✍د.إدريس لميان
( أن هيبة الدولة التى نُنشدها جميعاً لايمكن أن تقوم وترسخ إلاَّ فى ظل فاعلية القانون القادرة على توفير العدالة بوثوق وجرأة .. فلا بد لدولة القانون أن تكون حازمة فى مواجهة كُل من يتجاوز قواعدها المُنظِمة لعملها ، وكل من يتجاوز الخطوط الحمراء المتعلقة بأمان وإستقرار وحياة الناس .. وإلاَّ سيكون حريقاً فى حطبٍ لا يزال مُبَّللاً لكنه قابل للإشتعال )
هذا ما إختتمت به إحدى مقالاتى قبل عدة أشهر مناشداً عقلاء بلادى للكتابة الصادقة على صفحات واقعنا البائس والرسم بالكلمات على جدرانه المُتَصدِّعة حتى لاتتسبب التصرفات الطائشة من أشخاصٍ طائشين إلى رحيل وطنٍ أو رحيل بنيه عنه أيَّما الأجلين أقرب ..!! وما يحدث هذه الأيام من إعتداءاتٍ متكررة على أقسام الشرطة وإستهدافها بالحرق والتدمير نقطة سوداء فى جبين المجتمع السودانى ، فهذه المؤسسة ليست نبتاً عشوائياً ولا هى مُنبتَّة بل تأريخٌ طويل من الأداء المهنى الرفيع ، ولن تتخلى عن دورها الريادي وتصديها لكل مايمس أمن وسلامة الوطن ، ولاتزال حريصة على الخير للناس .. إلاَّ أن منطق الحق والعدل ومنطق الفطرة السليمة اللذان يأبيان الظلم والإعتساف يقولا أن التكليف بالواجبات بالقانون يقتضى أداءًا للحقوق بالقانون أيضاً ، فقد ظلَّت الشرطة لسنواتٍ طويلة من تأريخها المجيد تتحمل أخطاء الآخرين وتواجه الأزمات التى تنجم عنها وتمارس فضيلة ضبط النفس وتقوم بأداء رسالتها بموجب القانون بما يحفظ للمجتمع حقوقه الأساسية ويُلبِّى إحتياجاته الضرورية ، إلاَّ أن ما يحدث من تحدٍّ سافرٍ وإساءات بالغة وجرأة غير معهودة فى غيرِ ما جريرةٍ أو تقصير إن لم يجد تدخلاً من الدولة ومن المجتمع على السواء فسيكون ذلك سبباً فى الزهد فى العمل بها والإنتماء إليها وهم الذين يَحسِبونَ أيَّام الشهر ( كالمعتّدة فى عِدتَّها ) ينتظرون سراباً يَحسَبونَه ماء ( هيِّة ) .. !!وسيكون ثمن ذلك باهظاً على الجميع فى المستقبل القريب ، وإذا كانت حقوق المتظاهرين بطرق سلمية لها قُدسية وكفلتها العهود والمواثيق الدولية والقوانين الوطنية ، إلاَّ أن الإعتداء على أقسام الشرطة يورثُ إضطراباً أمنياً يُنشِئُ حقاً الدولة بمعاقبة المُعتدين والمساس بحقوقهم الشخصية حمايةً لحقٍّ أجدر وهو حماية الدولة وإستقرارها ، حتى لاتفقد أهم حلقات هيبتها على مذبح الحريَّات التى أُسئ فهمها ..
ولكل ذلك نُعيد ندائنا لحملة الأقلام الصادقة وقادة الرأى والفكر ليقودوا مبادرة وطنية عنوانها : ( من أجل الوطن ) .. فالوطن وأمنه فوق كل إعتبار ، وهو وطن الجميع وأمنه مسئولية الجميع .