عادل الباز
1
أثارت جولات حميدتي تساؤلات حول الأهداف التي يسعى إليها المتمردون من خلال تلك الجولات.لقراءة ما بعد مشهد الجولات، قبل ذلك دعونا نجيب على تساؤل ذي صلة بتلك الجولات وهو لماذا ظهر حميدتي.؟
2
خرج المتمرد حميدتي بعد أن تعاظمت جرائم قواته في طول البلاد وعرضها وأصبحت عصابات منفلته تقتل وتنهب وتغتصب، بعد أن كانت قوات محترمة معترف بها من الدولة ولها قانون. روجت دوائر متعددة أن خروجه محاولة للسيطرة على تلك القوات المنفلتة والتي استجلابها آل دقلو من مرتزقة غرب أفريقيا ولكن حميدتي حين طالبه القحاتيون فى لقاء بهم في أديس أبابا بالسيطرة على تلك القوات ولتتوقف عن ما تفعله بأهلهم في الجزيرة قال لهم إنه لا يستطيع أن يوقفهم الآن هؤلاء ليس جزءا أصيلاً من قواته إنما (كسابة)، والكسابة عصابات معروفة بغرب أفريقيا تنهب وتقتل وتفعل أي شئ من أجل الغنائم.!!. وفي تصريح للدكتور بكرى الجاك وهو من مؤسسى (تقدم) لجريدة القدس العربي أول أمس قال (حميدتي قال خلال الاجتماع مع “تقدم” عن وجود قوات لا تنتمي إلى الدعم السريع جاءت عن طريق ما يسمى شعبيا بالفزع، لافتاً إلى أن ذات القوات يمكنها الدخول في مواجهة مع الدعم السريع نفسه، وأفاد أنها وصلت ولاية الجزيرة دون تنسيق معه).
هكذا تحول الدعم السريع إلى جيش من عصابات كسابه وفزاعة مرتزقة، سبحان الله هؤلاء الكسابة الفزاعة بعد نهبوا الدولة والمواطنين تسعى قحت لإدخالهم ولإعادتهم للسلطة واكسابهم شرعية لا يستحقونها.
2
ظهور حميدتي للعلن جاء بعد دخول قواته (الكسابة) إلى مدينة ود مدني الأمر الذي اعتبره انتصاراً نهائياً في الحرب وليس جولة من جولاتها، لا وبل طالب برهان بالتسليم، وقدر أن يتم استثمار هذا الانتصار بحضوره شخصياً. لقد وضح أن اقتحام المدن لم يحقق أي فائدة للمتمردين سوى أنها كشفت الوجه الحقيقي للمرتزقة والكسابة وزادت كراهية الشعب فيهم وارتدت عليهم موجاتها بأن توجه الشعب كله لحمل السلاح، أدرك هذه الحقيقة قادة المتمردين ومموليهم ليظنوا أن هذا التقدم كافٍ لفرض شروطهم وبإمكانهم أن يحققوا مكاسب أعظم مما يمكن أن يحققه اقتحام مدن أخرى. حان وقت السياسة فخرج حميدتي في هذا التوقيت ليحول مكاسب الدعم السريع على الأرض إلى مكاسب سياسية مستعيناً بالضغوط الدولية والإقليمية لفرض ما لم يستطع أن يحققه بالحرب طيلة تسعة أشهر.
3
كانت أولى الخطوات هي إعلان تحالفه مع قحت (تقدم) بتوقيع وثيقة سياسية يدعون أنها تدعو لوقف الحرب ولكنها في جوهرها جعلت من قحت جناحاً سياسياً متحالفاً مع متمردين ارتكبوا جرائم حرب وإبادة، فبذا تزيد هذه الخطوة من تعميق أزمات الحرب وتطيل أمدها ولا تنهيها، هذا التحالف أمد المليشيا بوقود جديد وألبسها قناعاً مدنياً.
4
جولات حميدتي الخارجية تستهدف تحقيق عدة أهداف،أولها محاولة لنقله من خانة مجرم حرب كما تصفه كل الصحافة الغربية الآن إلى قائد عسكري وسياسي ، مستهدين في ذلك بتجربة الرئيس الكيني الحالي وليم روتو الذي جرى غسل جرائمه في المحكمة الجنائية نفسها، إذ برأته من تهمة جرائم حرب خلال مهزلة عدلية في لاهاي عن جرائم ارتكبها بحق شعبه أثناء أزمة العام 2007 وعاد ليلعب دوراً سياسياً في كينيا.
5
تلك الجولات حملة علاقات عامة لتبييض وجهه أمام الأفارقة الذين أبادتهم قواته في الجنينة وزالنجي وارتكبت كل الجرائم في حقهم بدارفور، ومحاولة تسويقه أيضاً كقائد وطني داعية للسلام والديمقراطية والدولة المدنية وكثير من دعاوى الإفك تلك التي وضعوها على لسانه دون أن يفهم منها شيئاً فأصبح مضحكة.
يحاول منظمو هذه الجولات حشد القادة الأفارقة للضغط على السودان للموافقة على وقف غير مشروط لإطلاق النار وخاصة في الاجتماع المقبل للإيقاد المتوقع خلال هذا الشهر. وذلك يتيح للمتمردين العودة والتموضع مجدداً على سدة السلطة ومواصلة نهب الدولة على نهج الكسابة الذين لن ينسوا وقتها مواقف القادة الأفارقة معهم فيكون لهم من أموال وذهب السودان المسروق نصيب.
6
تهدف جولات حميدتي إلى الضغط على المنظمات الإقليمية للاستمرار في تأييد موقفه، بل تصعيد الضغوط على الحكومة السودانية أولاً بتجاوز اتفاقيات جدة التي وضعت شروطاً أمام المليشيات المتمردة ثم بقبول الانتقال لمبادرة الإيغاد. معلوم أن سيناريو نقل الملف إلى الإيغاد ثم الاتحاد الأفريقي يهدف للضغط على السودان و إذا رفض السودان الخضوع لشروط المتمردين سيصبح فى مواجهة القارة الأفريقية كلها ثم يمكن نقل الملف إلى مجلس الأمن يفرض على السودان عقوبات أو حتى يستخدم الفصل السابع للتدخل العسكري. قال بكرى الجاك في نفس التصريح أعلاه لصحيفة القدس العربي أن حميدتي أبلغ (تقدم) في لقائه معها بأديس أبابا (أبلغهم في أديس أبابا بأن الحرب لن تتوقف دون تدخل دولي). وقد ان د. بكرى الجاك هذا التصريح لاحق. والغريب أن د. الشفيع خضر الذى لم يتماهى مع اجندة الجنجويد ولم يلتحق إلى الآن ب( تقدم) وهذا موقف محترم كتب أمس في صحيفة القدس العربى نفسها قائلا(بالنظر إلى فشل منبر جدة في إيقاف الاقتتال،فربما تبحث القوى المدنية السودانية طلب التدخل الدولي المباشر، على أساس الشرعية الدولية ووفق نصوص القانون الدولي، لفرض وقف الاقتتال وإقامة ممرات آمنة تسمح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى المواطنين المحاصرين في مناطق العمليات.) هكذا بدأ العزف على موضوع التدخل الدولى وسنعود للموضوع فى مقال آخر بإذن الله.طبعاً تلك أمانيهم وذلك تخطيطهم ولكن كله سيخيب بإذن الله ولكن لابد أن تكون دبلوماسيتنا في مستوى التحدي. يمكن أن نشير في مقال آخر للتكتيكات التي يمكن اتباعها لهزيمة هذا المخطط.
أخيراً، يمكن القول إن محاولة غسل الإبادة لن تنفعه جولات ولقاءات خارجية مع مرتشين من الرؤساء وقادة المنظمات الأفريقية، في الحملات التي تقودها الآن الصحافة العالمية قد بلغت مدى بعيد ،كما تعمل كل المؤسسات الحقوقية والعدلية الدولية وبدأت اجراءاتها ثم إن جماعات الضغط من أبناء دارفور الآن انتظمت في كافة أرجاء أوروبا وأمريكا مما يجعل أي محاولة لتحسين صورة المتمردين وغسلهم من جرائم الحرب والإبادة عالمياً، محض وهم.كما أن مجلس الأمن سيستمع لتقرير خطير خلال هذا الشهر أعده خبراء حول الحرب وانتهاكات الدعم السريع والتمويل الإمارات للحرب،يتوقع أن يحسم التقرير كثير من الجدل الذي يدور في أروقة الدبلوماسيين حول طبيعة هذه الحرب.وسنستعرضه للقراء حين صدوره بإذن الله.