الرواية الأولى

نروي لتعرف

آفاق رقمية / د. محمد عبدالرحيم يسن

تجربتي مع المركز القومي للمعلومات (7)

اليوم الوطني للمعلومات.. جرد حساب وطن رقمي

د. محمد عبدالرحيم يسن


كان اليوم الوطني للمعلومات يوما وطنيا بامتياز، تفتح مؤسسات الدولة دفاترها، وتراجع حساباتها في مسيرة التحول الرقمي. إنه اليوم الذي يجتمع فيه أهل التقنية والمعلومات، لتقييم ما تحقق ومناقشة ما تبقى من الطريق نحو وطن رقمي متكامل.
قبل انعقاد هذا اليوم، تتحول أروقة المركز القومي للمعلومات إلى خلية نحل نابضة بالحركة والإبداع.
يبدأ التحضير قبل أسابيع، فيتوزع العمل بين فرق التخطيط والتنظيم والإعلام والتقنية، ويفتح باب المشاركة لكل الوزارات والوحدات والمؤسسات الحكومية، والقطاع الخاص، الكل يسعى لأن يكون حاضرا في هذا الحدث الوطني الذي أصبح مرجعا سنويا للمعلوماتية في السودان.
ترفع الشعارات، وتجهز العروض التقديمية، وتراجع الإحصائيات والخدمات الإلكترونية الجديدة، بينما تتسابق مراكز المعلومات لتقديم أفضل ما لديها من ابتكارات وأنظمة ومشروعات، في تظاهرة وطنية تعكس حجم الجهد المبذول خلف الكواليس.
وفي يوم الفعالية، ينبض المركز وموقع الحدث بالحياة، تتوافد الوفود الرسمية والإعلامية، تعرض التجارب، وتمنح الجوائز التحفيزية لأفضل الممارسات في تقديم الخدمات الإلكترونية. تتعالى روح المنافسة بين المشاركين، ويغمر الفخر كل من ساهم في تطوير منصة أو نظام يخدم المواطن.
أما على الصعيد الإعلامي، فقد كان هذا اليوم عرسا وطنيا للإعلام المعلوماتي.
تصدت إدارة الإعلام بالمركز القومي للمعلومات للحدث بكل اقتدار، فكانت محور التنسيق بين القنوات والصحف والمؤسسات الإعلامية، في الأيام التي تسبق اليوم، تتحول برامج التلفزيون القومي إلى منابر للمعلوماتية، تستضيف المختصين والمسؤولين، وتسلط الضوء على التحول الرقمي في القطاعات المختلفة.
كما خصصت الصحف اليومية والقنوات الخاصة صفحاتها وساعات بثها للحديث عن الخدمات الإلكترونية، ومشروعات الحكومة الذكية، والجهود المبذولة لبناء مجتمع معلوماتي متكامل.
لقد كان اليوم الوطني للمعلومات حدثا إعلاميا وفنيا وتنظيميا متكاملا، يجسد قدرة الكفاءات الوطنية على صناعة الفعل الرقمي وتقديمه بصورة مشرفة.
ومن ما هو جدير بالذكر أن هذا اليوم كان يعقد في مارس من كل عام، وتحديدا في الخامس والعشرين من الشهر، ليصبح موعدا ثابتا ينتظره العاملون في مجال المعلوماتية، ومرجعا سنويا تقاس به مؤشرات التقدم والجاهزية التقنية للدولة.
إنه يوم للتأمل في ما أُنجز، ولرسم ملامح المستقبل، وإطلاق المبادرات التي تمهد لمرحلة أكثر نضجا في مسار التحول الرقمي.
ولعل التجربة التي راكمها المركز القومي للمعلومات عبر تنظيم هذا اليوم الوطني لسنوات متتالية، أكدت أن التحول الرقمي ليس مشروع مؤسسة واحدة، بل مشروع وطن بأكمله، يتطلب التنسيق العالي بين الجهات الحكومية، والدعم المؤسسي من أعلى مستويات القيادة.
ما أحوجنا اليوم، ونحن نعيد بناء ما تم تدميره، إلى الاستفادة من هذا الإرث المهني والمؤسسي الغني من التجارب والخبرات والأفكار، يشكل رأس مال وطني معرفي يمكن أن يكون حجر الزاوية في إعادة تأسيس بنية رقمية حديثة، مستندة إلى ما بني سابقا، وموجهة نحو المستقبل بثقة ومسؤولية.
ومن هنا، أجدد الدعوة التي طرحتها من قبل وهي إنشاء هيئة عليا للتحول الرقمي، برئاسة رئيس الوزراء، تكون مظلة جامعة للتنسيق والتخطيط والإشراف، والتنفيذ وتدعم وزارة التحول الرقمي والإتصالات في أداء دورها القيادي والتنفيذي.
وفي نهاية المطاف، سيظل اليوم الوطني للمعلومات شاهدا على إيمان السودان بالمستقبل الرقمي، وعلى سعيه الجاد لبناء دولة حديثة تستند إلى المعرفة والتقنية والابتكار.
هو يوم جسد فكرة أن المعلومات ليست مجرد بيانات، بل قوة تبني الأمم وتختصر المسافات بين الحلم والواقع.
وسيظل هذا اليوم علامة مضيئة في ذاكرة التحول الرقمي، تذكرنا دائما بأن البداية كانت فكرة، وأن الفكرة ما تزال تكبر فينا كل عام….
في العمود القادم نتناول واحدة من أبرز التجارب المميزة للمركز القومي للمعلومات “الأمن السيبراني وحماية بيانات الدولة”
٢٠ أكتوبر ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!