويضعف الاستقرار في المنطقة”. كما دعا القرار الولايات المتحدة إلى العمل مع المجتمع الدولي لمنع تقسيم السودان.يعتقد العديد من أعضاء الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديموقراطي أن أفضل طريقة لحل الأزمة في السودان هي من خلال الحوار والتوصل إلى حل سلمي. كما يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تدعم الحكومة السودانية في جهودها لتحقيق السلام.وعلى الرغم من أن كل ما تقدم يظهر رفضُا أمريكًا لتقسيم السودان، إلا أن الواقع أن السفير الأمريكي في الخرطوم جون جودفري، وبرفقته المبعوث الدولي فولكر بريتس، قد قاما بدورًا تحريضيًا لإشعال هذه الحرب عبر مساندة فريق سياسي صغير، وهو قوى الحرية والتغيير ـ المجلس المركزي في مواجهة كل القوى السياسة الأخرى، وأيضًا مساندة الدعم السريع في مواجهة الجيش السوداني، وهو ما يمكن أن يمهد فعليًا لتقسيم البلاد الذي تحذر منه الأوساط البحثية والإعلامية في أمريكا.
مستقبل السودان بعد الحرب:
تشير التوقعات العسكرية على الأرض إلى قرب سيطرة الجيش السوداني على العاصمة الخرطوم، خاصة بعد تصاعد الدعم الشعبي، والتفاف جميع فئات الشعب السوداني حول الجيش، ودخول القوات الخاصة للاشتباك في حرب مدن مع قوات الدعم السريع، وهو المتغير الذي نجح به القوات المسلحة السودانية في بسط سيطرتها للمرة الأولى على مواقع وأحياء في داخل الخرطوم وتمشيطها تمامًا من أي تواجد لتلك القوات. كما أن نجاح قوات الجيش في إعلاق جميع المنافذ والشوارع والممرات المؤدية للعاصمة قد حرم قوات الدعم من الحصول على أي دعم لوجستي من الخارج.وكما هو متوقع، تحركت مجموعات الدعم السريع بسرعة لأطراف السودان إلى غربه في إقليم دارفور ونجحت في بسط سي\رتها على ولاية وسط دارفور، كما قامت بتشريد جميع سكان مدينة الجنينة غرب دارفور، وهو ما يشير إلى نية قوات الدعم لنقل الحرب إلى إقليم دارفور الذي يشكل ثلث مساحة السودان ويقطنه قرابة عشرة ملايين مواطن.كما أن هذا الإقليم هو الميدان الحقيقي الذي سيطرت فيه قوات الدعم عسكريا على كل مناطقه منذ تصديها للحركات المسلحة من أوصول أفريقية، والتي تمردت على سلطة الخرطوم في العام 2003.ووفقًا لما تقدم من معطيات، فإن البلاد مرشحة إلى حرب طويلة، تنتقل من العاصمة الخرطوم إلى جميع ولايات دارفور الخمسة، بين قوات الدعم والجيش، مع تمتع حميدتي وقواته بمميزات تضمن له الاستمرار في هذه الحرب أطول فترة ممكنة، وترجح انتصاره على القوات المسلحة، ومن تلك المزايا أن إقليم دارفور يمتد على مساحات واسعة من الصحراء، تكون الغلبة فيها للقوات التي تجيد الكر والفر، وتعرف سطح وبطون الصحراء، وهو ما تمتاز به قوات الدعم السريع، إضافة إلى أن هذا الإقليم متد حدوديًا مع دول تشاد وإفريقيا الوسطى وليبا، وهي الدول التي تدعم الدعم السريع بالمقاتلين الذين ينتمون إلى العرب الرحل، كما يسمح الامتداد الدولي للإقليم بتلقي قوات الدعم السريع للدعم العسكري واللوجيستي الذي يضمن له الانتصار أو الاستمرار لفترة في الحرب.ختامًا، على الرغم من الإغراءات التي يمثلها تقسيم السودان لتلك الدول الطامعة في ثرواته، إلا أن اشتعال نار التقسيم لهذا البلد الذي يضم أكثر من 500 قبيلة محلية ومشتركة مع سبع دول أخرى، يمكن أن يؤدي إلى تدمير البلاد وثرواتها، وإشعال فوضى عارمة لا يمكن معها لأى دولة من تلك الدول الطامعة أن تحقق أي هدف من أهدافها، كما أنه لا يمكن السيطرة على تلك الأطراف الممتدة إقليمًا والمتداخلة قبليًا في هذه المنطقة التي جمعها السودان منذ العام 1956 وحتى الآن بطرق مختلفة، منها؛ تسييد الثقافة الصوفية الجامعة التي تعمل تحت راية شيخ الطريقة، سواء كان سودانيًا أو نيجيريًا أو تشاديًا أو غيره. كما أن بقاء السودان فترة طويلة يقاوم خطط التقسيم قد خلقت تيارًا سودانيًا يعلم تمامًا مخاطر تفتيت السودان.
• خالد محمد علي :
رئيس برنامج الدراسات الافريقية، خبير في الشأن السوداني، وإفريقيا جنوب الصحراء، ومدير تحرير في صحيفة الأسبوع المصرية، ورئيس تحرير طبعة الأسبوع بالسودان سابقًا، الباحث شارك في العديد من مراكز الفكر، ونشر دراسات متنوعة في الشأن السوداني وإفريقيا.
باين انه ليس خبير في الشأن السوداني..
قوي الحرية و التغيير فيها واحد من أكبر أحزاب السودان..نال اكثر من 100 مقعد في اخر انتخابات شرعية و تحت مراقبة دولية