الرواية الأولى

نروي لتعرف

آفاق رقمية / د. محمد عبدالرحيم يسن

تجربتي مع المركز القومي للمعلومات (15)

الخاتمة… رموز في الذاكرة

د. محمد عبدالرحيم يسن


في المحطة الأخيرة من هذه الرحلة المهنية والإنسانية، أقف أمام ذاكرة عامرة بالوجوه واللحظات التي صنعت تجربتي مع المركز القومي للمعلومات. كانت التجربة أكبر من وظيفة، وأعمق من مشروع تقني، كانت حكاية أجيال من العطاء، يتكامل فيها العلم بالخلق، والاحتراف بالانتماء.
أبدأ من القلب النابض بالمركز، العاملين الذين حملوا هم التقانة ووهبوا جهدهم بلا كلل. كانوا المهندسين والإداريين والفنيين والعمال، يشكلون نسيجا واحدا من الإبداع والإخلاص.
في مقدمتهم الأستاذ محمد الأمين الزاكي، مدير الشؤون الإدارية والمالية، حكيم المركز وصمام توازنه، والجيل المؤسس الشيخ سعد ، والأستاذ محمد الفاتح ، والاستاذة علوية الحمدابي والطيب خريف، وأبو الفيض مختار ذلك الجيل الذي آمن بأن العمل الجاد هو الطريق الأقصر نحو المستقبل. والمهندس أسامة عزالدين، مدير المكتب التنفيذي، الدينمو الذي لا يهدأ، إلى جانبه بدور محمد خير التي جمعت بين الدقة والمهنية العالية.
وأعرج إلى جيل سهى ابراهيم وآمنة عباس عربي وأحمد علي كرم الله، الذين أضفوا على العمل روح الشباب ودفء المبادرة، والمهندسة نادية في إدارة البوابة الإلكترونية، عنوان الكفاءة والالتزام، ومعها ثلة من المهندسين المبدعين المتفردين ، أمثال عمر المبارك و فريد واقرانه ، وفي نقلة نوعية شهدها المركز انضم إلى المركز في العام ٢٠١٤م، أربعين من الكفاءات الشابة، وأكثر من مائة مهندس ومهندسة ، في العام ٢٠١٧م، أحدثوا حراكا بارزا في الأداء وأسهموا في بناء صورة رقمية مشرقة لمؤسسات الدولة. كنت أشعر تجاههم بروح الأبوة والفخر، وأرى فيهم امتداد الأمل في وطن ينهض بعقول أبنائه.
ولأن البدايات لا تنسى، أذكر من وضعوا اللبنات الأولى لهذا الصرح. فقد كان الدكتور أحمد عبدالقادر صالح أول مدير للمركز، العالم النحرير الذي أتى إليه والسودان كله يعرفه، كيف لا وقد كان أول الشهادة السودانية. وضع الأسس الفكرية لمفهوم الحكومة الإلكترونية، وسلم الراية إلى المهندس مبارك محمد أحمد، تشكلت في عهده ملامح المركز، وأُرست دعائم البنية التحتية للمعلومات، فكان عهده بمثابة التأسيس البنيوي لانطلاقة المركز نحو فضاء الدولة الرقمية.
ثم أخص بالذكر الأساتذة الأجلاء الذين قدموا للمركز خبراتهم العلمية والفكرية، في مقدمتهم البروفيسور عوض حاج علي والبروفيسور مصطفى نواري، الذين أضافوا بعدا أكاديميا أصيلا وعمقا علميا أثرى بيئة العمل وأسهم في ترسيخ الفكر المؤسسي للمشروعات الوطنية.
وفي ركب المستشارين، أذكر باعتزاز مولانا ماهر عثمان المستشار القانوني للمركز، الذي كان صمام الأمان في كل المراحل القانونية والتعاقدية، متزنا في حديثه، دقيقا في نصحه.
كما أذكر المهندسين المستشارين محمد عبدالماجد، ونصرالدين محمد الحسن، وعباس عثمان، مثلوا خبرات هندسية متقدمة، أضافوا للمركز فكرا تخطيطيا وتنفيذيا ساهم في إنجاز العديد من المشروعات التقنية.
أما الدكتور يحيى عبدالله، مدير الهيئة القومية للاتصالات حينها، فكان رفيق مرحلة منسجمة في رؤيتها وأهدافها. كان بيننا تكامل وتنسيق دقيقان، يشهدان على ما يمكن أن يصنعه الإخلاص والعمل الجماعي من نجاح مشترك.
ولا أنسى البروفيسور زهير الأبجر، وكيل الوزارة، الأخ الأكبر والداعم الراسخ، الذي جمع بين الرصانة الأكاديمية والحكمة الإدارية، فكان ملاذا في الرأي وسندا في القرار.
وعند ختام هذا السرد، يظل الشكر الأعمق موجها إلى الدكتورة تهاني عبدالله عطية، وزيرة الاتصالات وتقانة المعلومات آنذاك، المهندسة، التي تحمل عقل المهندس وحنكة القائد. منحتنا الثقة والصلاحيات، وأفسحت لنا المجال، فكانت بحق ربان السفينة في مرحلة من أدق مراحل التحول الرقمي في بلادي.
وأشير إلى أن ذكر بعض أسماء العاملين في المركز القومي للمعلومات ليس أكثر من رمزية، فبعضهم ورد ذكره في الحلقات السابقة، وكلي أمل أن أكتب عن كل واحد منهم دون استثناء، فلكل منهم معي حكاية، ولكل بصمة لا تنسى في دفتر الذاكرة.
واليوم، ونحن نشهد ميلاد هيئات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، أراها امتدادا طبيعيا لتلك المسيرة التي بدأت من المركز القومي للمعلومات، وثمرة لتجربة تراكمت عبر السنين، نضجت وآن أوان أن تثمر مؤسسات متخصصة تستوعب تحديات المستقبل، بعيدا عن الاجندات وأصحاب الغرض ممن هرموا.
تبقى تجربتي مع المركز القومي للمعلومات فصلا مضيئا من سيرة وطن أراد أن ينهض بالعلم والمعرفة، وستظل الذكريات زادا والعبرة طريقا، ليواصل الجيل الجديد المسيرة بذات الروح، إيمانا بأن التقنية ليست مجرد أدوات، بل مشروع وطني لصناعة المستقبل.
من العمود القادم ، نعود إلى صفحة البدايات ، ايام وذكريات مع بيت البرامج.

١٢ نوفمبر ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!