الرواية الأولى

نروي لتعرف

قضايا

خطى نحو الحل الشامل

بروفسير محمد حسين أبوصالح

بسم الله الرحمن الرحيم


تزداد حالة القلق وسط السودانيين حول مآلات المستقبل، في الوقت الذي تزدحم فيه الساحة بالعديد من المبادرات لحل الأزمة وصناعة مستقبل أفضل.. وقد تحدثت كثيراً عن عدم جدوى كثير من الحلول وطرائق التفكير التي ظللنا نستخدمها، وحتمية طرح الحلول من منظور استراتيجي، ليس ترفاً أكاديمياً وإنما طبيعة الأوضاع والعوامل والتعقيدات التي تقف خلف الأزمة الوطنية سواء ما كان منها داخلي أو خارجي، هو ما يفرض ذلك.

ملخص الأوضاع الخارجية:

لا يمكن طرح للأزمة السوادية إذا لم يراعي هذا الطرح التعقيدات الداخلية والخارجية، وفيما يلي أذكر باختصار شديد، أرجوا ألا يكون مُخِلاً، أهم محاور التعقيدات الخارجية، حتى يتسنى النظر في كيفية التعامل معها:
◾️الاستراتيجية الصهيونية في الإقليم ومشروع الشرق الأوسط الجديد والإبراهيمية وإعادة هيكلة الإقليم وفق سايكس بيكو 2، وهو مخطط بدأت تتبلور مخرجاته عملياً من خلال بروز دولة جنوب السودان، ومحاولات فصل دولة اليمن الجنوبي ودولة غرب ليبيا ودولة أرض الصومال والظروف مواتية في سوريا مع محاولات إلحاق دارفور وشرق السودان مع محاولات لصناعة دولة المثلث بين السودان وليبيا ومصر.
◾️ صراع النفوذ على البحر الأحمر وهو صراع له أطرف دولية وإقليمية ولا يقبل أنصاف الحلول، ويرتبط بصراع الموانئ المحورية ( Mega Ports ) وخدمات اللوجستيات الدولية التي تلعب دوراً مهماً في التجارة الدولية، وتعقيدات الموقع الجيوستراتيجي للبحر الأحمر ومزاياه النسبية للتجارة البحرية، وأهميته لطريق الحرير وتأثيراته على المخطط الهندي الإسرائيلي المضاد ومن خلفه بعض دول الإقليم، وهو مخطط يبدأ من شمال غزة حيث بداية مشروع قناة بن غوريون على البحر الأحمر مروراً بالساحل والجزر السودانية ( وبعضها في موقع جيوستراتيجي خطير جداً ) انتهاءً بباب المندب والساحل الصومالي وخليج عدن، حيث اليمن الجنوبي وأرض الصومال على ضفتى المضيق، وهو ما يفسر بعض أسباب الأحداث في شمال غزة والاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال، كل ذلك مقابل طريق الحرير الصيني والاستراتيجية الروسية في إفريقيا وجميعها لا يمكنها تجاوز جيوبوليتيكيا السودان والساحل السودان، يكتمل المشهد إذا نظرنا من الأعلى حيث ما يجري في أوكرانيا وما يجري حول خط أنابيب نورد استريم الروسي وطرق التجارة الدولية الجديدة وما جرى في لبنان ومع إيران وأخيراً سوريا، انتهاء بحرب النفوذ بين الهند وباكستان وما يقف خلفهما من دول وتحالفات.
◾️تنامى شراكة السياسة مع المال مع السلاح مع تهتك السياج الأخلاقي لكثير من الأنظمة في الإقليم وخارجه، مما يدفع بفرضيات استخدام أسلحة وأدوات ضغط أخرى في وقت يعاني فيه الاقتصاد ويزداد التضخم وتزداد الحاجة للسلاح حيث يفرض الموقف بقبول شروط ربما تكون قاسية، فالعالم لا تحكمه الملائكة، وفي هذا الصدد علينا ألا نحاكم اللحظة بظروف اللحظة وإنما من خلال النظر البعيد الذي ربما يسمح للتكتيك والتهدئة ومن ثم معاودة الحرب مرة أخرى وربما بأدوات جديدة، وما جرى من أحداث في السودان منذ الاستقلال كفيل بتوضيح ذلك..
◾️الصراع الاستراتيجي حول المعادن النادرة الذي يشكل محور أساسي للولايات المتحدة لدى أزمة أوكرانيا وهو الذي وقف خلف اتفاق المعادن مقابل السلاح.. وبعض هذه المعادن توجد في السودان ومنها معادن بالغة الخطورة والتأثير في التوازن الدولي.
◾️ الصراع حول المياه، من أنهار ومخزون استراتيجي من المياه الجوفية ومياه الأمطار، ومشروع الأنهار الجديدة.
◾️الصراع حول الغذاء، وبالنظر لضخامة حجم الفجوة المتوقعة في العام 2040، والذي يقدر بأربعة تريليون دولار، وفقاً لدراسة مبدئية كنت قد أجريتها مؤخراً، يتضح سبب شراسة الصراع حول السودان والفشقة ووادي الهواد ومحاولات السيطرة على الجزيرة وغيرها من الأراضي الخصبة .
◾️ الصراع حول الذهب والذي يأتي في لحظات تاريخية يتحول فيها العالم نحو قاعدة الذهب .
◾️ الصراع حول الطاقة، وهو من أسباب الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الاوسط وهو ما يقف خلف الصراع الأمريكي مع فنزويلا والصراع الاستراتيجي في شرق المتوسط.
◾️إقليمياً هناك مصالح إقليمية وقفت خلف التنافس التركي، السعودي، المصري، الإماراتي، وبذات الكيفية تبرز كثير من التناقضات بين هذه الأطراف، كما تبرز كثير من الأضرار الأساسية التي تضر بالمصالح الاستراتيجية لتلك الدول، بل تؤثر على المشهد الإقليمي برمته نتيجة ما يجري في السودان، ومن المهم لنا إدراك أن الخطر يواجه الأطراف الإقليمية كما يواجه السودان.
◾️ بروز تخوفات إقليمية ودولية مؤخراً من احتمالات عدم القدرة على تحقيق السيطرة على الأوضاع الإقليمية الناجمة عن استخدام نظرية الفوضى الخلاقة ونظرية صناعة الأزمة التي جرى استخدامها في السودان، وهي ثغرة يجب الانتباه لها جيداً ووضعها في حسابات تقدير الموقف.
◾️ هشاشة الأوضاع في دولة الكيان بعد المعارك الأخيرة مع الفلسطينيين وإيران، وضغط الرأي العام العالمي والأمريكي وبروز توجهات غير مسبوقة في هذا الصدد داخل الولايات المتحدة.
◾️ كل ما ذُكِر أعلاه يوضح شكل المسرح وتكامل النشاطات التي تجري في السودان وحوله، سواء الناعم منها والخشن، وهو وضع لا يمكن التعامل معه دون تفكير استراتيجي شامل وعميق.
متغيرات مهمة تؤثر على المشهد:
هناك بعض المتغيرات المهمة التي تكمل الصورة وفي ذات الوقت تشكل بُعداً مهماً لوضع الاستراتيجيات التفاوضية، وأهمها:
◾️ دخول العالم لمرحلة من التوازن الاستراتيجي الدولي والاعتراف الأمريكي بدخول العالم مرحلة القطبية المتعددة ونهاية فرضية السيطرة المطلقة على الساحة الدولية، وهذا لا يعني الاستهانة بالقوة الأمريكية.
◾️ التقدم الصيني المذهل في مجال التقانة بما في ذلك أدوات الذكاء الاصطناعي والقنبلة الهيدروجينية والسيطرة على سوق المعادن النادرة ..
◾️خسارة الولايات المتحدة لكثير من أدوات السيطرة مثل اهتزاز الثقة في الدولار وبداية النهاية لهيمنته وبداية بروز بدائل جديدة للتعاملات المالية الدولية التي تتحكم فيها الولايات المتحدة.
◾️ أوضاع الاقتصاد الأمريكي والتنامي الكارثي للديون وفوائدها وخطورة ملف سندات الخزانة..
◾️الخسارة الجيوبوليتيكية للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية والتناقض الأمريكي مع مصالح إقليمية.
◾️بروز تناقضات بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي مقروناً مع الأوضاع الاقتصادية السالبة والظلال الكثيفة لأزمة أوكرانيا على الاتحاد الأوربي.
◾️الأوضاع السيئة للاقتصاد الفرنسي وتراجعها في إفريقيا، مقابل التقدم الصيني والروسي في إفريقيا.
◾️ بداية تشكل رأي عام عالمي تجاه ما يجري في السودان وبروز أوضاع إقليمية متعددة تتيح فرصاً لتعاون استراتيجي إقليمي.

حلول تقليدية:

ولعل النظر من خلال الحروب والنزاعات المستمرة في السودان منذ تمرد توريت إبان طلب الاستقلال، مروراً بالنزاعات في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور وشرق السودان، انتهاءً بحرب الخرطوم التي امتدت إلى الجزيرة والنيل الأبيض وكردفان الكبرى وسنار، مقروناً بالعقوبات الأمريكية والغربية التي فرضت تباعاً على السودان منذ 1988، مع التدقيق في طبيعة أدوات الصراع الاستراتيجي الدولي التي ظلت تستخدم طوال سبعة عقود في بلادنا، سنكتشف أن هناك مصالح وأجندات كبيرة تقف خلف تلك النزاعات وخلف تلك الحالة المستمرة من عدم الاستقرار، وأن هذه الحروب والنزاعات المستمرة والإضعاف الاقتصادي والتدمير الممنهج للاقتصاد وللعملة الوطنية وللقوة الشرائية، والإضعاف الممنهج للبنية الوطنية والإرادة السياسية والعمل الذكي لتهيئة المسرح بما يمنع بلورة إرادة وطنية حقيقية، إنما كانت مجرد أدوات لتحقيق تلك المصالح والغايات، ومعظمها نفذ إلى الساحة الوطنية عبر ثغرات ضعفنا وخلافاتنا وغياب رؤيتنا الوطنية الراشدة.
لقد ظل المسرح السياسي في سبيل تحقيق النهضة والسلام المستدام، رهيناً لمجموعة من الحلول التي أثبتت عدم جدواها، والتي يمكن تلخيص أهمها كما يلي :
◾️ حوار نخبوي فوقي بين جهات لا تملك تفويضاً من الشعب بالانتخابات أو بالاستفتاء، وكثير منها غير مالك لإرادته، وهو ما يعني حوار لإرادات من يقف خلف تلك التنظيمات وليس حواراً سودانياً.
◾️ .ثورة شعبية تهتم بالإسقاط فقط دون رؤية لما بعد السقوط، فيحدث فراغ فتسرق الثورة وتتمدد إرادة لا علاقة لها بالثورة ولا بالشعب.
◾️ فترة انتقالية متعجلة تنتهي بسباق انتخابي يثير الاستقطاب والمشكلات مهما كان شفافاً ونزيهاً
فقد شهدنا ثلاثة فترات انتقالية انتهت بتنظيم انتخابات ، لكننا لم نرى غير مسلسل الإخفاق والحروب وعدم الاستقرار وتواضع التنمية
◾️ نضال عسكري من خلال تنظيمات مسلحة فاقت المائة، يعقبها اتفاقيات سلام تؤسس لتقاسم الثروة والسلطة بمحاصصات وتقاسم المناصب، ترضي البعض، دون الاهتمام الكافي بالرؤية الاستراتيجية المطلوبة للتأسيس وتحقيق السلام المستدام ومواجهة كثير من العوامل والأسباب التي ظلت تهدد السلام والاستقرار، بما في ذلك تعقيدات التنافس الاستراتيجي الدولي. حيث انتهت نيفاشا بفصل الجنوب في إطار ترتيب استراتيجي خارجي بينما اشتعلت الحرب في دارفور بصورة أسوأ مما كان قبل اتفاقية جوبا بما يمهد للانفصال، وأيضاً وفق ترتيب استراتيجي خارجي.
◾️ وبالنظر للتاريخ الإنساني فيما يلي هذا الخصوص سنكتشف أن خاتمة المطاف هو إما الانتصار أو الاستسلام والرضوخ للابتزاز وتقديم التنازلات دون مقابل استراتيجي مساوي لها، عندها ستتحقق غايات المنتصر ولا مجال للمجاملة والعواطف في هذا الموطن .، ومجلس الأمن، ( كنموذج ) ما هو إلا آلية تشكلت بموجب إرادة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وهو لا يعمل بالعواطف وإنما وفق المصالح.. هؤلاء يديرون خلافاتنا وفق تكتيكات تؤسس لمصالح أجنداتهم، ولا موطن هنا لما يعتقده البعض من وجود سياج أخلاقي أو عاطفي يحكم سلوك التنافس الدولي..
◾️ لقد راهن الكثيرون على الانتصار العسكري كحل وحيد للأزمة، ومع أهمية الموقف العسكري على الميدان في بلورة الإرادة، إلا أن واقع الحال يقول أن الجيش في تاريخه الحديث دائماًً ما ينتصر لكن تتحقق الهزيمة في الحرب الناعمة، السياسية، الثقافية، الاجتماعية، النفسية، إلخ، علماً بأن جميع نظريات الأمن القومي في العالم تقوم على مفهوم القوى الاستراتيجية الشاملة، الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، العسكرية..،
◾️فهل يا ترى السودان الآن في موقف فرض إرادته ؟ من المؤكد أن من دفع الثمن غالياً وبذل الجهد الكبير لتهيئة المسرح لمصلحته لن يستسلم في وقت تزدحم فيه المنطقة الإقليمية بالمصالح والتناقضات الدولية.
◾️ لقد نبهنا كثيراً لضرورة النظر إلى ما يجري في السودان من منظور استراتيجي يقرأ مكامن الضعف الوطني من هشاشة اجتماعية واقتصادية وسياسية، ويقرأ بعمق كافي أسباب الاستراتيجيات حولنا وما يحيط بها من تناقضات وما خلفها من تهديدات، وأشرنا كثيراً لعدم جدوى التكتيك المعزول عن رؤية استراتيجية.
◾️ لن يتم القبول بوقف الحرب وانسحاب المليشيا وتسليم سلاحها والتعامل مع المجرمين هكذا ببساطة، والاعتراف بالحكومة وتنظيم مؤتمر حوار سوداني يلملم المشكلة ويبلور إرادة وطنية، لم يخطط للحرب لكي يحدث هذا وإنما العكس، فمن وقف خلف المشهد السوداني ظل يفرض العقوبات ويسرق الثورات وينظم الحروب، عبر ثغرات الضعف الوطني، فكيف سيقبل بهكذا حل ما لم يتحقق انتصار عسكري ساحق مسنود بترتيب استراتيجي داخلي وخارجي.
◾️ سيتحتم على السودان بحكم موقعه الجيوستراتيجي والموارد المهمة جداً، إما الاستسلام وقبول شروط القوي وهو ما لا يتمناه أي سوداني، أو استيفاء ترتيبات استراتيجية تتضمن الدخول في حوار استراتيجي وفق إرادة وطنية، يؤسس لمصالحنا الوطنية ولأمننا القومي، وحتى يتحقق هذا لا بد من استيفاء ترتيبات محددة لتعزيز القدرات التفاوضية الوطنية.

اجترار الفشل:

حتى نقدم طرحاً واقعياً للحل، يتوجب علينا النظر إلى طبيعة عيوبنا وأخطاءنا في الداخل، فما قمنا بممارسته طوال سبعة عقود من ممارسات سياسية وما طرحناه من حلول، عطل فرصنا في تحقيق النهضة أسوة بغيرنا، وأورثنا حالة مستمرة من عدم الاستقرار والنزاع أفضى لدمار معنوي ومادي هائل وضياع وقت ثمين، وهو منهج لا يجب الإصرار عليه، كما يجب النظر العميق بذات القدر لطبيعة الصراع وطبيعة الأوضاع على البيئة الدولية والإقليمية والتي سبقت الإشارة لها، وفيما يلي تلخيص للمشهد الداخلي:
◾️غياب الإطار الفكري الذي يعبر عن الدولة وغياب الوثيقة التي تحدد مصالحنا الوطنية.
◾️ضعف الإرادة الوطنية الواحدة وضعف الإرادة السياسية.
◾️الاستقطاب الحاد الذي تعدى التنظيمات السياسية إلى الحياة الاجتماعية إلى استقطاب داخل البيوت داخل الأسرة الواحدة، وهذا ترتيب مهم لإكمال المخطط.
◾️ الهشاشة السياسية المتمثلة في الاحتقان وتنامي الكراهية والاستقطاب السياسي الحاد وغياب الرؤى المشتركة، بل غياب الرؤية الاستراتيجية للتعامل مع التعقيد الوطني، وهو أمر لن يقود إلا لمزيد من التشظي وتوسيع ثغرات التدخل الخارجي، وهذا يعني صعوبة تشكيل حاضنة سياسية وفق مطلوبات الحوار الاستراتيجي الخارجي الذي يستدعي وجود رؤية استراتيجية متماسكة.
◾️الهشاشة الاجتماعية المتمثل أهمها في تنامي النعرات الإثنية والجهوية مع انحراف كثير من الإدارات الأهلية عن دورها لتتحول من كيان اجتماعي إلى شريك يغذي الحرب، له أدوار سياسية، ولعله من المهم الاعتراف بالأوار المهمة للإدارة الأهلية، لكنها ليست طرفاً سياسياً يملك الفكر السياسي ولا مؤسسة علمية تملك السند المعرفي، ولا تمثل مركزاً للتفكير الاستراتيجي القادر على طرح الرؤى الاستراتيجية.
◾️ ضعف الفكرة في إدارة الموارد الطبيعية مما جعلها مصدر لتهديد الأمن بدلاً من أن تصبح وسيلة لتحقيق الأمن القومي وأداة من أدوات القوة..
◾️ غياب العمق الاستراتيجي المطلوب للتعامل مع المشهد الدولي حول الوطن وهو ما يؤدي إلى تقديم تنازلات بعضها يتعلق بموارد أو مزايا استراتيجية، دون مقابل مكافئ لها من حيث الأهمية.
◾️غياب الاستراتيجية التفاوضية ساهم في تقديم كثير من التنازلات على الصعيد الدولي والإقليمي رغماً عن أن هذه الأطراف تتضرر بشكل أساسي مما يجري في السودان، ورغماً عن ذلك بعضها ظل يتقاضى ثمن أمام مواقفها أو دعمها، بسبب غياب القراءة الاستراتيجية العميقة التي تكشف المشهد بأبعاده المختلفة.
◾️ غياب منهج بلورة الإرادة الوطنية الذي يعني سيادة إرادات ضيقة، وإرادة تنظيمات سياسية ومجتمعية وتنظيمات مسلحة غير مفوضة.
◾️ ضعف القدرة في استخدام استراتيجيات السيطرة والنفوذ، مثل استراتيجية الجيوبوليتيكس مع الدول الحبيسة، والنتيجة عدم وجود ترتيبات أو شراكات استراتيجية دولية أو إقليمية، ليتم تهديد السودان من معظم حدوده، رغما عن توفر فرص جيوسياسية واقتصادية تتيح له تحقيق السيطرة والتحكم الاستراتيجي.
◾️ من أكبر نقاط ضعف السودان في الوقت الراهن هو الخلاف حول شرعية نظام الحكم وعدم وجود تنظيمات مفوضة من الشعب، وهو افتراض يقابله بذات المستوى أن الطرف الآخر غير شرعي وغير مفوض، وبين الحالتين تفتح ثغرة كبيرة لتدخلات أجنبية سالبة، لهذا السبب مقروناً مع أسباب أخرى، يتم الميل للحلول الخارجية وعدم الانفعال اللازم بالحلول الداخلية.
◾️ افتقاد البلد للمرجعية الوطنية التي يثق فيها الناس، محتاج لمؤسسة كبيرة فكراً وسلوكاً.
غياب الرؤية الاستراتيجية:
ما نشهده هو صراع دولي للمصالح باتت لبعض دول الإقليم أدواراً مهمة فيه، ومع بروز تناقضات دولية تبرز بالضرورة تناقضات إقليمية تجعل كل من تلك الدول تسعى لتسخير الدول الاخرى لتسير في سياقها، لتصبح دولة بمزايا استراتيجية كالسودان مجرد كرت يستخدمه الآخرون بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية والعقل الاستراتيجي بدلاً من يكون طرفاً أصيلاً ومبادراً.
وقد ظللنا طوال الوقت دون رؤية استراتيجية مقابلة لتلك الرؤى الاستراتيجية الأجنبية الشاملة، والنتيجة ثورات غير مكتملة، فترات انتقالية متعجلة، اتفاقيات سلام وحلول سياسية مجزأة تتخطى الإرادة الشعبية بقوة البندقية أو بالانتهازية أو بقوة السند الخارجي ، بينما تؤكد الوقائع والحقائق العلمية أن النهضة المذهلة التي حدثت في الصين وكوريا واليابان وسنغافورة وغيرها..، لم تتم برؤى مجزأة أو بمجرد إسقاط النظام أو محاصصات أو تقاسم لكراسي السلطة وإنما عبر منهج تفكير استراتيجي حكيم منطلق على خلفية إرادة شعبية.
نحن الآن في حاجة للقفز فوق هذه الحلول المجربة والتي نعيش نتائجها نحو تفكير جديد يمكننا من تأسيس توجه استراتيجي يؤسس للتعامل مع جذور مشكلاتنا ومن ثم بناء الدولة وتحقيق النهضة والسلام المستدام.
تهديد وجودي مقابل مصالح صغيرة:
◾️ أمام المحاولات الجادة لإعادة هيكلة الدولة وأمام هذا التهديد الوجودي وتقسيم البلد الذي بدأ فعلياً بالجنوب وتجري المحاولات لاستكماله بفصل دارفور والشرق وانفصال الشمال الأقصى من أبو حمد، والسيطرة على موارد البلد ومزاياها الاستراتيجية، فإنه لا مجال إلا للتعامل بموجب ترتيبات استراتيجية وإعمال تفكير سوداني جديد، هادئ يتسم بالرشد والحكمة والعمق الاستراتيجي، واستيفاء الترتيبات أو الآليات المناسبة لتحقيق ذلك.
◾️ ولا يعقل أمام خطر بهذا الحم أن يتعطل الحل بسبب أجندات سياسية ضيقة أو مجاملات أو ترضيات أو اتفاقيات سلام تفقد الرؤية الاستراتيجية لتحقيق السلام.
◾️لذا ليس بهكذا بساطة تعلن الدولة عن قبول مبادرات معينة أو الدخول في حوار مع دولة ( ما ) وإنما يجب في البداية بلورة الرؤية الاستراتيجية الذكية التي تقرأ هذا الواقع بما فيه من مصالح ومهددات وتناقضات بين الدول وثغرات، وقبل ذلك الإدراك والقراءة العميقة لمكامن قوتنا، ومكامن ضعف الآخرين وحاجتهم للسودان ( وهذا موطن الخبراء الاستراتيجيين وخبراء الجيوبوليتيكس والخبراء الأمنيين وخبراء الاقتصاد الدولي والعلاقات الدولية، والمهنيين المختصين في الجيولوجيا واللوجستيات البحرية والفضاء وغيرهم )
◾️ وفي هذا الخصوص من المهم الإشارة لصعوبة كسب حلفاء أو شركاء استراتيجيين ونحن في حالة من الوهن والتفكك وغياب القراءة الواقعية للمشهد الدولي حولنا وغياب الرؤية الوطنية، فهناك مصالح استراتيجية بين هذه الدول تمنعها من ذلك، مثل الميزان التجاري الضخم بين الصين والولايات المتحدة والذي يقترب من تريليون دولار، فلا يمكن المجازفة بمصلحة بهذا الحكم بسبب دولة مترددة فاقدة للرؤية، وهذا يعني أن نجاح ترتيباتنا الخارجية رهين في المقام الأول بترتيباتنا الداخلية.
◾️ من المهم كذلك الانتباه لضرورة التفكير الاستراتيجي المبرأ من العاطفة، ومن ذلك الفهم الواقعي لطبيعة النظام العالمي ومرجعياته، ومن ذلك اعتقاد البعض بان فترة انتقالية تنتهي بانتخابات قد ترضي الخارج قبل الداخل، وهذا ربما يكون غير دقيق على الصعيد الخارجي، فوجود نظام هش يفتقد للمؤسسية وللرؤية الاستراتيجية والحنكة لإدارة تبادل استراتيجي دولي للمصالح، هو الوضع المطلوب لتحقيق مصالح الأخرين، ويكفيكم النظر إلى إفريقيا وإلى مئات الدراسات التي تشير لهذا الأمر، وهذا ليس بغريب ونحن نعيش واحدة من أعلى تجليات سيطرة المال على النظام العالمي وبروز شراكة السياسة مع المال مع السلاح.

إذن ماذا يجب أن نفعل:

أولاً علينا أن نثبت قاعدة مهمة وهي أن مواجهة هذا الاستراتيجيات ليس أمراً مستحيلاً ولن تنجح أمام إرادة الشعوب، لكن علينا كذلك أن نتبين طبيعة المعركة القادمة، فهي ليست معركة تكتيكات محدودة وإنما معركة ناعمة سلاحها التفكير الاستراتيجي والعمل المؤسسي والإسناد المعرفي الكافي، مما يعني أنها ليست معركة سياسيين بل خبراء الاستراتيجية والاستخبارات والجيوبوليتيكس والعلاقات الدولية…، هي معركة تتطلب استراتيجية متكاملة ومعرفة شاملة، كما تتطلب عدد من الترتيبات المهمة، أذكر منها:
◾️ قفل الثغرة المتعلقة بالخلاف حول شرعية نظام الحكم وعدم وجود تنظيمات مفوضة من الشعب من خلال تأسيس نظام انتقالي مؤسسي يؤسس للإرادة الشعبية.
◾️ قفل الثغرات التي يتمدد منها الخطر والتهديد، بما في ذلك تحصين الفترة الانتقالية من الصراع السياسي والخلافات والاجندات الحزبية.
◾️ استيفاء ترتيبات استراتيجية خارجية مساندة للترتيبات الداخلية، وهو أمر يستدعي القراءة المتعمقة والواعية للأوضاع على البيئة الاستراتيجية، وللأوضاع والاستراتيجيات الأمريكية والروسية والصينية والغربية والإقليمية، وما بينها من مشتركات وتناقضات، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، ترتيبات تقرأ وتعي بعمق مزايانا ونقاط قوتنا من موارد معرفية وطبيعية ومزايا جغرافية وما يقابلها من فرص ضخمة جداً على الساحة الدولية بالمستوى الذي جعل الصراع يحتدم حولها، كما علينا أن ندرك ضعفنا بذات القدر الذي ندرك به نقاط ضعف الدول التي تصطرع حولنا، والتعرف العميق للثغرات والعيوب ونقاط الضعف الوطنية
◾️إن غياب هذه الرؤية الاستراتيجية جعلنا نبدد كثير من كروتنا دون جدوى استراتيجية فأصبحت كثير من مواردنا الطبيعية ومزايانا الجغرافية مصدراً لتهديد الأمن بدلاً من أن تصبح مصدراً لتحقيق الأمن القومي.

إعادة هيكلة جذرية للفترة الانتقالية:

◾️ لذا فنحن في حاجة لإعادة هيكلة جذرية للفترة الانتقالية من منظور استراتيجي بما يتناسب وطبيعة الخطر والتحدي الذي تفرزه الاستراتيجيات الأجنبية، وبما يؤسس كذلك للتعامل مع الجذور الداخلية للمشكلة.
◾️ هيكلة تنقلنا إلى موطن المبادرة في التصرف واتخاذ القرار على الصعيد الداخلي والخارجي، وتمكننا من وضع وتطبيق استراتيجية تؤسس لمصالحنا الوطنية وعلى رأسها الأمن القومي.
◾️ هيكلة تؤسس لبناء جبهة شعبية وتحقيق قدر من الالتحام الوجداني من الجنينية حتى سواكن، بما يبلور الإرادة الشعبية التي تمثل شفرة النجاح وصمام الأمان للعبور الآمن.
◾️ هيكلة تمكن من تأسيس الآليات وإعمال المنهج الذي يمكن الدولة الخروج من فخ نظرية صناعة الأزمة ( أن تكون مأزوماً بالقدر الذي يمنعك من التصرف الصحيح )، نحو التفكير الاستراتيجي الهادي العميق، وما يلي ذلك من إقرار استراتيجية الأمن القومي التي تؤسس للترتيبات الخارجية والتفاوض والحوار الاستراتيجي الخارجي، كما تؤسس للتعامل مع الأوضاع وجذور المشكلة الداخلية.
◾️ إعادة هيكلة تؤسس لحوار استراتيجي لا ينتهي فقط بمطالب آنية تفرضها سخونة المشهد العسكري مثل العتاد العسكري، بل يمتد أكثر من ذلك ليشمل ترتيبات استراتيجية سياسية واقتصادية وهذا يعني الدخول للحوار بملفاتنا كلها وليس بملفات مجزأة تحرمنا من استخدام أدواتنا وكروتنا، وهو ما ظل يحدث في كثير من الأحيان في العقود الماضية، وهذا لا يمكن أن يتم في ظل غياب رؤية استراتيجية تقرأ كل دولة وفق مصالحها ونقاط ضعفها وأوضاعها الجيوسياسية، وهذا يتطلب عمل ملف لكل دولة يؤسس لحوار استراتيجي عميق يمكن من تحقيق مصالحنا ويشمل:
o مصالحنا في الدولة المعينة والبدائل في الدول الأخرى.
o المصالح الاستراتيجية للدولة المعينة في السودان وفي الإقليم
o الدولة من منظور جيوسياسي.
o المهددات المتوقعة منهم تجاهنا
o الثغرات ونقاط ضعف الدولة المعينة.

الحاضنة الوطنية:

◾️بما أن الانتقال نحو التأسيس للسلام والنهضة يتطلب وحدة المشاعر الوطنية ولجهة مؤتمنة يثق فيها الناس، فستكون هناك حاجة للتوافق على حاضنة للفترة الانتقالية التأسيسية، ليبرز السؤال المهم: ما هي الحاضنة لهذه الفترة التأسيسية الانتقالية؟
o هل حاضنة من الأحزاب أو التجمعات السياسية ؟، في ظل الاستقطاب الحاد والتعقيدات الراهنة، فإن هذا الخيار غالباً ما يقود لمزيد من الاستقطاب والتشظي، بما يهدد الفترة التأسيسية الانتقالية.
o هل حاضنة من الإدارة الأهلية ؟ سنجد أن الإدارة الأهلية مؤسسة مجتمعية ليس لها اهتمامات فكرية ولا مراكز للإنتاج المعرفي، كما أنها ليست مؤسسة سياسية، يضاف لذلك أن بعضها خرج من الصلاحيات المتعارف عليها وصارت لها أدوار عسكرية يجعل لها خصوم وأعداء .
o هل حاضنة من الثوار ؟ سنكتشف أن الثوار هم عبارة كيان استثنائي التأم لظروف محددة وتشكل بينهم هدف الإسقاط دون إطار فكري مجمع عليه بين الثوار، لما بعد السقوط.
◾️ هذا بجانب أنه لا توجد جهة مفوضة بطريقة صحيحة من الشعب السوداني، سواء تنظيمات سياسية أو تنظيمات مسلحة أو مجتمعية أو أهلية، وبالتالي لا يوجد منطق سوي يبرر اشتراط المشاركة في السلطة ومن ثم تعقيد فرص تطبيق الفلسفة المطلوبة لمواجهة التعقيدات الداخلية والخارجية، الشئ الذي يفتح المجال للحل الوطني المحايد.
◾️ وبما أن التأسيس يتطلب رؤية ذات عمق استراتيجي، كإطار فكري يعبر عن الوطن، لا حزب ولا قبيلة ولا جهة، يمتد لسنوات طويلة تتجاوز فترات التفويض الانتخابي قصيرة المدى للأحزاب، وهو الإطار الذي يتطلب التوافق الوطني وليس السياسي.
◾️ وبما أن التحدي الذي يواجه الدولة ناجم عن أوضاع وتعقيدات داخلية وأخرى خارجية تتمثل في أجندات الصراع الاستراتيجي وانعكاسات التوازن الاستراتيجي الدولي.
◾️ وأن التحدي يصبح حينئذٍ تحدي وطن، لا يتحمل أي أجندات ضيقة، حزبية أو إثنية.
◾️وبما أن السودان على موعد مع معركة ناعمة وحاسمة، تتطلب شوربة معرفية وابتكار وتفكير استراتيجي.
◾️ وبما أن بلورة الارادة الشعبية وتحقيق الالتحام الوطني وتوحيد المشاعر الوطنية لا يمكن أن يتأتى من أحد أطراف المشكلة.
◾️ فإن تأسيس حاضنة وطنية مؤتمنة يصبح الركيزة الأولى للأمن القومي السوداني، وهنا تبرز الحاجة لجهة وطنية محايدة تتمتع بالجدارة الأخلاقية، تمتلك المعرفة والقدرة على التفكير الاستراتيجي، يرضى بها غالب الشعب وتفرض احترام العالم لها.
◾️حاضنة غير تقليدية ، مبراة من الاستقطاب، مبرأة من الاختراق، مستقلة عن الأجندة الحزبية والإثنية تؤسس للمصلحة الوطنية، حاضنة تحتشد فيها المعرفة بالأخلاق بالعدل بالابتكار.
◾️ وهذا لا يتوفر إلا في برلمان المعرفة الذي يشكل منصة لالتئام الآلاف من علماء وخبراء ومبتكري السودان في السودان وخارجه، يقوم عمله على الضوابط المهنية والشوربة المعرفية الناضجة وسيادة الفكر الذي يؤسس للمصلحة الوطنية ويمنع الآراء الفردية أو الأجندات السياسية الضيقة أو الأفكار التي تفتقد للبراهين والأدلة.
◾️ إذن في ظل هذا الوضع الغريب حيث لا يوجد ممثل للشعب، وفي ظل تهديد وجودي للسودان، فلا مناص من اللجوء لسلطة المعرفة، لا سيما أن التنافس الدولي يُدار من خلال شبكات واسعة من الجامعات ومراكز التفكير والتحليل، الشئ الذي يستلزم استيفاء ترتيب مماثل مساند لعمليات إدارة هذه الفترة الحساسة من تاريخ الوطن، فإن لم يتم استدعاء المعرفة في هذه اللحظات الحرجة من تاريخ الوطن، فمتى يا ترى سيحدث ذلك.
◾️ إن اللجوء للكفاءات الوطنية المستقلة ( عن أي اجندة حزبية أو إثنية أو خارجية ) من أصحاب الجدارة المهنية والأخلاقية، كان أحد الحلول التي قبلها الشعب السوداني والساحة السياسية، وهذا يعني قبول الخبرة ذات الالتزام المهني والأخلاقي والتي تؤسس لمصلحة الوطن، فلماذا لا يكتمل هذا التصور ببرلمان من المهنيين، لأن قبول الخبرة المهنية المستقلة يتناقض مع برلمان من السياسيين.
◾️ إن المدخل الأساسي للعبور فوق هذه الأزمة الكبيرة نحو المستقبل الزاهي، يتطلب تغيير منهج التفكير وإعادة تشكيل العقل بما يتناسب والتحديات، فليس من المنطق أن نكرر ذات الحلول العقيمة وننتظر الحل، فإذا كان من الممكن ومن المعتاد سياسياً الاعتراف بتنظيمات تضم بضع مئات أو آلاف من المسلحين الساعين لتحقيق أهدافهم بقوة السلاح، ومفاوضتهم على تقاسم الثروة والسلطة، عبر قوة البندقية وبدون تفويض للطرفين، لماذا هو غير ممكن اعتماد تنظيم يضم آلاف العلماء والخبراء والمبتكرين والخبراء، ليس لمفاوضتهم على السلطة بل لحماية المقدرات والثروات الوطنية وحقوق الأجيال القادمة وبناء مستقبل كبير للسودان عبر كوادر وطنية جديرة مهنياً وناجحة عملياً ونزيهة أخلاقياً، علماً بأن التجربة الإنسانية تشير وبوضوح شديد أن ما تحقيقه من سلام ونهضة طموحة في عدد كبير من دول العالم، إنما تم بفرض إرادة الشعب وإرادة العلم والحكمة وإرادة الابتكار والإبداع وليس إرادة العنف والمكاسب الصغيرة.
◾️يمكن أن تكون النواة الأولى لهذا البرلمان هو بيت الحكمة وفريق الرؤية السودانية ( Global Team) ومجلس الحكماء والخبراء المستقلين ومجلس الخبراء العاملين في الخارج ومنصة المعرفة ببريطانيا والمنتدى الاقتصادي للعلماء بماليزيا، تجمع الأكاديميين، ويمكن إلحاق الآخرين.

الترتيبات الأساسية المطلوبة:

◾️ اعتماد الحاضنة الوطنية.
◾️تطوير الوثيقة الدستورية لتعبر عن معاني هذه الرؤية.
◾️ إعادة تشكيل المجلس السيادي وفق الضابط المهني، ليشمل ثلاثة عسكريين بجانب ثلاثة خبراء مدنيون مستقلون ينتمون إلى ثلاثة علوم هي العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الاقتصاد، العلوم الاجتماعية ، ويمثل العدد الكلي لأقاليم السودان الخمسة.
◾️ تكوين برلمان المعرفة ويتكون من المهنيين والخبراء وفق التخصصات المهنية، فيما لا يتجاوز 200 عضو.
◾️ تكوين حكومة من خبراء مستقلين، محايدة، مالكة لإرادتها، ( هذا يعني خروج كل الأطراف السياسية والتنظيمات المسلحة )
◾️التئام التنظيمات المسلحة في مجلس الأمن والدفاع وهو في الأصل مجلس تنسيق عسكري أمني، ويباشر مهام عسكرية وأمنية.
◾️ إنشاء مجلس الأمن القومي المناط به كل قوى الدولة ( السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، العسكرية، العلاقات الدولية، العلوم والتقانة، الإعلام والمعلوماتية )، كعقل استراتيجي للدولة، مع إصدار قانون الرؤية.
◾️تطوير وتأمين مركز صناعة القرار لا سيما الاستراتيجي.
◾️بلورة الرؤية الاستراتيجية للفترة الانتقالية واستراتيجية الأمن القومي، وتشمل:
o التوافق على وثيقة المصالح الوطنية.
o ترتيبات التعامل مع التعقيدات الخارجية.
o بلورة الكروت الاستراتيجية تحديد الكروت الاستراتيجية وإعمال مبدا ربط المصالح ومبدأ التبادل الإستراتيجي، والتوافق في هذا الإطار على ما يمكن أن نعطي وما يجب أن نأخذ دون الإضرار بمصالح الأجيال القادمة.
o ترتيبات التأسيس للدولة وبلورة الإرادة الوطنية
o الخطة الانتقالية العاجلة لثلاثة سنوات لإعادة الإعمار والتعافي الوطني وفرض هيبة الدولة والقانون وتحسين الخدمات والخطة الاقتصادية العاجلة التي تؤسس للإنتاج وتعويض إيرادات الدولة وتهيئة المناخ للتنمية.
o إتمام الحد الأدنى من الإصلاح الذي يؤسس انتقال ديمقراطي آمن.
◾️تشكيل فريق استراتيجي محترف للحوار الاستراتيجي .
◾️ استيفاء ترتيبات تحقيق وحدة المشاعر الوطنية، وأهمها:
o ضمان ممارسة سلوك وفعل سياسي راشد وحكيم من قبل السلطة ، مبرأ من الظلم والفساد والتمييز.
o التوافق على محاربة الفساد وإصدار قانون النزاهة ومكافحة الفساد وتأسيس المفوضية
o الالتزام بالعمل المؤسسي الشفاف الذي يقفل كثيراً من الثغرات التي اضعفت الدولة.

بلورة الإرادة الوطنية:

◾️ إن بلورة الإرادة الوطنية وبلورة المسار الاستراتيجي نحو المستقبل يتم عملياً من خلال إنتاج رؤية وطنية كإطار فكري يعبر عن الدولة، لا الحكومة، وكحلم وطني يعبر عن الوجدان وعن تطلعات الناس، تتضمن كافة الترتيبات العميقة للتعامل مع الجذور الداخلية والخارجية للمشكلة الوطنية، وهذا يستدعي تنظيم حوار سوداني استراتيجي يؤسس لهذه الإرادة، أي ما يريده الشعب وليس حواراً كما ظل يحدث في الماضي يؤسس لوصاية البعض على الشعب، يدور بين بعض النخب والجهات واللافتات العديدة من منظمات واتحادات التي لا تملك قواعد شعبية حقيقية تؤهلها للحديث باسم الناس، وإنما حوار استراتيجي، يتم بناء على مشورة شعبية ودراسات ميدانية واسعة وورش في قاعدة المجتمع، ومشورة علمية تعتمد على دراسات الجيوبوليتيكس والتحليل الاستراتيجي للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية وغيرها، وتحليل جذور المشكلات وتحليل التوقع .. إلخ، حوار يشارك فيه علماء وخبراء البلد عبر المدخل المهني يقوم على المعرفة العلمية الناضجة بالأدلة والبراهين وليس الانطباعات والرؤى الشخصية.
الإصلاح:
التدبر العميق للمشهد الداخلي والخارجي يشير إلى ضرورة استيفاء حد أدنى من الإصلاح الذي يؤمن انتقال آمن للسلطة عقب الانتخابات، يمنع تكرار أخطاء الماضي وتخطي إرادة الشعب بأساليب ودعاوى متعددة، أهم ما يشمله:
◾️ إصلاح وتطوير النظام العدلي، لأن صمام الأمان للانتقال الآمن والترتيب الأكثر أهمية لمناخ معافى يضمن تدفق الاستثمار والتمويل، هو نظام عدلي مهني مستقل، يقف الكل أمامه دون تمييز أو استثناء.
◾️ إصلاح الأحزاب، لأن إجراء انتخابات لتتم بين أحزاب ضعيفة فكرياً، مسلوبة الإرادة .. بدون رصيد جماهيري، ستعرض عمليات التأسيس النهضوي للفشل.
◾️إصلاح وتطوير الأجهزة الأمنية وتعزيز قوميتها ومهنيتها بإرادة سودانية مهنية عبر خبراء عسكريين وأمنيين وطنيين أصحاب جدارة مهنية وأخلاقية، يشمل دمج الحركات المسلحة وممارسة السياسة عبر آليات مدنية.


•بروفسير محمد حسين أبوصالح – أستاذ التخطيط الاستراتيجي .. علم صناعة المستقبل
30 ديسمبر 2025

اترك رد

error: Content is protected !!