لم يعجبني إطلاقا حديث رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان مؤخرا حول مسئولية رافضي الحوار عن الوضع المأزوم حاليا والذي يتجسد في المشكلات التنفيذية والإقتصادية، وربما يكون أنهم فعلا يتحملون جزءا من المسئولية، ويجوز لطرف اخر لا البرهان ولا من هم في الحكم الان .. أن يتهموهم بهذا الجزء من المسئولية ولكن أن يتحدث المسئول الأول عن البلد عن مسئولية رافضي الحوار عن التدهور التنفيذي والربكة الإقتصادية فهذا يفسر بأنه تنصل عن المسئولية التي في عنقه.
هل البرهان هو المسئول التنفيذي الأول أم انه غير مسئول؟ الإجابة سهلة جدا، والمرجع هو الأمر الواقع وليس “الورق” وثيقة كان أو اتفاق أو غيره .. لو سألت أي مواطن في الشارع من هو الشخص الذي بمقدوره فصل مدير الكهرباء وتعيين مدير جديد؟ سيقول لك البرهان. إذن من هو المسئول عن قطوعات الكهرباء الآن؟ الاجابة؛ هذا الشخص والبرهان الذي عينه.
ولو فكرت بأبسط أنواع التفكير وسألت .. إلى من يستمع ويطيع المسئول فإن الإجابة هي أنه يراعي جدا من يعينه ومن يحاسبه ومن “يرفته” وليس حزبه السابق أو اللاحق.
البرهان أحال عددا كبيرا من المسئولين وعين عددا كبيرا، إذن كيف يتحمل مسئولية الفشل الرافضون للحوار والمقالون من مواقعهم وليس البرهان ومجلس السيادة الانتقالي عضوا عضوا .. عسكريبن أومدنيين أو حركات.
السيد البرهان أنت الآن والى حين إشعار آخر – بوفاق وطني أو وثيقة جديدة أو إنتخابات – انت حاكم ورئيس ومسئول و “البلد في رقبتك” وتتحمل كل شيء .. من ميناء بورتسودان مصفاة الجيلي الى معبر جودة والامدادات الطبية والموسم الزراعي إلى نقص البوتاسيوم واليود في جسم طفل سوداني في قرية الطينة الحدودية في دارفور، ففي دارفور انت المسئول ومني مناوي وليس عبد الواحد ولا الحزب الشيوعي ولا الكيزان ولا ترك ولا سلك، ومن قال لك غير ذلك فهو كذاب ومتملق ولا دين له ولا خلق، ونصيحتي لك أن كل من يزين لك أن قحت هي المسئولة ولست أنت أنقله فور قراءة هذا المقال من موقعه معكم أو في دائرتكم الى قسم العلاقات العامة وتلطيف الاجواء في اي مؤسسة في الجيش أو الدولة ليتملق مسئولا آخر.
في حكم حمدوك تحدثنا عن مسئوليته وفي عهد قحت حاسبناها “حساب نكير في القبير” ورفضنا “شماعة الكيزان” ولذلك نرفض أن تتحول قحت وأخطائها وخطاياها شماعة فشل فهذه هي نفس اسطوانة اليساريين المشروخة عن مسئولية الدولة العميقة عن فشلهم وأساطيرهم عن أن الكيزان زاحموا المواطنين في الصفوف واشتروا الرغيف ورموه في “الكوشة” ثم وقفوا في صفوف البنزين وشفطوه من سياراتهم وسكبوه النيل لخلق الأزمة .. وغير ذلك من العلف لقطيع الصادقين المؤمنين بقحت.
أنا لا أبرأ قحت ولا رافضي الحوار ولا الأقطاب الخارجية المتدخلة وكثيرا ما ننتقدهم ونتحدث مرارا وتكرارا عن الذي قال “نستفيد من الدم” وأنها لم تكن فلتة لسان من المتحدث بل منهج وخطة عودة للسلطة بالتواطؤ على استمرار الازمة وبالفرح والسعادة بالموت وقتل الأبرياء.
وهؤلاء لديهم جزء من المسئولية ولكن المسئول الأول عن الدولة واداءها التنفيذي والإقتصادي هو الفريق عبد الفتاح البرهان قولا واحدا .. ولو كان هنالك شخص مسئول في الدولة أو مؤسساتها يتصنع للبرهان مودة أو ولاء ويدعي أنه أمره يهمه فليكن تعبيره عن هذا بنصحه أولا والتأكيد على مسئوليته، ثم يساعده في هذه المسئولية من موقعه ويجود أداءه ويخلص للشعب السوداني ولضميره ودينه قبل ذلك.
قد يكون تفكير البرهان أنه يرسل رسالة لهذه الأحزاب أو قواعدها أن الوفاق أفضل لإنقاذ البلد، وربما تكون الرسالة للذين قطعوا شوطا ويرغبون في الجلوس للحوار ولكنهم يعانون نفسيا من النزول من سقف المطالب الذي رفعوه فاستلمه محتجون في الشارع مع أحزاب أخرى وزادوه ولم يعد “السقف” ولا الشارع كرتا تفاوضيا في يدهم .. ربما وربما.
مهما كانت التفاسير والمعاذير يبقى كلام البرهان خطأ لأن المزارع الذي يفلح الأرض ينتظر السماد والتقاوي في حين أن البنوك والشركات جاهزة للتمويل وكل عناصر الانجاز متوفرة ونجاح موسم زراعي يحتاج فقط الى حكومة لتنسق الجهود وتحدد التواقيت والرسوم والحوافز والضرائب .. الحكومة لا بتشيل طورية ولا بتطقها عقرب في الحواشة .. عليها مسئولية القرار والكل يعلم من يتخذ القرار ولذا فهو المسئول.
ليس معجزة ولا أمرا خارقا للعادة أن تقوم الحكومة بمسئوليتها وينجح الموسم الزراعي فقد حصل هذا الأمر في أسوأ سنين الانقاذ حصارا وعزلة .. ولم تقل الحكومة حينها ان هنالك مسئولا غيرها.
وحصل في عهد قحت في “موسم يتيم” ثم تورطت لجنة التمكين في قرارات رديئة وانتقامية واحتكارية وهزمت الموسم التالي ودفعت الثمن وذهبت وهذا كله معروف ومشهور ومكتوب في الصحف.
من المسئول الأول الآن؟ الاجابة هو البرهان. من المسئول الثاني والثالث والرابع في الزراعة مثلا …
الإجابة هي وزير المالية والزراعة ومدراء المشاريع والبنوك وعلى رأسها البنك الزراعي.
من المسئول بعدهم بمراحل وليس ضروريا نقده؟ الإجابة متعددة حسب المزاج الشخصي والعناد السياسي .. الاجابة يمكن أن تكون .. رافضي الحوار من قحت .. عملاء الخارج .. الدولة العميقة والكيزان .. الدولة “المطفحة” للناشطين السابقين .. إسرائيل .. كوريا الشمالية .. جمهورية الواق الواق .. وكل هذا حديث لا يعني المواطن السوداني.
الادهى من ذلك .. اتحدى من يقول أنه يصلح للبرهان يوم القيامة أن يعتذر لرب العزة جل جلاله عن خطأه في تعيين مسئول بينما هنالك من هو أفضل منه لأمة محمد وللشعب السوداني بأنه كان يراعي مشاعر قحت أو يجامل الأوربيين أو لم يتمكن من تعيين الأفضل لأن الفيسبوك سينتقده.
انها أمانة وكل من كان أهلا وذو قدرة وخبرة .. لا يضير الشعب السوداني انتماؤه طالما انه “يملص” انتماءه الحزبي ويعلقه في “مسمار حيطة الحمام” ويرتدي ثياب المسئولية الوطنية الى موقع عمله .. هذا هو المعيار الذي يجب ان يفرضه البرهان لا جهوية ولا حزبية ولا عسكرية ولا مدنية ولا نظام سابق اسلامي ولا قحت أولى علمانية ولا ثانية حركات وأحزاب ومستقلين ولا فيسبوك ولا توتيتر.
أنا لا أردد في هذا المقام في شهر الصيام للبرهان عبارات التحريض والنفخ والتأليب على شاكلة أملأ قاشك واكرب جيشك واعملها عسكرية ونحو ذلك .. ولا يجوز كسر عضم الجيش بوضع كل الحمل عليه .. أيضا لا يجوز التعويض عن الفشل التنفيذي والإقتصادي بالتنكيل بقحت ورموزها .. من اقترف خطأ منهم يحاسب لخطأه وليس كبشا للفداء ليلتهمه الرأي العام .. لقد مارست قحت هذا الانتقام والتشفي عبر لجنة التمكين لتعوض عن فشلها وانحسار شعبيتها وعدم قدرتها على قضايا القصاص ودشنت أعنف حملة لفصل الموظفين وتشريدهم .. ماذا كانت النتيجة؟ هل رضى عنها الشعب أم غفر لها أولياء الدم؟
أنا لست مع هذا الشغب السياسي انما مع الحوار ومع الوفاق .. بل قحت نفسها بما في ذلك “الليبراليين المتطرفين” وأدوات الخارج الذين انتقدهم داخل وخارج السودان جهارا في المحافل الدولية، قدمت مقترحا بمنحهم الثلث الضامن في البرلمان الانتقالي مقابل أن يفرجوا للشعب السوداني عن الثلثين في انتخابات عامة .. والتقيتهم وقدمت لهم المقترح وللسيد بيرتس فولكر نفسه مباشرة وغيرهم من كفلاءهم في الخارج.
الحوار مهم والحل السياسي مهم والتعامل الواقعي مع المجتمع الدولي مهم .. وقد أشرت من قبل أنه من حسن الحظ أن البرهان ليس مصنفا ضمن الأعداء الايدولوجيين للمعسكر الغربي .. وكثيرا ما أسديت النصح الي البرهان عبر أعوانه أن منهجك في عدم التصعيد الخطابي ضد الدول الغربية مع أنك في النهاية “متمسك بموقفك” أفضل بكثير من منهج البشير في لفت أنظار العالمين واستفزازهم ثم الرضوخ بعدها للمفاوضات والضغوط.
الخلاصة .. مضى ثلاثة أرباع الزمن في الامتحان التنفيذي للسيد البرهان وأكرر .. مخطيء ومتملق من يصحح له نظرية مسئولية قحت أو غيرها عن الفشل التنفيذي او التراجع الاقتصادي.
أنت المسئول يا برهان .. هذا ليس تقريعا ولا تشريفا ولا لفت انتباه لما نكتب ولا لأي غرض سوى النصح .. هذه الحقيقة التي لا مهرب منها وهذا ما سيسجله التاريخ لك أو عليك.
انت المسئول.