الرواية الأولى

نروي لتعرف

آفاق رقمية / د. محمد عبدالرحيم يسن

تجربتي مع المركز القومي للمعلومات(12).

التحول الرقمي في وزارة العدل… نموذج للحوكمة والخدمات الذكية.

د. محمد عبدالرحيم يسن




لم تكن وزارة العدل بعيدة عن ركب التحول الرقمي الذي اجتاح مؤسسات الدولة، بل كانت من الوزارات السباقة التي وضعت الأسس لبناء منظومة عدلية رقمية متكاملة، تستجيب لمتطلبات الشفافية وحوكمة الأداء، وتيسر الخدمات للمواطنين والمؤسسات على حد سواء.
فقد شهدت الوزارة تنفيذ عدد من المشاريع الرقمية النوعية، من أبرزها النظام المركزي للمسجل التجاري الذي وحد البيانات التجارية على مستوى القطر، وسهل إجراءات التسجيل والمتابعة إلكترونيا. كما أطلقت الوزارة تطبيقا ذكيا يتيح نشر القوانين منذ عام 1902 باللغتين العربية والإنجليزية، مما أتاح للباحثين والممارسين القانونيين الاطلاع على التطور التشريعي عبر العقود.
وفي خطوة أخرى رائدة، تم نشر السوابق القضائية منذ عام 1956 بالتنسيق مع السلطة القضائية، في تطبيق ذكي يربط بين العدالة التشريعية والقضائية، إلى جانب تطبيق خاص بـالاتفاقيات الدولية الموقعة من قبل السودان، مما عزز من الشفافية والالتزام بالاتفاقيات القانونية الدولية.
ولم يتوقف التطوير عند هذا الحد، بل تم تطوير أنظمة متخصصة مثل نظام النيابات ونظام الإدارات القانونية ونظام خدمات وزارة العدل، مما جعل الوزارة من أكثر المؤسسات تكاملا في البنية التقنية وتوفر البيانات.
ومن الجوانب التي تستحق الوقوف عندها وقد كنت شاهدا عليها، جهود الوزارة في تدريب وكلاء النيابة وتنظيم الورش الإرشادية للممارسين والمهتمين على مستوى الولايات، إلى جانب تمليك الأجهزة المحمولة والبرامج المساندة التي تدعم العمل الميداني وتسهل الاتصال وتبادل المعلومات.
وقد كان لوزير العدل حينها الدكتور عوض حسن النور دور قيادي واضح في دفع هذا التحول ، إذ تبنى الفكرة وقيادتها شخصيا، مسنودا بوكيل الوزارة وفريق العمل، كما استعانت الوزارة بالدكتور اسامه أحمد إبراهيم مستشارا تقنيا ، لمشروعات الوزارة مما عزز في سرعة الإنجاز ودقتها، مع فريق مركز المعلومات بالوزارة.
ولعب المركز القومي للمعلومات دورا محوريا في دعم هذا التحول، إذ وفر المركز البنية التحتية التقنية وخدمات الاستضافة والربط الشبكي، وأسهم بخبراته وكوادره في تصميم الحلول وتكامل الأنظمة، مما جعل تجربة وزارة العدل نموذجا ناجحا للتعاون بين المؤسسات العدلية والمعلوماتية في خدمة التحول الرقمي الوطني.
غير أن ما شهدته البلاد من دمار واسع طال مباني وزارة العدل وبنيتها التحتية يجعل من الضروري اليوم أن تعاد عملية الإعمار على أسس رقمية حديثة، لا تكتفي بإصلاح ما تهدم، بل تبني منظومة مؤسسية أكثر كفاءة وأمانا.
إن إعادة بناء الوزارة ليست فقط مهمة هندسية، بل فرصة لإعادة تصميم العدالة السودانية رقميا بما يواكب متطلبات المرحلة المقبلة ويستعيد مكانة الوزارة الريادية في مسيرة الحكومة الذكية.
ولعل من أهم ما ينبغي الالتفات إليه في مرحلة الإعمار القادمة هو تفعيل دور التقنية في الممارسة العدلية نفسها، فقد استفادت العديد من الدول من تجربة جائحة كورونا لتطوير أنظمة المحاكمات عن بعد، حيث تعقد الجلسات إلكترونيا، وتؤخذ الأقوال، ويصدر الحكم دون حضور فعلي للأطراف، وبعد انتهاء الجائحة لم تتوقف هذه العملية بل تطورت بصورة أكبر ،إنها نقلة حقيقية في مفهوم العدالة الرقمية، وما أحوجنا اليوم إلى الاستفادة من تلك التجارب لنؤسس في السودان عدالة إلكترونية متكاملة تحفظ الحقوق، وتختصر الزمن، وتواكب روح العصر، وتقلل من الإنفاق بقليل من الابتكار والإبداع.
في العمود القادم نتناول تجربة التحول الرقمي في المجال الصحي.
1 نوفمبر 2025م.

اترك رد

error: Content is protected !!