الرواية الأولى

نروي لتعرف

آفاق رقمية / د. محمد عبدالرحيم يسن

حكاياتي مع بيت البرامج(10)

ما قبل الختام
نظام جهاز المغتربين…

د. محمد عبدالرحيم يسن





كان بيت البرامج مصنعا للحلول التي غيرت وجه التقنية في السودان عبر مسيرته الممتدة، وكانت لكل مشروع حكاية وتحد وبصمة ، تحفظ في الذاكرة ، ومن بين تلك التجارب نظام جهاز المغتربين بوصفه واحدا من أهم الانظمة التي احدثت نقلة في المجال التقني .
فالخطوة كان إنتقالا إلى ساحة تتداخل فيها تحديات التقنية مع متطلبات الخدمة العامة، وتتشابك فيها الأنظمة القديمة مع طموحات التحديث. فالجهاز، آنذاك، كان يقف على عتبة التحول من بيئة نصية محدودة الإمكانات إلى منظومة حديثة متكاملة قادرة على خدمة آلاف السودانيين المنتشرين حول العالم. وكانت لحظة إختبار حقيقي لقدرة بيت البرامج على إعادة هندسة واقع قائم، وصياغته من جديد بلغة المستقبل.

فقد كان النظام القديم يعمل على Oracle 6 بنمط نصي لا يدعم الرسوميات، إضافة إلى بيئة تشغيل شبكية تعتمد على Novell. وكان المطلوب من فريق بيت البرامج أن يستوعب هذا الإرث التقني بالكامل، ثم يعيد بناؤه ليعمل على Oracle 7 وبنية Windows NT، وهو انتقال لم يكن سهلا، ولا مألوفا في تلك الفترة.
ومع بدء العمل، ظهرت التحديات الحقيقية، منها التعريب، إذ كانت الأنظمة تعتمد على “المساعد العربي” محدود القدرات، والذي يخلط بين بعض الحروف مثل الميم والنون، ما جعل عملية تهجير البيانات مغامرة دقيقة تتطلب ذكاءا وابتكارا، وبرغم ذلك، نجح الفريق في تجاوز العوائق والتحديات الفنية بابتكار حلول برمجية مكنت من نقل البيانات بسلامة واستقرار.
التحدي لم يكن في التهجير وحده، فالمشروع تطلّب تطوير تطبيقات جديدة بالكامل، لتعمل الانظمة في بيئة قواعد البيانات العلائقية تتكامل فيها نظام تأشيرات الخروج، وأنظمة إدارة شؤون المغتربين، والمعاملات المالية وكانها نظام واحد ، ثم كانت الخطوة الأكثر جرأة، ربط النظام بسفارات السودان حول العالم، وهي مهمة أعادت صياغة طريقة العمل بين المركز والسفارات، ووفرت خدمات لم تكن ممكنة قبل ذلك.
وقد قاد هذا العمل مدير المشروع والمطور الرئيسي المهندس المبدع رامي طاهر، الذي شكل بجهده وروحه القيادية ركيزة أساسية لنجاح المشروع، بمساندة المهندسة نجلاء عزالدين، وأسهم الخبير عبدالرحمن آغا في الجوانب الاستشارية، فيما تولى المهندس محمد الشمباتي جوانب التأمين، وتولى الإشراف العام البروفيسور عوض حاج علي.
ومن جهة جهاز المغتربين، كان الدعم كبيرا من مدير إدارة الحاسب دوليب عثمان، والمهندس عمر، حيث فتحا الأبواب، وذللا العقبات، وجعلا العمل نموذجا للتعاون المؤسسي.
واستمر الفريق في العمل ليلا ونهارا، بلا كلل، حتى اكتمل النظام خلال عام ونصف، ليبقى شاهدا على ما يمكن أن ينجزه الشباب حين تتوفر لهم الثقة والإرادة.
وبقي نظام جهاز المغتربين واحدا من العلامات المضيئة في تاريخ بيت البرامج، ودليلا على أن ما يبنى بإخلاص، يظل حاضرا مهما تغير الزمن، ومهما تبدلت المنصات والأنظمة.

٧ ديسمبر ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!