بما أنني لست من المترددين عليها كثيراً ، لذا فإن قولي فيها يعكس حال من رأى عروساً مَجْلُوَّةً ، فطار كالمأخوذ في الآفاق ، يحدث عن زينتها ومفاتنها ، ويتشهي مخبوءها ، بينما يتغاضى عن ما دون ذلك ، من دقائقها وتفاصيلها
و تضاريسها و نقائصها ..
لقد أعجبتني .
و أخافتني .
و لكني سأضع مخاوفي جانبا ، و أنساق مع إعجابي ، فأنا امرؤٌ لا يقوى على اخفاء إعجابه و التجافي عنه ..
وهاأنذا أفعل ..
و ها أنذا أُحَدِّث عن اعجابي و انبهاري ،
و هو حديث الإحساس ، الذي يبثه الوجدان المنفعل بما يرى و يُعايش ..
نَعَم ..
إنك إذ تهبط ( دبي )
تلقاك بألف وجه
و ألف لسان
و ألف جَنان
و جِنان ..
تجد كلَ من فيها ، و ما فيها ، يقوم على خدمتك و راحتك و امتاعك ..
أشياءها
و كائناتها
و طرائقها
و جُموعَ أُناسِها
و سيدَها ( محمدها بن راشدها ) ..
بعد أن غدت قبلة
لا ينفك يحل بساحتها المُلهَمُون
و الموهوبون
و المتميزون
و الحالمون
و السائحون
و المحرومون
و المهاجرون الذين ضاقت بهم أوطانهم ، فتفرد لهم حضنها الدافيء ،
الذي به يلوذون ، فيطعمون من جوع ، و يأمنون من خوف ، و يتخذون في فِجاجِها سبلاً ذليلة ، للعيش الهنيئ ،
و اكتساب المعارف و الصنائع
و المهارات ، و من ثَمَّ اقتناء الدراهم المُفْرِحات المُغِيثات المُلْهِمات ..
و إذا أردت أن تحيط ( بالدنيا )
و تقف على عظمة صنع الله في خلقه من اختلاف الألسُن و الألوان و تباين الأشكال و الأطوال ..
فلا شك أنك واجد ذلك في في ( دبي ) ،
بما لا يخطر على البال ..
فانظر حولك
ثم ارجع البصر كرتين
و تأمَّل
و تدبر ..
و هم يتجاوزن المائتي جنسية ، ترى ( بني آدم ) أشتاتاً ، يتزاحمون في عَرصَاتها كالنحل ، و يسعون كالنمل
و الكل مشغول بخويصة نفسه و ما أوكل إليه من عمل أوقف عليه جهده وهَمَه ..
فأنت في ( دبي ) بين كل أجناس الأرض
أبيضهم و أحمرهم و أصفرهم
و أسودهم و أسمرهم ..
و لكلِ صورة ارتسمت في خيالك ، أشباه لها و نظائر ، فهذا ( نهرو ) ، و ذاك ( جومو كنياتا ) و آخر (كنيدي ) و رابع ( ديغول ) و ( ماو تسي تونغ ) ،
و ( سوكارنو ) ، و ( هيلاسلاسي ) ،
و ( مهاتير محمد ) ، و كذلك كل ما ألِفْتَ من الوجوه العربية الطاغية القسمات المرفوعة الهامات ..
و ما أدراك ما النساء !!
حيث أسراب الكواعب الحِسان ، مما تشتهي الأنفس ، و تلذ الأعين ، و يتراءى في الأحلام ..
بينهن العربيات الجِياد الساحرات
و الأفريقيات الجامحات
و الآسيويات الطاعمات
و الروسيات المثيرات
و الأوربيات الفاتنات
المنقبات منهن و الكاسيات
و السافِرات
و قد اجتمع لهن التأنُّق
و التثَّني و الغَنَج على أصوله ..
و لله في خلقه شؤون وتجليات ..
إن ( دبي ) التي درج أبناؤها في وقت مبكر ، على اسْتِكْناه أسباب الجمال ، بالغوص عميقاً في مياه ( الخليج العربي ) ، لاستخراخ ( اللؤلؤ ) و الاتجار فيه ، قد استحالت اليوم ، هي ذاتها ،( لؤلؤة ) ذات بريق ولمعان و إشراق ..
فأنت فيها ، لا تفتأ تتنقل من آيةٍ إلى آيةٍ ، تفوقها في الروعة والابهار ..
إذ تتعاظم و تشمخ فيها مراكز المال
و الأعمال و البحوث و المعلومات
و الاتصال و الاعلام متوسلةً بأحدث
و آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا ،
لما هو كائن و ما سيكون ، بحول الله
و قدرته .
و تتزاحم فيها بالمناكب العمائرُ الطِباق ، و التي و إن كانت من صنع الإنسان ، إلا أنه مايُّمسِكُهن أن تقع إلا الرحمن .
و الطرقات المغزولة ، التي تتسع و تدور و تتلوى وتعلو وتهبط ، وكأنها مما نتخيل ، مدارات أفلاك عُلْوِية لا مسارات أُناسٍ أرضية .
و الحدائق ذات البهجة و الألوان .
و مراكض الخيول الصَّافِنات الجِياد .
و يتعاظم رِياشُها ونعيمها فيشِيعُ فيها التَرَفُه و رِقَةُ الأحوالِ في الأطعمة
و المشروبات والملابس والمَرْكِبات
و المساكن والفرُش والآنية .
و تصاب بالدوار و أنت تجوب الأسواق ، التي تجبى إليها الثمار و البضائع
و طعام البحر والأنعام ، من كل فج عميق ، و هي تنبئ عن سعة الرزق ، فتحار أيها تقتني ، هذا إن كنت من الميسورين ، أما إن كنت من المُعْسِرين فلا عزاء إلا التعلق ببيض الأماني و امتاع النظر ..
و تجد آخر الصيحات والتقليعات ،
و آخر ما اهتدت إليه العقول من مُسْتَحدَث النُظم والتطبيقات
و التقنيات ..
و باختصار ..
كلٌ خطوة تبدأ من حيث انتهى الآخرون ، لتقترب من منتهى النهايات ..
فهذا هوالأطول في العالم ، و تلك هي الأعلى ، و ذلك هو الأكبر ، و ذلكم هو الأعمق ، و تلكم هي الأوسع ، لتصبح ( دبي ) هي الأعظم والأجمل ، وتأخذ طابعاً مميزاً
لا شرقية ولا غربية
و لكن الشرق كامنٌ في أحشائها والغرب نكهتها وكِساؤها ..
و تجد ..
و تجد ..
و تجد مما يَزْحَمُ خاطرَكَ بالتَّسْآل :
أيّ ( عبقرية ) فذة تلك التي جعلت كل ذلك ميسورًا و ممكناً و مُدْهِشاً !!
و أي سياسة راشدة إنتهجها ذلك العبقري ( الراشد ) فأثمرت هذه المعجزة التي سارت بذكرها الرُكبان !!
و أي سِرٍ انطوت عليه هذه المسيرة الظافرة التي طوعت الظروف القاهرة
و انقادت لها النفوس النافرة !!
إنه الحكم الراشد ..
الحكم الذي يسهر عليه ، و يَكْلَؤُه بغامرِ اخلاصِه ( محمد بن راشد ) ..
حُكمٌ ركائزه العدل و القوة و الأمان ..
إذ ..
(على قدر أهل العزم تأتي العزائم
و على قدر الكرام تأتي المكارم ) ..
و قد كان ..
و هي كينونة استلهمت أفضل ماقام عليه السلطان في غابر الأزمان ..
فقد كان ( الوليد ) يقول لأهل الشام :
( إنما أنا لكم كالظَلِيم الرائح على فِرَاخِه
ينفي عنها القَذَر و يباعد عنها الحَجَر
و يكنُّها من المطر ويحميها من الضِّباب و يحرسها من الذئاب ) .
و ينسب ( لأنُو شَرْوَان ) : ( سُسْ خيار الناس بالمحبة و امزج للعامة الرغبة بالرهبة و سُس سفلة الناس بالإخافة ) .
و هذا ( معاوية ) يقول :
( لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي
و لا أضع سوطي حيث يكفيني لساني
و لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت .
قيل و كيف ذلك ؟ قال : كنت إذا مدوها خلَّيتها و إذا خلَّوها مددتها ) ..
و لما كان لا سلطان إلا برجال ، و لا رجال إلا بمال ، و لا مال إلا بعِمَارة ، و لا عمارة إلا بعدل و حسن سياسة ، فقد نشأت من جماع ذلك ( إمارةٌ ) محكمة البناء منيعة الأرجاء شديدة البهاء ، تعكس عظمة القيادة وتفردها ..
و هذا ماتلمسه في كل ناحية ،
و يستشعره كل ( مواطن ) و ( وافد ) ..
إذن هناك ( قائدٌ ) تجد ظله في كل مكان ، و مهابته ملازمة لكل إنسان ،
و هو إن غاب عنهم يخالونه شاهداً عليهم ، يُحصي حركاتهم و تحركاتهم ، فالمُحْسِن يرجوه و المُسِيء يخافه ..
و هذا لعمري عين الفلاح
و أُسّ النجاح ..
و الفعل القاصد الذي انبرى له ( محمد بن راشد ) ..
و هي سياسة تصدر عن فكر و روِيَّة
و استشارة اهل الشأن ، من ذوي الحيلة والبصر و التجارب ، و الأخذ بأفضل السَنَن والأسباب .
و الذي يأخذ بالأسباب ينقاد له المراد
و تتذلل الصِعاب ..
سياسة قِوامها دفع المَضَار وجلب المنافع ، بحمل الناس على أقوم الأخلاق في السلوك و الأفعال ..
فالوزن بالقِسْطاس المستقيم .
و الحاجات مقضية دون رِشىً أو قُرُبات .
و الناس في أمان حيث أنهم محروسون بجنودٍ من أنفسهم ، و آخرين و إن كانوا لا يرونهم إلا أنهم عن أيمانهم
و شمائلهم راصِدين .
و الحريات مكفولة غير منقوصة ، تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين ، ذلك أن التعدي على حرمات الآخرين عاقبته عاقبة من أفسد في الأرض و سعى في خرابها وبئس العاقبة .
و القوانين مسنونة صارمة لحماية الساعين في معاشهم بابتغاء الرزق
و الاجتهاد في تحصيله ، إذ لا حياة في هذه البقعة لإنسانٍ قاعدٍ عُطُلٍ خامل ،
و هو مايستلزم الحِماية والقِوامة .
و ( القيادة ) قريبة من الناس ، فقد رأى أحدهم رجلاً بين غِمار الناس فقال لصاحبه : ما أشبهه ( بمحمد بن راشد )
فقال له صاحبه : دعني انظر ، لعله هُوَ !! نعم إنه هَوَ ( محمد بن راشد ) ،
و قد أسرع ليراجع أمراً بنفسه ، بلا جَلَبَة و ضوضاء وصولجان ، وهذا دأبُهُ ..
إنه نهج ( قيادة ) يقوم على الرؤية
و التنفيذ والتحفيز و المتابعة و اليقظة
و الحزم و العدل ، و لسان فعلها : ( إني إنما أملك الأجساد لا النيات وأحكم بالعدل لا بالرضى وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر ) ..
و النتيجة هذه ( النهضة ) ، التي جعلت هذا البلد والذي هو فَرْعٌ باذِخٌ من دوحة الدولة الأم ( الإمارات العربية المتحدة ) ، مثار اهتمام الناس و مهوى أفئدتهم ، ليشهدوا منافع لهم ، ويقفوا على عظمة ( التجربة الراشدة ) ، و ما أفاءت به على الإنسانية من( مثالٍ ) ، يظل مَنَاط الأمم و الشعوب ، فوق كل أرضٍ وفي كل حِين ..
و النتيجة أيضاً ، هذا السحر الآسِر ،
و الذي لا أجد له وصفاً أبلغ مما قاله الشاعر العبقري ( التيجاني يوسف بشير ) في معهده الحبيب إلى نفسه :
( السحر فيك و فيك من أسبابه
دَعَة المدل بعبقري شبابه )
و قبل ذلك فإن مايُعْلِي من شأن ( إمارة دبي ) ليس المال و العمران و الرُقي
و أوجه التحضر الطاغية ، و لكنه ذلك الجهد الخالص ، الذي يبتغي نفع الإنسان
و تكريمه ..
و لماكان أحب الخلق إلى الخالق ، أنفعهم لعياله ، فإن الثناء على ( حاكمها ) و ( معاونيه ) و أهليها ، يتجاوز صنيعهم في إعمار ( الإمارة ) ، إلى إحياء الأنفس وحفظ الأرواح وبسط الحياة في الربوع القَصِيِّة من المعمورة ،
فأنت لن تستطيع أن تُحصي عدد أولئك الذين عمِلوا في ( دبي ) ، خلال عمرها المديد ، ممن يمموا وجوههم شطرها ، من مشارق الأرض ومغاربها ، و هي بما أفاضت عليهم من خيراتها ، أثاروا الأرض في بلادهم و عَمَروها بالحرث
و النسل ، فنشأت المشافي والمعاهد والمعابد ، و شمخت الأبنية ،
و طعم و اكتسى ذوو البأساء و الأيتام
و الأرامل ، و عم الفرح و السرور والليالي المِلاح دياراً كانت تشكو الإملاق و سوء الأوضاع ، و ساد من كان وضيعاً كَلاً على أهله فأصبح يُفاخِر في أكل الطيِّب ولبس الأنيق و ركوب الفارِه والفارهةَ ،
و كان أن انقلبت حياةُ أقوامٍ من حال إلى حال ، بعد أن كان ذلك من المحال ..
هذا ما عنَّ لي مما يمور به خاطري
و هو قليلٌ قليل
من كثيرٍ كثير ..
و لكن ..
كل من أراد أن يقف على سر هذا السَبْق و التحليق عالياً ، فدونه ..
( رؤيتي .. التحديات في في سباق التميز ) ، و هو ( الكتاب ) الذي سكب فيه ( محمد بن راشد آل مكتوم ) ، عصارة فكرته وخلاصة رؤيته و ذوب تجربته ، وهو يتكئ على ميراثٍ تليدٍ من مجد الآباء و سطوعهم ، و ما غرسوه في نفوس الأبناء من سعي نحو المعالي ، لايفتر و لا يلين ..
و ( الكتاب ) مُبْتَدَرٌ بحكمة مانعة جامعة ومُلهِمَة و مُحفِزة ، وهي أنه ..
( مع إطلالة كل صباحٍ في أفريقيا يستيقظ الغزال مُدْرِكاً أن عليه أن يسابق أسرع الأسود عدْواً و إلا كان مصيره الهلاك .
و مع إطلالة كل صباح يستيقظ الأسد مُدْرِكاً أن عليه أن يعدو أسرع مِن أبطأ غزال و إلا أهلكه الجوع .
لا يهم إن كنت أسداً أو غزالاً فمع إشراقة كل صباح يتعين عليك أن تعدو أسرع من غيرك حتى تحقق النجاح ) ..
ذلك النجاح الذي يدفع بك من الخلف إلى الطليعة ، و الذي به تتحقق الريادة ، انطلاقاً من الأفكار العظيمة ، القادرة على صناعة المشاريع العظيمة ، بروح ( الفريق الواحد ) ..
النجاح الذي من خلاله تتجلى ( الروح القيادية ) ، تلك الروح التي تجعل القائد ( يغتنم الفرصة الكبيرة عندما يراها ،
و إن لم تكن هذه الفرصة قائمة فعليه أن يكون مستعداً لصنعها ) ..
و يمضي بك ( الكتاب ) صعوداً في مراقي حشد الطاقات و توظيفها ، من أجل الابتكار و الابداع و الاتقان المفضي إلى التميز ، الذي به تتحقق الريادة
و احتلال المركز ( الأول ) ..
المركز ( الأول ) و ليس ( الثاني ) ..
و عندها توقن أن الانجازات العظيمة لا تأتي من فراغ ، و ليست وليدة الصدفة ، و لكنها ثمرة أفكار عظيمة و جهود عظيمة ، يبذلها رجال نُبلاء أشداء عظماء ، فتؤتي أُكُلها كل حين بإذن ربها ..
و هذا ( الكتاب ) الذي أوصي بقراءته ، لما يضخه في النفوس من ( طاقات ايجابية ) ، فقد تمنيت أن لو وقَفْتُ عليه ( أبْدَر ) ، إذ أنه كسائر الأشياء الجميلة التي أخذت تَتَقَاطرُ عليَّ و أنا في ( خريف العمر ) ..
و ( أبْدَر ) هذه لم أصادف لها توظيفاً يُضاهي ما ذهب إليه شاعرنا ( كامل عبدالماجد ) :
( هسه فيكِ انا شِن أَسَوْ
ياسلام لو جيتي أبدر
و هل تفيد بالله لَوْ
ياتُو غيماً نازلة منو
و ياتو مخمل وياتو جَوْ
و الكواكب أيه لِزومه
و انتِ مَاليَّه الدنيا ضَوْ ) ..
و لله الأمر من قبل ومن بعد ..
فياااا أهل دبي
و ياااا قاطنيها ..
خذوا ما أخذتم بحق ، و اتركوا ماتركتم بحق ، و ابذلوا الحمد فإن مثل هذه النعم تستوجب الحمد ، و هو العاصم من أن تزول ، فاحمدوا الله كثيراً
و اشكروه بكرة و أصيلا ..
و السلام عليكم ..
• أم درمان ١١/١١ / ٢٠٢١