توقعات بنتائج متواضعة للقمة الأوروبية الأفريقية السادسة التي تبدأ غدا .. السودان غائب رغم مشاركة حكومة البشير في آخر قمة بوفد برئاسة بكري !!
كتب المحرر الدبلوماسي:
تنطلق غدا، ولمدة يومين، في العاصمة البلجيكية “بروكسل” القمة الأوروبية الأفريقية السادسة بمشاركة معظم القادة الأفارقة و الأوروبيين. وتهدف القمة التي تأخر انعقادها لعامين تقريبا بسبب وباء كورونا، لإقرار حزمة استثمارات أوروبية أفريقية طموحة لتحقيق الرفاهية المشتركة للقارتين. وتناقش قضايا تمويل التنمية، دعم الزراعة ودور القطاع الخاص والتكامل الاقتصادي، وقضايا الأمن والسلام والحكم الرشيد ومسائل الصحة واللقاحات والتعليم والهجرة.
ومن أبرز الغائبين من الزعماء الأفارقة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والعاهل المغربي محمد السادس، حيث يشارك البلدان على مستوى وزيري خارجيتها. بينما لن تشارك الدول التي جمدت عضويتها في الاتحاد الأفريقي؛ السودان، مالي، بوركينا فاسو وغينيا.
وتترأس فرنسا حاليا الإتحاد الأوروبي بينما تترأس السنغال الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي.
و في رأي كثيرين فإن القمة لا تنعقد في أفضل ظروف فيما يخص العلاقات الأوروبية الأفريقية. فعلاقات فرنسا، التي قدمت الدعوات للقمة، بعدد من الدول الأفريقية تشهد حاليا أزمات متنوعة. فعلاوة على طرد مالي للسفير الفرنسي في الأسابيع الأخيرة بسبب ما اعتبرته تدخلا منه في شؤونها الداخلية، فإن علاقات باريس بكل من الجزائر والرباط شهدت توترا شديدا في الفترة الأخيرة. وأثارت تصريحات ماكرون التي زعم فيها أنه لم تكن هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي غضبا شعبيا ورسميا عارما في الجزائر، سحب على إثره السفير الجزائري لبعض الوقت، واضطر الرئيس ماكرون للاتصال بالرئيس تبون لاحتواء الأمر ودعوة الأخير للقمة. وترفض فرنسا باستمرار الاعتذار عن جرائمها في الجزائر إبان استعمارها لها. وبالنسبة للمغرب فقد تسببت اتهامات صحيفة لي موند لأجهزة مخابراتها بالتجسس على المسؤولين الفرنسيين بمن فيهم الرئيس ماكرون، توترا في علاقات البلدين، خاصة بعد رفض النيابة العامة الفرنسية مقاضاة المغرب للصحيفة بسبب هذه المزاعم والتي ترفضها الرباط بشدة. كما أن مشاركة “الجمهورية الصحراوية” – العضو في الاتحاد الأفريقي-سبب آخر لعدم حضور الملك محمد السادس للقمة.
كما أن الانقلابات التي شهدتها بعض الدول الفرانكفونية في غرب أفريقيا، والتي كان من بين أسبابها تراجع المشاركة الفرنسية في جهود محاربة المجموعات الإرهابية المسلحة، هناك، يسهم في تراجع علاقات فرنسا الأفريقية. إلى جانب ذلك فإن فرنسا كان لها دور سلبي في الأزمة الليبية، بانحيازها الصارخ لأحد طرفي الأزمة، ومحاولة توظيف ذلك في نزاع شرق المتوسط بين اليونان وقبرص، ومصر لحد ما، من ناحية، وتركيا من الناحية الأخرى، وتدعم فرنسا والاتحاد الأوروبي اليونان وحلفائها في هذا النزاع.
أما بالنسبة للعلاقات الأفريقية الأوروبية في مجملها، فإنها ليست في أفضل حالاتها. فهناك استياء كبير وسط الأفارقة من طريقة تعامل أوربا مع أفريقيا خلال أزمة كورونا، لأن أفريقيا تلقت 2%”من الجرعات المنتجة على مستوى العالم، بينما كانت الدول الأوربية تكدس كميات لا تحتاج لها من اللحاقات حتى بعد أن تلقى معظم مواطنيها الجرعات اللازمة. إلى جانب رفض الشركات الأوروبية المنتجة للحاقات التنازل عن حقوقها في الملكية الفكرية مؤقتا كي تتمكن الدول الفقيرة من إنتاجها بتكلفة أقل من أوروبا. وقد وصف الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا هذا المسلك بأنه تمييز عنصري، وان حياة الأفارقة لا تعني شيئا للاوربيين.
وكانت هناك تقارير أن رؤساء جنوب أفريقيا، ونيجيريا، وكينيا لن يشاركوا في القمة احتجاجا على ذلك الموقف. لكن يبدو أن جهودا دبلوماسية كبيرة قد بذلت لإقناعهم بالمشاركة، ومع هذا يتوقع أن تحتل هذه المسألة جزءا كبيرا من النقاشات، وأن ينتقد القادة الأفارقة تخلي أوروبا عن إفريقيا خلال الأزمة.
من ناحية ثانية فإن أوروبا تنظر بقلق لتنامي نفوذ الصين وروسيا في أفريقيا. إذا صارت الصين الشريك التنموي والإقتصادي الأكبر للعديد من الدول الأفريقية. كما أن التعاون الأمني والعسكري بين روسيا وعدد من الدول الأفريقية يضطرد بانتظام. وتثبت كل من الصين وروسيا كل يوم أنهما شريكين يعتمد عليهما في التنمية والأمن وفي المحافل الدولية.
كما سبقت الإشارة فان السودان لن يشارك في القمة بسبب تجميد أنشطته في الإتحاد الأفريقي بقرار من مجلس السلم والأمن بالاتحاد. ويذكر أن السودان في ظل نظام الإنقاذ الوطني شارك في القمة الأوروبية الأفريقية الخامسة بساحل العاج في نوفمبر 2017، حيث ترأس الفريق أول بكرى حسن صالح الوفد المشارك. والمفارقة الكبرى ألا يكون مشاركا في القمة بعد ثورة ديسمبر التي احتفى بها كل العام ووجدت إشادة كبيرة من الإتحاد الأوروبي.
وفي مؤشر لازدواجية المقاييس فإن الدعوة قدمت لرئيس المجلس العسكري المؤقت في تشاد محمد إدريس ديبي، ووصل فعلا ببروكسل، رغم أن دستور تشاد ينص على أن يتولى رئيس البرلمان الرئاسة مؤقتا في حالة فراغ منصب رئيس الجمهورية، لحين انتخاب رئيس جديد. وبالمقابل كان من الممكن تقديم الدعوة للفريق أول عبد الفتاح البرهان بصفته رئيس مجلس السيادة الذي تشكل بموجب الوثيقة الدستورية الموقعة في 17 أغسطس 2019 بوساطة الاتحاد الأفريقي ودعم واعتراف المجتمع الدولي بأسره.
لكل هذه الأسباب لا يتوقع ان تكون لها نتائج حقيقية لن تزيد على أن تكون محفلا للعلاقات العامة الدولية.