تحولات استراتيجية في ميزان القوى : الحرب الباكستانية الهندية وأزمة البحر الاحمر يفرضان واقعًا جديدًا

بقلم : عوض بابكر
تشهد منطقة جنوب آسيا ومنطقة البحر الاحمر تحولات عميقة فرضتها الحرب المندلعة بين باكستان والهند وأزمة الولايات المتحدة في منطقة البحر الاحمر والتي ألقت بظلالها على التوازنات الإقليمية والدولية، وفتحت المجال لتغيرات جيوسياسية تسعي إلي إعادة تعريف النظام الدولي مما جعل أثرها ملموسًا في أكثر من محور وصعيد
أولى تلك التداعيات كانت داخل باكستان نفسها، حيث برزت المؤسسة العسكرية كقوة قائدة في المشهد السياسي، على حساب طبقة سياسية توصف بالفاسدة والضعيفة، ظلت لمدي طويل متماهية مع المصالح الغربية ومتآمرة على الإرادة الشعبية الباكستانية . وقد وجد هذا التحول ارتياحًا واسعًا في الأوساط الشعبية، خصوصًا في الدول الإسلامية، بالنظر إلى تاريخ الجيش الباكستاني الداعم لقضايا الأمة، منذ عهد الرئيس محمد ضياء الحق.
وعلى المستوى العسكري، كشفت المواجهات مدى هشاشة المنظومات الغربية أمام التكنولوجيا العسكرية الشرقية، وخاصة الصينية. حيث أثبتت التجربة فشل مقاتلات مثل رافال وF-16 وF-18، في مواجهة ترسانة هجومية شرقية تعتمد على الصواريخ الفرط صوتية والطائرات المسيرة منخفضة التكلفة. هذه الأسلحة، التي باتت متاحة بشكل متزايد لخصوم واشنطن، شكّلت تهديدًا مباشرًا في منطقة البحر الاحمر لحاملات الطائرات الأمريكية العملاقة في منطقة البحر ، التي تمثل رمزًا للقوة البحرية الأمريكية في العالم. وتهديدا لحليفته إسرائيل التي لم تفيق من هول صدمة إصابة صاروخ حوثي لمطار بن غوريون الدولي الذي خلق تساؤلات بشأن كيفية وصول الصاروخ الي المطار الحيوي وتداعيات هذا التطور رغم الترسانة التي تمتلكها
ولا أدل على هذا التغير من واقعة انسحاب حاملة الطائرات الأمريكية هاري ترومان من المياه الإقليمية اليمنية بعد استهدافها بواسطة مجموعة أنصار الله الحوثية ، ضمن مشهد أعاد التذكير بمحدودية القوة التقليدية أمام الأسلحة الذكية والرخيصة. كما أن صمود المقاومة الفلسطينية في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، يعكس حجم التغير في ميزان الردع، ويؤكد أن العالم أمام مرحلة جديدة من الصراع غير المتكافئ تقنيًا، ولكن المؤثر ميدانيًا.
في ظل هذه المعطيات، وجدت الولايات المتحدة نفسها مجبرة على إعادة حساباتها الاستراتيجية في المنطقة، متجهة نحو التهدئة وتجاوز أولويات حلفائها التقليديين في أوروبا وحتى إسرائيل. خاصة بعد أن عبّرت بعض الدول العربية عن رفضها العلني للمقترحات الأمريكية المتعلقة بتصفية القضية الفلسطينية لصالح الاحتلال، وهو موقف يعبّر عن وعي متصاعد في الشارع العربي والإسلامي.
هذه التحولات لا تخدم واشنطن بقدر ما تعزز من مكانة الصين، التي تبدو المستفيد الأكبر من حالة إعادة الاصطفاف العالمي. فالعالم اليوم لم يعد أحادي القطب، ولم تعد الولايات المتحدة القوة الوحيدة الفاعلة فيه، وهو واقع تكرّس مع تخبط السياسة الأمريكية في مرحلة ما بعد بايدن وبداية عهد ترمب، ما يشير إلى مرحلة إعادة تعريف للدور الأمريكي في عالم يتشكل من جديد. يعبر عن تحولات تكشف عن مسار تاريخي بدأ يتشكل يقود نحو قطبية متعددة.
hızlı buyhacklink.com buyhacklink.com https://www.sakaryadabugun.com/