حملات الضغط تتسع: العالم يطوّق الإمارات في حربها بالوكالة على السودان!؟

تتسارع وتيرةُ التحولات في المشهد السياسي والإعلامي الاقليمي والدولي حول الحرب الدائرة في السودان، بعد أن باتت الحقائق تتكشف تباعاً حول حجمِ الانخراط الإماراتي في تغذية الصراع وتسليح المليشيات وجرّ البلاد إلى أتون حربٍ بالوكالة، على خلفية هذا الغزو الأجنبي متعدد الأوجه والذي بات يهدّد الأمن الإقليمي والدولي معاً.
ففي الأسابيع الأخيرة، شهدت الساحة العالمية بتصاعد حملة المسيرات على المدنيين في السودان، تصاعداً لافتاً في الإدانات الرسمية والحقوقية والإعلامية ضد دولة الإمارات، بعد نشر تحقيقات موثقة من كبريات الصحف ومراكز البحث في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا ودول عربية وإفريقية، أكدت ضلوع أبوظبي في دعم المليشيا المتمردة بالمال والسلاح والمسيّرات، في خرقٍ واضحٍ لقرارات مجلس الأمن والقانون الدولي الإنساني، وجرائمها على الأرض الموصوفة بالقانون الجنائي الإنساني .
منابر العالم تُدين.. وأصوات من داخل البرلمانات
الي جانب ادانة الهيئات الدولية واعترافها بانخراط أطراف خارجية، توالت المواقف الرافضة من احرار العالم ونوابٍ في الكونغرس الأمريكي وبرلمانات أوروبية وأفريقية، عبّروا فيها عن صدمتهم من الدور الإماراتي، وطالبوا حكوماتهم بفتح تحقيقات عاجلة وفرض عقوبات على الجهات التي تموّل وتسهم في استمرار الحرب ومعاناة المدنيين. كما انخرطت منظمات إنسانية كبرى، مثل أطباء بلا حدود ومنظمة الصحة العالمية، في توثيق الانتهاكات التي ارتُكبت باستخدام أسلحة ومسيّرات ذات منشأ إماراتي، وصيني وأخري مجمعة باوربا الشرقية، ما يعزز المسار القانوني الدولي ضد المتورطين في تغذية الحرب، وقد وصف تقرير جامعة ييل الأمريكية حجم المقتلة بما تم من إبادة في رواندا في العام ١٩٩٤.
الدبلوماسية السودانية في الخارج تنفتح على العالم
في المقابل، نجحت البعثات الدبلوماسية السودانية في الخارج، مدعومة بجاليات فاعلة وناشطين مؤثرين في المهجر، في بناء شبكة ضغط قوية داخل الأوساط السياسية والإعلامية الغربية، تمكّنت من نقل حقيقة ما يجري في السودان إلى الرأي العام الدولي، وفضح الأجندات الخفية التي تسعى لتفكيك الدولة ونهب مواردها تحت شعاراتٍ إنسانيةٍ مضللة.واستغلالها لبعض دول الجوار السوداني والمرتزقة من كولمبيا الي جانب العديد من المنظومات والشبكات الاجرامية في هذا الغزو.
هذه التحركات الرسمية والشعبية، التي بدأت كجهود متناثرة، تحوّلت اليوم إلى حملة تضامنٍ متماسكةٍ أزعجت صانعي القرار في أبوظبي، وطالت صورتها بشكل جدي، وأربكت أدوات نفوذها الإعلامي والمالي التي طالما استخدمتها لتلميع صورتها أو لتزييف الوقائع على الأرض، وانكار هذا الانخراط الاجرامي والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.
من مساحات الإعلام إلى أروقة القانون الدولي
من اللافت أنّ هذه الحملة لم تكتفِ بالتنديد الأخلاقي، بل بدأت تأخذ مساراً قانونياً متقدماً. فقد أعلنت جماعات حقوقية ومحامون مستقلون في أوروبا وأمريكا نيتهم رفع دعاوى أمام محاكم دولية ووطنية، استناداً إلى مبدأ “المسؤولية عن المساعدة في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، وهو ما قد يفتح الباب أمام ملاحقاتٍ قانونيةٍ تطال شخصيات ومؤسسات إماراتية شاركت في تمويل أو تيسير نقل السلاح إلى المليشيات.
كما يجري إعداد ملف وطني متكامل لعرضه على مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والجنائية، يتضمّن الأدلة التي جمعتها منظمات الرصد والرقابة الدولية، استنادا الي تقرير فريق الخبراء التابع للامم المتحدة في العام ٢٠٢٣م . حول تورط الإمارات وشركائها في خرق قرارات حظر السلاح وتغذية النزاع، بما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية. وتنبيه الضمير الدولي الذي يتجاوز الكارثة الإنسانية، ويسعى لهدم الشرعية القائمة للدولة. وتجاهل واقع الضحايا ومعاناتهم، بالقفز الي هدنة تكافيء الجاني وتبقي على الأمر الواقع وتدفعه للمزيد من الانتهاكات. كما تسعى الرباعية عبر الإمارات لفرض معادلة سياسية لاعادة انتاج التمرد واذنابه وإشراكهم في السلطة، وهذا امر غير منظور ويصادم المزاج الجمعي للشعب.
تبدّل المزاج الدولي.. وانكشاف لعبة النفوذ
تأتي هذه التطورات في وقتٍ تشهد فيه الساحة الغربية تحوّلاً في الموقف العام تجاه الحرب في السودان؛ فبعد أشهرٍ من الصمت أو التواطؤ الضمني، بدأت مؤسسات فكرية وإعلامية كبرى تتناول القضية من زاوية “حرب النفوذ”، وليس “صراعاً داخلياً” بتوافر البيانا والسرديات الموثقة. هذا التحول المفهومي أعاد تعريف الأزمة بوصفها نتيجة مباشرة لتدخلات خارجية بمشروع استكباري استيطاني تتزعمه الإمارات عبر شبكة مصالحٍ تمتد من إفريقيا إلى البحر الأحمر، وتهدف لتأمين موارد وموانئ وممرات تجارية تحت ذريعة “الاستثمار والاستقرار”.
السودان يربح معركة السردية والوعي
لقد كسب السودان، بفضل تضحيات شعبه وصمود جيشه وتلاحمهما، (معركة السردية الخماسية للغزو) في مواجهة ماكينة الدعاية التي حاولت تشويه الحقائق. ومع اتساع رقعة التضامن الدولي، باتت الإمارات تجد نفسها في مواجهة حصارٍ سياسيٍ وأخلاقيٍ متزايدٍ، بعد أن كانت تظن أن أموالها قادرة على الابتزاز وشراء الذمم بالصمت والتواطؤ.
اليوم، تتشكل جبهة وعيٍ وطنية ودولية تُعيد الاعتبار للحق السوداني في الدفاع عن سيادته ووحدته، وتطالب بمحاسبة كل من يمدّ آلة الحرب بالوقود أو المال أو الطائرات المسيّرة والإسناد اللوجستي. ومع تراكم الأدلة والشهادات، يبدو أن كلفة هذه المغامرة باتت تتجاوز قدرة أبوظبي على المناورة، وأن ميزان الرأي العام العالمي بدأ يميل لصالح الحقيقة، وهي في تنامي مضطرد ستبلغ غايتها في بسط الحقيقة وكشف المزيد من التآمر بموالاتها ورفدها على كافة المستويات.
الخلاصة
إنّ تصاعد الحملة الوطنية والدولية لتطويق الدور الإماراتي في السودان يمثل نقطة تحوّل مهمة في مسار الحرب ومساعي إنهائها وهزيمتها. فكل إدانةٍ جديدة، وكل تحقيقٍ صحفيٍ أو تقريرٍ حقوقيٍ يُنشر، وتعدد المنصات، والناشطين والمهتمين، من شأنه أن يضيّق الخناق على الجهات المتورطة، ويفتح آفاقاً لعدالةٍ وطنية و دوليةٍ قادمة، يعاد فيها الاعتبار للشعب السوداني الذي دفع أثماناً باهظة بالأرواح والممتلكات بسبب تدخلاتٍ غريبةٍ عن روح المنطقة ومصالح شعوبها، ومواثيق الامم المتحدة والأطر الاقليمية، ومطلوبات علاقات الإخاء والجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان .
————-
٩ نوفمبر ٢٠٢٥ م



