تقرير: محمد جمال قندول
لكل مقام مقال، أبلغ وصف إذا أردت أن تتبع قراءة وتفكيك أي خطاب لرئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، فالرجل حينما يطل ببزته العسكرية بين جنوده تبدو رسائله مباشرة على غرار خطاباته الرسمية ولقاءاته مع الإدارات الأهلية ورموز المجتمع والسفراء.
وأمس أطل قائد عام الجيش مخاطباً محفلاً عسكرياً بمدينة الدمازين حاضرة النيل الأزرق، وهو يشرف ختام فعاليات مهرجان الرماية السنوي للقوات المسلحة السودانية، مستعرضاً جملةً من قضايا الراهن وباعثاً رسائل مهمة في بريد القوى السياسية.
وخلال حديثه وجه رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رسالة للسياسيين بالابتعاد عن الجيش وتركه وشأنه، مطالباً إياهم بالاهتمام بأحزابهم وترتيب صفوفهم بدلاً من ذلك، وأضاف أن الاتفاق الإطاري سيخرج البلاد من أزمتها السياسية متمنياً أن يوحد الإطاري شمل السودان، كما أشار البرهان إلى أن السودان لن يسمح لأية جهة بفرض وصاية عليه وإنما يفعل بإرادته، وقال: (لا أحد يستطيع فرض أي شيء علينا ولا سفارة ولا شيطان رجيم وما نريده نفعله بإرداتنا)، واعتبر البرهان أن الفترة الانتقالية في السودان لديها فرصة لو ضاعت لا يمكن ترتيب الصفوف بعدها.
وأكد قائد عام الجيش أنهم لن يسمحوا بتكرار أحداث العنف القبلي في النيل الأزرق التي خلفت مئات القتلى، ووصف ما حدث بأنه (سحابة صيف عابرة)، وكرر الفريق أول ركن عبد الفتاح أن القوات المسلحة ستعمل على دعم التحول الديمقراطي وستكون تحت القيادة المدنية وذلك عندما تتحقق الظروف المناسبة، وأضاف قائلاً: (نريد قوات مسلحة خالية من الإخوان المسلمين واليساريين وداعمة للديمقراطية). وهناك جزئية مهمة تطرق لها قائد عام الجيش حينما أشار إلى أن القوات المسلحة لم تجند مرتزقة للقتال بأية دولة ولن تفعل ذلك.
رسائل مغلفة
وهذه ليست المرة الأولى التي يوجه فيه الجنرال رسائله المغلفة بالتحذيرات لمكونات سياسية في إشارته إلى رغبتهم في جيش قومي خالٍ من الاسلاميين واليساريين، حيث سبق أن طالب بذلك خلال خطاب له بقاعدة (حطاب) العسكرية في نوفمبر الماضي.
كما يبدو أن رئيس مجلس السيادة عازم على المضي قدماً في العملية السياسية ودفعها للإمام، بإشارته الواضحة الى أن الاتفاق الإطاري سيكون مخرجاً للبلاد من أزمتها، وبغض النظر عن كيفية الدفع بالحل السياسي الجاري والمجابهة بتعقيدات عديدة أبرزها تيار الرافضين، فإن الرجل الأول في الدولة عازم على عدم تغيير الإطاري بحلول أخرى، وما يعزز فرضية أن الجنرال يعمل على توسعته بإضافة قادمين جدد، أن هنالك تسريبات انتشرت الأسبوع الماضي عن توسط البرهان بين شقي الحرية والتغيير (المركزي ــ الكتلة).
منصة الانطلاق
ويذهب الخبير والمحلل السياسي د. الرشيد محمد إبراهيم إلى أن رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان يستخدم منهج إدارة التناقضات بين القوى السياسية ولها إيجابيات وسلبيات، مشيراً إلى أن الرجل وجه بعض الردود والإشارات للدعم السريع، خاصةً في جزئية حديث قائده حميدتي في دارفور الأسبوع الماضي، حينما اعترف دقلو بتدخل السفارات بجانب حديثه عن أحداث إفريقيا الوسطي، وهي استجابة من البرهان للرأي العام السوداني والداخلي بالجيش.
ويواصل الخبير والمحلل السياسي د. الرشيد قائلاً ان حديث البرهان كان الهدف منه تطمين جنوده إلى أنه لا مساس بوحدة القوات المسلحة، وأن الفترة الانتقالية ستكون محصنة من أي تدخل مدني في حديثه عن ضرورة تركيز السياسيين على أحزابهم وعدم التدخل في شؤون الجيش (لا يمين ولا يسار).
وبحسب محدثي فإن هنالك فرقاً كبيراً بين مفهوم البرهان للعملية السياسية الحالية ونظرة القوى المدنية، حيث أنه يدعم التحول الديمقراطي ولكن وفق شروطه.
ويشير د. الرشيد إلى أن احاديث البرهان في المحافل العسكرية ظلت تتسم بالصراحة والخطاب المباشر مقارنةً بإطلالاته الرسمية كرئيس مجلس السيادة، وذلك من واقع أن الرجل حينما يتحدث في مناسبة عسكرية يوجه رسائله من منصة انطلاقه ومصدر قوته.
مركب الاطاري
ولكن مراقبين اعتبروا أن حديث البرهان لم يحمل جديداً سوى إشارته الواضحة الى عزمه على قيادة مركب الاتفاق الإطاري رغم الأمواج التي تقابله في بحر البحث عن حل سياسي، واعتبروا أن إطلالاته في المحافل العسكرية وحديثه عن الشأن السياسي يدخل في إطار تطمين جنوده، خاصةً في ظل الحديث عن أوجه أمنية وترتيبات دمج وخلافه كما هو وارد في القضايا الخمس مثار النقاش.
ولكن بعض الأصوات تذهب إلى أن الجنرال مازال يتعامل بمبدأ الظهور حين الحاجة، بمعنى كلما كثر الحديث والتفاعل حول طرح ما سواء بالرفض أو القبول يطل البرهان ليبعث رسائل محددة، وأشاروا إلى أن حديثه بالأمس كان بمثابة تجديد التحذيرات لقوى سياسية يرى الرجل أنها تحتمي بالجيش، حيث حددها صراحةً بالاشارة إلى الاسلاميين واليساريين.