البنية التحتية ومركز البيانات الوطني

تعد البنية التحتية حجر الأساس لأي مشروع تحول رقمي في العالم، فهي القاعدة التي تبنى عليها الخدمات الإلكترونية، ومن دونها يصبح الحديث عن التحول كمن يبني بنيانه في الهواء. ولهذا، اولى هذا الجانب في المركز القومي للمعلومات عناية خاصة منذ البدايات.
كانت إدارة البنيات التحتية هي الأكبر في المركز والأكثر ثراء بالكفاءات الفنية. يقودها المهندس الهمام يوسف الطاهر، الذي كان مثالا في الإخلاص والانضباط، يأتي للمركز بعد صلاة الصبح، ولا يغادره إلا بعد أن يطمئن أن كل الأنظمة تعمل كما ينبغي. حوله فريق من المهندسين المهرة الذين أدارت أيديهم وعقولهم واحدة من أكبر شبكات الألياف الضوئية في البلاد، ومركز بيانات وطني صنّف على مستوى الأداء الخامس، وهو الأعلى في تصنيفات مراكز البيانات.
ولم يتوقف التميز عند ذلك، فقد احتضن المركز نقطة تبادل الإنترنت السودانية (IXP) التي حصدت جائزة الاتحاد الدولي للاتصالات تقديرا لأدائها المتميز في ربط الشبكات المحلية وتحسين جودة الخدمة.
ذلك الجهد المتواصل لم يكن مجرد عمل تقني، بل كان ملحمة وطنية صنعها شباب آمنوا برسالتهم، وقدموا نموذجا في الاحتراف والتفاني رغم التحديات الجسام. كانت تلك المرحلة تجسيدا حقيقيا لقدرة العقول السودانية على الإبداع والتفوق حين تتوفر لها الثقة والبيئة المناسبة.
واليوم، بعد أن طال الدمار البنية التحتية الوطنية، فإن الأمل معقود على إعادة بناء ما كان مفخرة للسودان — مركز البيانات الوطني — ليعود في حلة أرقى، وبنظام الشراكة مع القطاع الخاص بشروط ميسّرة يمكن إعادة بناء شبكات اتصالات حديثة، تؤسس لنهضة رقمية جديدة تليق بالسودان وتاريخه العريق.
ومن هنا اوجه الدعوة إلى الجيل الصاعد من المهندسين والخبراء، فهم الامتداد الطبيعي لأولئك الرواد الذين شقوا الطريق في ظروف صعبة، فحملوا هم الوطن على أكتافهم وأسسوا لبنية رقمية متقدمة من العدم. اليوم تقع على عاتقكم مسؤولية استكمال الحلم، وإعادة بناء ما تهدم بعزيمة لا تعرف المستحيل.
فالوطن ينتظر منكم أن تضيئوا شبكاته من جديد، وأن تضعوا السودان في الفضاء الرقمي الذي يليق به.
العمود القادم يتناول عمود آفاق رقمية برنامج ملتقى المعلومات في الولايات.
١٣ أكتوبر ٢٠٢٥م