طبعا ابيض واسود .. والإرسال القومي يبدأ بعد صلاة المغرب ..
والدخول بقروش لا اذكر المبلغ بالظبط لان الأرقام الان أصبحت فلكية .. والقرش ليست له قيمة او طعم او رائحة اقتصادية .. لذا انسي موضوع رسوم الدخول وعددها ..
.. ولكن اظنها ثلاث قروش للكبار وقرش للصغار … ولكن من هم الصغار ومعيار تحديدهم .. كان مثار جدل ولغط وربما اشتباك يومي امام بوابة النادي …
لجنة النادي بها فطاحلة القرية حينها .. وعلي رأسها الاستاذ الجليل المرحوم النذير الحاج يوسف ( مدير المرحلة المتوسطة ) وحاتم يعقوب ( مفتش زراعي ) والمرحوم سعد رحمة الله ( مزارع نشط جدا ) وغيرهم من الآباء الإجلاء .. والاخير يستحق وسام الانجاز الزارعي والحيواني من وزير الزارعة ووزير الثروة الحيوانية .. ان وجد الوسام بهذا المسمي كما في دولة فرنسا وبها جائزة ووسام وقدرها مليون فرنك فرنساوي يسلمها رئيس الجمهورية لانشط مزارع ومربي ابقار ..ومثلها في كوريا الجنوبية وحضرت توسيم مزارع كوري بهذا الوسام في حفل بهيج يحضره رئيس الوزارء ومشاركة السفراء …
وأخيراً اللجنة الموقرة نجحت في استجلاب مولد كهربائي يعمل بالبنزين للنادي …وقد كان حدثا اشبه بالمعجزة وصعود أهل القرية الي القمر كما فعلت روسيا وبطلها جورجي قاقارين والذي كان نجم زمانه علي مستوي العالم … و سمي عليه لاعب الكرة السوداني الأشهر في تاريخ الكرة السودانية السفير علي قاقرين .. .. .. والمولد الكهربائي أشبه بالمعجزة لانه تحقق بعد جولات ماكوكية بين القرية والمسلمية والحصاحيصا .. وبعضها لودمدني .. ومشاورات ماراثونية داخل اروقة القرية .. منها لتنفيذ الفكرة وأغلبها لجمع التبرعات والاشتراكات .. والمدهش لكم الان وليست في ذلك الزمان .. انه تم ارسال فريق فني مكوّن من العم حاتم يعقوب ومعه المرحوم عبدالسلام حاج احمد وبشير بابكر الي الحصاحيصا لتلقي دورة تدريبية لتشغيل المولد الكهربائي .. وبعد إحضاره ممنوع الاقتراب منه او تشغيله الا بواسطة الاثنين المتدربين علي ذلك .. الم اقل لكم انه امر مدهش ولكن حينها … كل القرية انتظرت عودة الاثنين من الدورة التدريبية والتي استمرت أسبوعاً كاملاً … والتدريب كان في الحصاحيصا وليست ماليزيا او ألمانيا … انه مدهش فعلاً .. ولكن كل اهل قريتنا كانوا في شوق وحبور .. وليست اندهاش .. وفي انتظار عودتهم بالسلامة ..
وتحقق الحلم باكتمال زينة النادي .. تلفزيون ..وكهرباء .. وميدان صغير للطائرة .. وطاولة للكوتشينة وطاولة للضمنة .. وبوفيه صغير للشاي الحليب والسادة والقهوة والزلابية ..
وستات الشاي والفول المدمس استفادوا من هذا الحدث التاريخي ايما استفادة ..
وإذا هذا الحدث الثقافي والتاريخي أصبحنا نحن الصبيان حينها كل يوم ومن قبل العصر نتهيأ ونحرص علي إنجاز المهام اليومية بسرعة خيالية .. والمهام أصعبها وأجلها مكانة .. هي أهمية احضار القش ( العلف ) للبقر … وإذا كنت محظوظا ان تعفي من حضور حليب البقر لانها مهمة حتما ستفقدك الحضور المبكر للنادي …
لا تتخيل ان الدخول لهذا النادي بالمهمة السهلة البسيطة .. لا وكلا مغلظة بقدر غلظة أوامر جدي او حبوبتي ( رقية ) تجاه مهام ضرورية أولها امر الحواشة وما ادراك ما الحواشة .. الحرص علي إنجاز سير المياه بها بصورة طبيعية …الجداول وكل امور وتفاصيل الزراعة من رمي البذور الي النظافة ورش السماد الي الحصاد .. والامر المقدس الثاني في البيت هو أهمية حسم وانجاز مهام البقر …من انتظارها بعد العودة من السرحة مع راعي البقر والاطمئنان عليها عداً وعدداً هي وعجولها قد دخلت جميعاً الزريبة .. وأما مهمة حلب البقر فهي أكثرها ازعاجاً رغم بساطتها .. والسبب لانها تتعارض مع بداية فتح بوابة النادي لمشاهدة التلفزيون وهي وفق الحظ وسرعة الانتهاء منها … كذلك امر الحمارة في البيت لانها وسيلة المواصلات الاستراتيجية .. التأكد من عليقتها والتي تتكون من العلف بالاضافة لملوة عيش مضاف اليها سبعة بصلات .. البصلات لزوم طرد ( الريح ) بكسر الراء او نزلة البرد .. وهي حتما لازم تكون سبعة بصلات لزوم البركة لان جدي مؤمن بالارقام المقدسة السبعة ، والثلاثة ، والواحد ، وهذه مسلمات عقدية وإيمانية .. تدخل في كل تفاصيل اليوم والساعة .. بحكم تدينه الصارم وحفظه للقران وتوخيه للتبع المفاهيم الاسلامية حتي في تفاصيل اليوم .. اذكر انه كان يذجرنا عندما نخلط البصل مع الشطة والليمون عند الاكل .. فيقول لنا هذه خلطة ( السكاري ) … وبعد ان كبرت علمت انه كان مولع بتعاليم الثورة المهدية خاصة وان لديه أبناء من زوجته الثانية اسماهم الهادي والصادق … رغم ان منطقتنا مشهورة في الجزيرة بالتوجه نحو حزب الاتحادي الديمقراطي … المنافس التقليدي لحزب أنصار الامام المهدي …وطريقة اهلنا الصوفية في المنطقة هي السجادة العركية في طيبة الشيخ عبدالباقي ومنها الشيخ حمدالنيل والذي توفي معارضًا في سجون عبدالله التعايشي ..
ومثل كل يوم كنا حينها ننتظر خارج سُوَر النادي قبل ساعة من فتح باب حوش النادي والذي كان مسورا بالسلك الشائك والشوك وبعض أشجار الكتر ..
كل ذلك وقصص طفولة والصبا تذكرتها وانا احث ابني هذه الأيام علي ضرورة العودة الي مشاهدة التلفاز بدلًا من التركيز والتحول الكلي جسداً وعقلًا نحو الموبايل.. رغم اننا وقبل ظهور الموبايلات كنا نذجره عندما يطيل الجلوس امام التلفاز …سبحان مغير الاحوال وجعل تلفاز قريتنا محبوباً.. رغم انه ابيض باسود …
وفي استطلاع عشوائي لعدد من الشباب هذه الأيام.. بسؤال:-
ماهي اخر مرة شاهدت او جلست أمام التلفاز واقرب إجابة كانت قبل شهر .. وكلهم استغني عنه بالموبايل .. والذي اضحي المغذي الثقافي والاخباري الاول والاسهل لهذا الجيل التعيس ..
ولك ان تتخيل كمية المتعة ونسبة السعادة والتفاصيل في تلفزيون قريتنا موديل ١٩٧٦ وابيض واسود كمان..وتلفون آيفون او سامسونق او هواوي موديل ٢٠٢٢ …وتحت المخدة مع السهر القاتل وزحمة وكثافة معلومات وتحليلات من خارج وداخل الفضاء الاسفيري تجنن بوبي .. وتربطه مع مساجين كوبر بجرائم العصر النفسية .
الموبايل اصبح مهدد حقيقي لكل المجتمعات بقدر ما هو انجاز عصري الا انه لا عن اسلحة الدمار الشامل… وبسببه اصبحت صناعة التلفزيونات مهددة بالانقراض واما الصحف الورقية فقد اوشكت علي الدخول الي ارفف المتاحف الحضارية..
الموبايل أصبح مهدداً للحكومات …تخيل معي لو اصبحت زعيم معارضة مثل الصادق المهدي او الترابي او عبدالخالق الشيوعي والاخير يعشق العمل السري كمان .. قارن نفسك مع هؤلاء في الستينيات او حتي منتصف التسعينيات كم من الجهد والتعب والعنت الذي تبذله لإصدار بيان معارض للحكومة …
احذروا الموبايلات لانها دمرت الزرع والضرع ونسي شبابنا الزراعة والرعي واصبح كل همهم متابعة اللايكات واللايفات … وأرجعوا للتلفزيونات …وياحبذا الراديوهات..