الرواية الأولى

نروي لتعرف

آفاق رقمية / د. محمد عبدالرحيم يسن

حكاياتي مع بيت البرامج (٨)

أنظمة التأمين… وشركة شيكان نموذجا.

د. محمد عبدالرحيم يسن



لم تكن تحديات بيت البرامج محصورة في بناء الأنظمة المصرفية وحدها، رغم أنها كانت إحدى العلامات الفارقة التي حملت اسم الشركة داخل السودان وخارجه. فذلك البيت لم يكن مجرد شركة تقنية بقدر ما كان منصة أفكار تتجاوز حدود اللحظة، وكانت عقول هندسيه دائما تبحث عن مجالات جديدة تترجم فيها الخبرة المتراكمة إلى حلول راسخة، ومن بين هذه المجالات، برز قطاع التأمين كأحد أكثر القطاعات تعقيدا وحساسية، وأكثرها حاجة إلى التحول الرقمي.
في تلك المرحلة، نشأ حلم جديد داخل بيت البرامج،
“بناء نظام متكامل لإدارة عمليات التأمين وإعادة التأمين بأنواعها المختلفة”.
لم يكن الحلم بسيطا، فأنظمة التأمين تتداخل فيها عناصر متعددة: “تقييم المخاطر، إدارة الوثائق، متابعة الأقساط، معالجة المطالبات، احتساب الاحتياطيات الفنية، وربط الفروع، وتوافق النظام مع اللوائح الرقابية. المطلوب نظام يضبط هذه التفاصيل الدقيقة، من التأمين على العربات والعقارات والمزارع ضد الحريق والحوادث والكوارث، وحتى التأمين الزراعي والتكافل الخاص بالأفراد—الذي يشبه التأمين على الحياة لكنه يقوم على أسس شرعية ومحاسبية أكثر حساسية وتعقيدا.
رغم صعوبة التحدي، تقدم فريق بيت البرامج بثبات وثقة إلى ساحة العمل، وقاد المشروع المهندس عوض الكريم حامد، بقدرته المعروفة على ترتيب التفاصيل المعقدة، ومهارته في قراءة احتياجات المستخدم قبل أن يعبر عنها، وتحت قيادته عملت مجموعة من المطورين الشباب الذين حملوا روح المكان: آسيا عبدالله، يسن إبراهيم، وغيرهم من المبرمجين اللذين صنعوا الفرق في تلك المرحلة.
كانت شركة شيكان للتأمين وإعادة التأمين المحطة الأبرز لهذا المشروع، ليس فقط لضخامة عملياتها، بل لأنها من المؤسسات التي آمنت مبكرا بدور التقنية في تطوير صناعة التأمين. ومع مطلع الألفية الثانية، تم تنفيذ النظام فيها بنجاح، ليصبح واحدا من أهم إنجازات بيت البرامج.
وقد لعب المرحوم عبدالعزيز وديع—مدير فرع الحاسوب بشيكان—دورا محوريا في نجاح التجربة. كان همزة الوصل بين الرؤية الإدارية واحتياجات التشغيل، وبين متطلبات الشركة وإمكانات فريق بيت البرامج. وكان صاحب شخصية هادئة تساعد على تجاوز العقبات، وقد واجه بصبر وتفهم التحديات التي تظهر حين يدخل نظام جديد إلى منظومة قائمة منذ سنوات.
واجه الفريق تحديات عدة من أبرزها، كثرة وتعدد الوثائق، واختلاف النوعية، تباين طرق احتساب الأقساط، الحاجة إلى دمج الأنظمة القديمة مع الجديدة، ومتطلبات التقارير التي لا تنتهي. بل إن طبيعة التأمين نفسها، القائمة على احتمالات غير متوقعة، جعلت من النظام التقني رهانا يحتاج إلى الكثير من الاختبارات. ومع ذلك مضت التجربة، ونجح النظام في إثبات جدواه، واستمر ليشكل ركيزة أساسية في عمليات الشركة وتطورها.
لقد كانت هذه التجربة درسا، في أن النجاح يرتبط بإيمان الفريق برسالته، وكانت إثباتا جديدا لما أثبته بيت البرامج في محطات سابقة:
إن المستحيل يصبح ممكنا عندما تتوفر العزيمة، ويصبح الإنجاز واقعا حين يجد من يؤمن به ويدافع عنه.
هذه الحكاية ليست مجرد توثيق لنجاح تقني، بل شهادة على مرحلة صنعت الكثير، وما زالت تلهم الجيل الجديد بأن المبادرات الوطنية قادرة على صناعة أنظمة عميقة ومؤثرة عندما تتوفر لها البيئة والإرادة والرؤية.

١ ديسمبر ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!