الرواية الأولى

نروي لتعرف

من زاويةٍ أخري / محمد الحاج

رسالة في الظل: بريد مفتوح إلى القيادة السودانية حول قطاع الاتصالات والتحول الرقمي

محمد الحاج

في ركن هادئ من مؤسسات الدولة، حيث تُنسج خيوط المستقبل، يقف قطاع الاتصالات والتحول الرقمي كأحد أكثر القطاعات حساسية وتأثيرًا في مسار السودان نحو البناء والإعمار. قطاع لا يُرى كثيرًا في العناوين، لكنه يُسمع صداه في كل بيت، وكل مؤسسة، وكل خطوة نحو الدولة الحديثة. ولأن الضوء لا يصل دائمًا إلى الزوايا المعتمة، فإن هذه الرسالة تأتي لتسلط شعاعًا على ما يجري خلف الكواليس، حيث تُدار الأمور أحيانًا بما لا يتسق مع روح الدولة ولا مع خططها المعلنة.

منذ إعلان خطة الدولة للإعمار للمئة يوم، والتي شددت على ضرورة إشراك القطاع الخاص كفاعل رئيسي في التنمية، لا تابعًا ولا مُهمشًا، توالت المبادرات الوطنية من جهات متخصصة، تحمل أفكارًا ومشاريع قابلة للتنفيذ، وتستند إلى توجيهات رسمية وقوانين واضحة، أبرزها قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP). لكن الغريب أن هذه المبادرات، بدل أن تُستقبل بالترحيب، وجدت أبوابًا موصدة، ووجوهًا لا ترى في الشراكة إلا تهديدًا لمصالحها.

ما يجري داخل هذا القطاع لا يُقال علنًا، لكنه يُهمس به في أروقة المؤسسات، حيث تُدار بعض الملفات بعيدًا عن أعين متخذي القرار، الذين ربما لم تُتح لهم فرصة الإلمام الكامل بتفاصيل هذا المجال التقني المعقد. هذا الفراغ المعرفي، الذي لا يُلام عليه أحد، بات يُستغل من قبل دوائر ضيقة، تُحسن اللعب في الظلال، وتُجيد صناعة التخوفات، وتُبرع في تهويل التهديدات، فقط لتُبقي زمام الأمور في يدها، وتُنفذ أجندات لا علاقة لها بمصلحة الدولة.

تُروى قصص عن مستشارين يتحكمون في مسارات المشاريع، وعن شركات أجنبية تُمنح امتيازات لا تُمنح لنظرائها الوطنيين، وعن قرارات تُتخذ دون الرجوع إلى المرجعيات القانونية أو التوجيهات العليا. تُحجب الرسائل، وتُحظر المراسلات، ويُقصى أصحاب الخبرة، وكأن الوزارة تحولت إلى قلعة لا يُسمح بدخولها إلا لمن يحمل مفاتيح خاصة، لا تُمنح إلا في صفقات لا تُوثق.

هذه ليست اتهامات، بل إشارات. إشارات إلى أن هناك من يُعيد تشكيل القطاع بما يخدم مصالحه، لا مصالح السودان. إشارات إلى أن التحول الرقمي، الذي يُفترض أن يكون مشروعًا وطنيًا جامعًا، يُختزل في قرارات فردية، تُتخذ في غرف مغلقة، وتُنفذ دون رقابة أو مساءلة. إشارات إلى أن القطاع الخاص، الذي يُفترض أن يكون شريكًا، يُعامل كضيف ثقيل، يُطلب منه أن يصفق من بعيد، لا أن يشارك في البناء.

القيادة السودانية، التي وضعت خطة واضحة، تستحق أن تعرف ما يُفعل باسمها. تستحق أن تُفتح أمامها الملفات، لا أن تُغلق عليها الأبواب. تستحق أن ترى الصورة كاملة، لا أن تُعرض عليها أجزاء منتقاة. فمصلحة الدولة لا تُصان بالسرية، ولا تُبنى بالإقصاء، ولا تُدار بالتخويف. بل تُصان بالشفافية، وتُبنى بالشراكة، وتُدار بالثقة.

هذه الرسالة ليست شكوى، بل تنبيه. ليست مواجهة، بل دعوة للتبصر. فالسودان لا يحتاج إلى مزيد من الظلال، بل إلى ضوء يكشف ما يُدار في الخفاء، ويُعيد الأمور إلى نصابها. قطاع الاتصالات والتحول الرقمي ليس مجرد وزارة، بل بوابة إلى المستقبل. وإذا تُركت هذه البوابة في يد من لا يرى فيها إلا مصلحة ضيقة، فإن الطريق إلى الدولة الحديثة سيظل معطلاً، مهما حسنت النوايا.

فلتُفتح الملفات، ولتُراجع السياسات، ولتُسأل الأسماء. فالوطن لا يُبنى إلا حين تُكسر الحلقات المغلقة، ويُعاد الاعتبار للكفاءة، ويُعاد توجيه البوصلة نحو المصلحة العامة. هذه ليست رسالة في بريد الوزير، بل في بريد الدولة. والوقت، كما نعلم، لا ينتظر.

محمد الحاج
٢٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م

اترك رد

error: Content is protected !!