
✍🏼 الصديق البشير
يكثر أعضاء صمود/قحط من الحديث عن الشرعية وافتقاد الحكومة السودانية لها، بزعمهم، منذ إجراءات 25 أكتوبر 2021. ولم تفتر جهودهم الرامية لأن يبيعوا للمجتمع الدولي وهم أنهم سدنة الشرعية وأصحابها وأن حمدوك هو رئيس الوزراء “الشرعي”.
صدور هذا الحديث من مجموعة ليس من بينها من انتخب من قبل حتى لعضوية لجنة فريق لكرة القدم بٱحدي الروابط الصغري، ومن يواجهون طعنا في شرعيتهم داخل كياناتهم، إن وجدت، يجعله بلا قيمة، ولا يستحق الرد. فهل سمع أحد مثلا بأن محمد الفكي أو جعفر حسين أو شهاب إبراهيم، وغيرهم من الناطقين باسم صمود، الذين ترتفع أصواتهم بالحديث عن الشرعية، قد انتخبوا داخل مجموعاتهم لأي موقع، أو أن هذه المجموعات أصلا توجد بشكل حقيقي، ولها أجهزة تنتخب، وقيادة معروفة ؟ وما هو التنظيم الذي يمثله الأخير وما برنامجه وما تاريخه؟
مع ذلك، وفي ظل جرأة وإصرار أولئك على تصوير أنفسهم كأنهم حاملي أختام الشرعية وأصحاب “الحق الإلهي” في الحكم، لابد من تنفيس هذه الفقاعة، حتى لا يظنن ظان أن تحت القبة المتوهمة ” فكي” حقيقي، لا ذاك الزائف.
حجة عرجاء:
تستخدم صمود/ قحط في السعي لنزع الشرعية عن الحكومة الموجودة منطقا قانونيا معوجا، بادعاء أن إجراءات 25 أكتوبر كانت خروجا على الوثيقة الدستورية الموقعة في 17 أغسطس 2019. وأحيانا يحاجج متحدثوها بأن أمد الوثيقة قد انقضى. إلا أن هذه الحجة لا تقوم على ساقين.
بموجب المنطق القانوني البحت فإن ما حدث في 11 أبريل 2019، هو انقلاب عسكري، وخروج علي دستور 2005 الذي حظي بدعم خارجي وداخلي غير مسبوق، وعلى أساسه جري استفتاء جنوب السودان وولدت دولته المستقلة، باعتراف دولي كامل. ووفقا لتقييم الخبراء الدستوريين فإن دستور 2005:هو أفضل وثيقة عرفها السودان.
من ناحية أخرى فإن المشير عمر حسن البشير كان في أبريل 2019 رئيسا شرعيا، وفق انتخابات اعترف بها المجتمع الدولي، وتبقى له عام من فترة رئاسته. وكما هو معلوم فإن رغبته في الترشح لفترة ثالثة هي التي أشعلت الاحتجاجات عليه. كما أن الأحزاب التي شكلت ما عرف بقحط لاحقا كانت تعترف بشرعية الحكومة وتفكر في الترشح لانتخابات 2020 المقررة، وكانت فقط تتفاوض مع المؤتمر الوطني، في أديس أبابا وبالداخل حول الشروط تهيئة المناخ السياسي لذلك.
ديكتاتورية مع سبق الإصرار:
أما وثيقة أغسطس 2019 فلم تكن نتيجة عملية دستورية متوافق عليها بل هي كانت محاولة لتقنين أمر واقع وتعبيرا عن توازن قوي سياسي في لحظة تاريخية معينة، بعد سقوط نظام الإنقاذ عندما قررت اللجنة الأمنية برئاسة النائب الاول لرئيس الجمهورية ووزير الدفاع ” اقتلاع” الرئيس البشير، قبل أن يتعرض هو نفسه هو للاقتلاع.
لهذا فإن الجدل والشكوك قد احاطا بالوثيقة الدستورية منذ أول يوم، فضلا عن الخروقات الجسيمة لها من قبل قحط عندما كانت على سدة الحكم. فهناك اعتقاد قوي وله ما يسنده أن الوثيقة المنشورة هي نسخة معدلة او مزورة عن ما وقع عليه في احتفال 17 أغسطس.
وخلال أشهر قليلة اثخنت الانتهاكات المتكررة جسد الوثيقة، وهذه مجرد نماذج منها:
1- عدم تشكيل المجلس التشريعي المعين خلال 90 يوما بعد التوقيع على الوثيقة كما نص على ذلك فيها. ولم تجر حتى محاولة في هذا الاتجاه على مدى عامين وشهرين، تولت خلالها قحط الحكم. بل أن حمدوك صرح في لحظة صدق نادرة أنه لم تكن هناك رغبة سياسية في تشكيل المجلس التشريعي المعين. مما يعني أن قحط كانت أصلا تسعى لإقامة ديكتاتورية صريحة بلا أي مسوح ديمقراطية وتريد من الجيش أن يحرسها لها.
2- عدم تشكيل مجلس القضاء الذي نصت عليه الوثيقة حيث كان يفترض أن يضطلع باختيار رئيس القضاء وقضاة المحكمة الدستورية . وتعمد تعطيل المحكمة الدستورية، بعد انتهاء فترة أعضائها في يناير 2020. ومن ثم إخضاع القضاء نفسه للسلطة التنفيذية، بل وللجنة غير قانونية ( لجنة التفكيك).
3- عدم تشكيل مجلس نظام الحكم لتحديد عدد الولايات والأقاليم وكيفية اختيار حكامها، في ضوء تعديل الوثيقة بعد توقيع اتفاقية جوبا في أكتوبر 2020.
4- التنكر لما اشترطته الوثيقة الدستورية بأن يكون أعضاء مجلس الوزراء مستقلين، واستبدال ذلك بمحاصصة حزبية بين أعضاء قحط. وتجاوز شرط عدم ازدواج الجنسية بالنسبة للوزراء، وحذف النص على عدم السماح لأعضاء مجلس الوزراء بالترشح للانتخابات عقب نهاية الفترة الانتقالية.
5- الانتهاكات الجسيمة للحقوق الأساسية للمواطنين من قبل حكومة حمدوك، مثل الفصل الجماعي للقضاة ووكلاء النيابة وضباط الشرطة وموظفي الخدمة المدنية بطريقة غير قانونية ومنع تنفيذ أحكام القضاء ضد ذلك، وتعطيل حرية التعبير والرأي السياسي.
إجراءات 25 أكتوبر:
باختصار فإن الوثيقة الدستورية، على علاتها وعيوبها الجوهرية، كانت قتلت وشبعت موتا، عندما جاءت إجراءات 25 اكتوبر. وشربت قحط من ذات الكأس الذي سقت منه خصومها. فمثلما استغلت اعتصام القيادة في أبريل 2019 للخروج علي دستور 2005، كان اعتصام القصر في أكتوبر 2021 سببا لتعليق عدد من مواد الوثيقة الدستورية وإنهاء شراكة المكون العسكري مع قحط.
وكانت قحط قد خرجت من دائرة الفعل والتأثير الجماهيري، بأدائها البائس في الحكم وتسلطها على رقاب المواطنين، وانسحاب أهم احزابها وأكثرها قدرة علي العمل الجماهيري- الحزب الشيوعي- والواجهات التي أنشأها في هذا الجانب مثل تجمع المهنيين ولجان المقاومة. وجاءت إجراءات 25 أكتوبر لتنزع عنها ورقة التوت. وبعد توقيع حمدوك على إنفاق 21 نوفمبر 2021 مع المكون العسكري للعودة للحكم، أصبح الحديث عن والإنقلاب في 25 أكتوبر نكتة سمجة.
لكل ذلك فإن الشرعية، بالمعني السياسي، هي محصلة تراض وتوافق سياسي بين القوى السائدة يحظي بدعم الغالبية من الشعب، وليست عقد إذعان أبدي تمنح مرة واحدة وتستمر إلى يوم الدين..
شرعية بقاء مؤسسة الدولة
لم تسعف الشرعية القانونية والدولية للرئيس البشير نظام الإنقاذ في مواجهة الاحتجاجات الشعبية بين ديسمبر 2018 وأبريل 2019، بعد أن عجز المؤتمر الوطني عن إقناع الأجيال الجديدة بأنه قادر على إخراج البلاد من الانسداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي استحكم وقتها.
الآن والبلاد تخوض حربا وجودية ستحدد نتيجتها ان تكون أو لا تكون ؛ ، فالشرعية هي للمقاومة والانتصار لبقاء مؤسسة الدولة ووحدة البلاد وشعبها واسترداد كرامته وحقه في الحياة الحرة العزيزة، لا لوثيقة بائسة تنكر لها من وضعوها في اليوم التالي للتوقيع عليها. ولهذا فإن من راهنوا على حصان التدخل الأجنبي، وبرروا للمعتدي ودافعوا عنه هم آخر من يتحدث عن الشرعية.