رئيس الوزراء: لا تسطيع أي جهة فرض تنازلات لا يرتضيها الشعب السوداني، والمليشيا ستطرد من الفاشر كما طُردت من الخرطوم

الرواية الاولى
فتح الرحمن شبارقة
الخرطوم- كشف رئيس مجلس الوزراء السوداني كامل إدريس عن معلومات جديدة بشأن المباحثات الثنائية مع الولايات المتحدة، ونفى ممارستها ضغوطا لفرض الجلوس والتفاوض مع قوات الدعم السريع.
وأفاد -في حوار خاص مع الجزيرة نت- بأن المباحثات مع واشنطن مستمرة لأن هناك مصالح مشتركة بين البلدين.
وأكد أن الدعم السريع لن تتمكن بتصعيدها الأخير في الفاشر وبارا من “ليّ ذراع الحكومة وأن الفاشر ستظل عصية عليهم مهما حدث”.
وأوضح أنهم يأملون في بدء حوار سوداني سوداني قريبا، لا يُستثنى منه إلا من أبى أو أجرم في حق الشعب، ليكون أداة ناجعة لإحلال السلام الدائم وتهيئة البلاد للانطلاق نحو رحاب التنمية الشاملة والدائمة.
وفيما يلي نص الحوار:
هل ترون أن التصعيد العسكري الأخير للدعم السريع في الفاشر وبارا يهدف إلى الضغط على الحكومة السودانية للتفاوض؟
لا معنى لتصعيد المليشيا الأخير، ولن يستطيعوا ليّ ذراع الحكومة، وستظل الفاشر عصية عليهم مهما حدث. وحتى إن دخلوها، سيتم طردهم منها كما طُردوا من الخرطوم ومدن أخرى.
الحكومة والدولة، بكل أجهزتها، لديها خارطة طريق واضحة تشمل وقف إطلاق النار ونزع سلاح المليشيات وتوطينهم في معسكرات محددة تحت رقابة إقليمية ودولية. وبين هذه الدوائر الثلاث يمكن التفاوض حول الترتيبات الأخيرة للاستقرار النهائي والحل الناجع والدائم لهذه الحرب الضروس التي أنهكت الوطن.
ما رأي الحكومة السودانية في الهدنة الإنسانية التي تطرحها واشنطن؟ وما رؤيتكم للمفاوضات والقضايا المطروحة؟
العلاقات السودانية الأميركية تاريخية وقديمة، والمباحثات والمفاوضات والمشاورات مع الولايات المتحدة لم تتوقف، سواء كانت رسمية أو غير رسمية. وكما نتحدث مع كثير من دول العالم حول مصالح مشتركة، نتحدث كذلك مع واشنطن.
ومتى ما كانت سيادة دولتنا محترمة ومقدّرة ومحصنة ومقدسة، نستطيع التوصل إلى اتفاق نهائي يضمن التعاون والتنسيق المشترك. والولايات المتحدة دولة كبيرة لا يمكن إهمالها ولا نرغب في أي مواجهات مع أي دولة في الوقت الحالي.
هل للمباحثات الثنائية علاقة بالتفاوض مع الدعم السريع؟
المباحثات مستمرة بغض النظر عن موضوع المليشيا والحرب الدائرة، فهناك مصالح مشتركة. للسودان مصالح في الولايات المتحدة، ولواشنطن مصالح أيضا في السودان.
هل تعرضت الحكومة السودانية لضغوط في اتجاه قبول التفاوض مع الدعم السريع؟
لم نتعرض لأي ضغوط، ولا تستطيع أي جهة فرض تقديم تنازلات لا يرتضيها الشعب السوداني.
ولا يمكن أن نساوم بكرامة الأمة وسيادة الدولة وحصنها لتطبيع العلاقات مع أي دولة أخرى. فنحن لدينا برلمان كبير من 40 مليون سوداني يراقب أداء الحكومة على مدار الثانية.
كانت لكم تجربة مؤثرة في الوفاق الوطني وتقريب الشقة بين الزعيمين الراحلين حسن الترابي والصادق المهدي في لقاء جنيف. فماذا يمكنكم أن تفعلوا لمعالجة الصدع السياسي الكبير الآن في السودان؟
منذ ذلك الوقت كنت أعمل على إطفاء الحرائق في السودان، وأقصد بذلك البحث عن المشترك الإنساني وعن المشروع الوطني الموحّد. والآن نحتاج إلى ذلك أكثر من أي وقت مضى، ونحتاج قبل ذلك إلى الاستشفاء الوطني.
ماذا تقصدون بمصطلح الاستشفاء الوطني الذي ترددونه كثيرا؟
أقصد به مفهوما أكبر وأعمق من المصالحة الوطنية التقليدية، لأن المصالحة أحيانا تكون بلا ثوابت أو أسس. أما الاستشفاء الوطني فهو المصالحة الوطنية مضافا إليها بناء دولة القانون.
هل هناك اتجاه لحل سلمي بالسودان خاصة مع وجود تسريبات عن مفاوضات في واشنطن؟
لا يوجد حل إلا السلمي، إلا الوفاق. وهذا يعني إحلال السلام الدائم والشامل في السودان، وتسمية الأشياء بمسمياتها. الحوار السوداني السوداني الذي نأمل أن نبدأ فيه قريبا هو الأداة الناجعة لإحلال السلام الدائم والشامل. نشكر بعضنا البعض على ما اتفقنا عليه، ونعتذر لبعضنا البعض على ما اختلفنا فيه.
وفي الحياة لا يوجد إجماع مطلق، فنحن نبحث عن الإجماع النسبي الذي يهيئ بلادنا العظيمة والغنية بمواردها للانطلاق نحو التنمية الشاملة والدائمة.
مع من تقصدون أن يكون الحوار والسلام الذي تتحدثون عنه؟
أنا أقول الحوار السوداني السوداني الذي لا يستثني أحدا إلا من أبى.
هل تقصدون أنه لن يستثني قوى الحرية والتغيير بشقيها “صمود” و”تأسيس” والإسلاميين، والمؤتمر الوطني، والدعم السريع؟
الحوار لا يستثني أحدا سوى من ارتكب جرما في حق هذا الشعب. ولا أقصد أن يشمل المليشيات المتمردة التي ارتكبت جرائم بحق الشعب. لكن من يضع السلاح ويقبل بالاندماج داخل المجتمع السوداني وفق ترتيبات معينة وخارطة طريق محددة، يمكن أن يكون جزءا من هذا الحوار.
كانت هناك إشارات من جانبكم إلى عودة الحكومة للعمل من العاصمة الخرطوم خلال أكتوبر/تشرين الأول الجاري ونوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لكن لا تزال هناك متاعب بالخدمات من كهرباء ومياه وصحة، مما يجعل العودة الوشيكة أمرا صعبا؟
خطة العودة نهاية نوفمبر/تشرين الثاني وبداية ديسمبر/كانون الأول القادمين لا تزال كما هي، وكل هذه العقبات والصعوبات تمت السيطرة عليها تقريبا. ومطار الخرطوم جاهز لاستقبال نحو 9 طائرات يوميا.
كيف يكون مطار الخرطوم جاهزا لاستقبال 9 طائرات وهو يتعرض للقصف اليومي بالطائرات المسيّرة؟
ستكون هناك منظومة دفاعية للسيطرة على هذه المسيّرات وعلى أي طائرات تحاول ضرب مواقع إستراتيجية. وللإشارة، فإن أثرها على المطار لم يكن كبيرا، وقد وصلتني قبل دقائق معلومات دقيقة حول هذا الأمر.
هل يمكن أن نرى ذلك قريبا؟
كاد هذا المشروع أن يكتمل الآن.
تم إطلاق اسم “حكومة الأمل” على حكومتكم، فهل لا زال الأمل قائما برأيكم؟
لا زال كذلك، ويزداد قوة يوما بعد آخر.
ما أبرز التحديات التي تواجه حكومة الأمل في ضوء التجربة الماضية؟
أهم التحديات هي وقف التهريب. وإذا استطعنا وقفه بجميع أنواعه والسيطرة عليه، فلن نحتاج إلى موارد جديدة. وكذلك محاربة المخدرات والفساد، وهي من القضايا التي نعمل على محاصرتها في حكومة الأمل على مدار الثانية.
يرى البعض أن الاهتمام بمعاش الناس يبدو متراجعا نوعا ما في الحكومة، كيف تردون على ذلك؟
الحرب فرضت ظروفا استثنائية، ونحاول قدر الإمكان توسيع موارد الدولة من الذهب والثروة الزراعية والحيوانية. وسنبدأ تدريجيا بمراجعة رواتب العمال والموظفين والخدمة المدنية والقوات النظامية. معاش الناس يحظى باهتمام تلقائي ومتدرج، لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أن البلاد تمر بظروف استثنائية.
هل تعنون بمراجعة رواتب منسوبي الدولة زيادتها ورفعها لتعينهم على مواجهة الأوضاع الاقتصادية الضاغطة؟
نعم، زيادتها، وتوفير موارد جديدة لمنسوبي الدولة بكافة أطيافهم، وتوفير المواد الأساسية بأسعار معقولة.
هل ترون أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة كافية لمعالجة ارتفاع سعر الصرف؟
نراجع الإجراءات الاقتصادية بشكل دوري، وهناك اجتماع أسبوعي للجنة الاقتصادية. وقد حاولنا أن يسيطر بنك السودان بالكامل على الذهب كما تفعل دول كثيرة، لأنه عندما يكون البنك المركزي مسيطرا على الذهب كضامن، يمكننا الحصول على تمويل لمشاريع تنموية جديدة.
اللجنة الاقتصادية تحاول قدر الإمكان السيطرة على سعر الصرف والتضخم.
كيف تقيّمون مستوى التعاون بين مجلسي الوزراء والسيادة في ظل مخاوف من تكرار تجربة عدم الانسجام بين المكوّن العسكري ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك؟
التجربة الحالية مختلفة تماما، وهناك تنسيق مستمر بين مجلسي السيادة والوزراء. وأقول إن هناك تناغما إلى حد كبير، وليس مجرد تنسيق.
لكن هناك تسريبات عن تدخلات من عسكريين بمجلس السيادة بالشأن التنفيذي، ويُشار في ذلك إلى الفريق إبراهيم جابر الذي يرأس لجنة تهيئة وإعادة إعمار الخرطوم؟
لا توجد مهام تنفيذية يتدخل فيها مجلس السيادة، حتى في اختيار الوزراء لم يكن هناك أي تدخل، فقد تم اختيارهم بواسطة رئيس الوزراء بناء على الخطة التي تبنيناها. وهناك تنسيق مباشر بين الفريق إبراهيم جابر ورئيس الوزراء.
والآن، انظر إلى مصر: من الذي بنى البنية التحتية والمدن الجديدة؟ لقد تم بناؤها عبر شركات تابعة للقوات المسلحة. لا يوجد إعمار في العالم بعد أي حرب دون تدخل القوات المسلحة. فكيف تتم إعادة الإعمار دون سلاح المهندسين وسلاح النقل؟ لذلك، يجب أن يكون هناك تنسيق عسكري مدني، وهذا أمر منطقي.
هل حصلتم على وعود من المجتمع الدولي للمساهمة في جهود الإعمار من خلال لقاءاتكم الأخيرة في نيويورك؟
نعم هناك وعود كثيرة خاصة من دول الجوار. وهناك تنسيق مباشر مع السعودية وقطر. أما المجتمع الدولي، فعدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة لديهم رغبة كبيرة في الاستثمار المصحوب بإعادة الإعمار. لكن بالنسبة للدول الغربية، فإن باب الاستثمار أوسع من باب إعادة الإعمار.
هل يمكن أن تعطونا نماذج للدول التي لديها رغبة في الاستثمار وإعادة الإعمار، فهناك من يشير إلى الصين وروسيا وتركيا أحيانا؟
نعم، هناك الصين وروسيا وتركيا وقطر والسعودية، ودول كثيرة في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا. وهناك دول عديدة حول العالم تنتظر انتهاء الحرب لتستثمر في السودان، ونحن منفتحون.
لم يستطع المراقبون حتى الآن حسم توجهات الحكومة السودانية غربا أو شرقا نحو بكين وموسكو، كما توقع البعض. ما تعليقكم؟
بعد هذه الحرب الضروس، لدينا مبدأ مهم: ليس لدينا عدو دائم، أو صديق دائم، لدينا مصلحة دائمة، وإنسان السودان أولا وقبل كل شيء.
المصدر: الجزيرة






