
بقلم: د. أمجد عمر محمد
إنّ الحياة لا تستقيم إلا بتكامل الأدوار وتوازن المسؤوليات، وقد خلق الله سبحانه وتعالى الرجل والمرأة بطباع وقدرات متمايزة، لا لتكون سببًا في التنازع أو التنافس، بل لتكون مصدرًا للتكامل والتعاون. فلكلٍّ منهما وظائف وأدوار يؤهله لها تكوينه الفطري والعقلي والنفسي، فإذا اضطرب هذا التوازن اختلّت بنية الأسرة واهتزّ استقرار المجتمع.
الرجل بطبعه يميل إلى الحسم والمنطق والتخطيط واتخاذ القرار بعيدًا عن العاطفة، وهو ما يجعل قيادته في بعض المواقف أكثر اتزانًا ووضوحًا، خاصة حين تقتضي الأمور المفاضلة بين خيارات متعددة، أو حين تكون القرارات مصيرية وتتطلب تركيزًا على المصلحة العامة. وقد جعل الله القِوامة للرجل في بيته، تكليفًا لا تشريفًا، إذ قال تعالى: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” [النساء: 34]، فهذه القوامة تعني القيام على شؤون الأسرة بالرعاية والحماية والإنفاق والقرار الحكيم، وهي مسؤولية عظيمة تتطلب الحزم والقيادة المتوازنة.
في المقابل، فإن للمرأة طبيعة فطرية تميل إلى الحنان والعاطفة والرعاية، وهي خصائص تجعلها أكثر قدرة على إدارة البيت الداخلي برقة ودفء وعطاء، مما يزرع في نفوس الأبناء الطمأنينة، ويمنح الزوج السكينة، ويُشيع جوًّا من الرحمة والمودة في البيت. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة” [رواه مسلم]، فصلاح المرأة في بيتها ركيزة أساسية لاستقرار الأسرة. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بالنساء خيرًا، وبيّن أهمية حسن العشرة معهن، وهو ما يعكس القيمة الكبرى لدور المرأة في الحياة الزوجية والأسرية.
ومن صور التكامل أن المرأة لا تُقصى عن أدوار عامة خارج البيت إذا اقتضت الضرورة أو الحاجة، لكن الأصل أن يُراعى التوازن، فلا تطغى المسؤوليات الخارجية على دورها في بناء الأجيال. كذلك، إذا غاب الرجل لظرف ما، فإن قيادة المرأة لأسرتها تصبح ضرورة تُفرضها المرحلة، وقد رأينا في التاريخ الإسلامي نساءً قمن بأدوار عظيمة في تسيير بيوتهن وتربية أبنائهن على العلم والجهاد والخلق الكريم.
ومن المؤسف أن هناك من يسعى – عن قصد أو غير قصد – إلى خلق ارتباك في توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة، إما عبر بث مفاهيم مغلوطة عن المساواة بمعناها السطحي، أو بمحاولة طمس الفروقات الفطرية بين الجنسين، وهذا لا يؤدي إلا إلى تفكيك الأسرة، وهي الوحدة الأساسية في بناء المجتمع. فحين يُشوَّه دور الرجل، وتُزاح المرأة عن طبيعتها، تُفقد الأسرة توازنها، ويبدأ الانهيار من الداخل.
إذن، ليست المسألة صراعًا بين من يقود ومن يُقاد، بل هي توزيع إلهي للأدوار، يُبنى على طبيعة كل طرف وقدراته، ولا يُفهم من هذا الانتقاص من طرف على حساب الآخر، وإنما هو عين العدل والحكمة. فغياب أحد الطرفين أو تداخُل الأدوار بشكل غير متوازن يُحدث خللاً في بنية الأسرة والمجتمع، تمامًا كما يختلّ جسد الإنسان إذا فقد أحد أعضائه وظائفه الأصلية.
إن تكامل الرجل والمرأة هو أساس نجاح الأسرة وسعادتها، وإذا أحسن كل طرف فهم دوره وقام به على الوجه الذي يرضي الله، فإن النتيجة ستكون بيتًا مستقرًا، وأبناءً أسوياء، ومجتمعًا قويًا متماسكًا. وختامًا، نتذكر قول الله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” [الروم: 21]، فالسكينة والمودة والرحمة لا تُبنى إلا حين يعرف كلٌّ منا دوره، ويؤديه بحق وعدل وتوازن.