د.ابراهيم الصديق على
(1)
أحدث انفتاح القوات المسلحة فى منطقة المهندسين خلخلة فى بنية وتماسك المليشيا وداعميها ، ويتضح ذلك من مساعى البحث اللاهث إلى حل يضمن بقاء ووجود المليشيا فى المشهد ..
وقد أتخذ الأمر مسارين ،
الأول : تحريك إتصالات داخلية ، للمصالحة ، والوصول لإتفاق بأى وسيلة ، وعلى اى سقف ، وأمس وصل إلى مستريحة بشمال دارفور قائد ثاني المليشيا عبدالرحيم دقلو وقائد عملياتها عثمان عمليات للحديث مع الشيخ موسي هلال ، وكانت اتصالات العمد بقيادة أبو شوك انتهت إلى سعي هلال للمصالحة ورفضه أن يكون طرفا فى القتال ، وهذه المرة جاء الوفد لطلب وقف الحرب..
ولكن نغمة أخرى تتصاعد ، بضرورة إيقاف نزيف شباب بعض القبائل بدارفور وقد اخذت الحرب الشباب المغامرين والطامحين ، اكثر من 200 ألف قتلوا أو جرحوا ، وهذه خسارة ثقيلة لها تأثيراتها الإجتماعية ودون وجود أى مردود أو فائدة سوى بعض المنهوبات…
•أما المسار الثانى والأكثر ضجيجا ، هو العودة للمفاوضات ، ومن الواضح أن (تقدم) و (قحت) هى من تتولى هذا الملف ، من خلال الحديث المكثف عن مفاوضات البحرين وتسريب ما أسموه نقاط إتفاق ، وهى وثائق تتوفر فقط عند قحت وتقدم ، علما بان طبيعة المفاوضات ذات طبيعة إنسانية تضمنها إتفاق جدة 11 مايو 2023م ، وهو أمر فى غاية الوضوح ، لم يرفض الجيش التفاوض ، وإنما بعد تنفيذ ما اتفق عليه..
(2)
فى الميدان ، فإن المليشيا تعانى من طبيعة المعركة وتداعياتها ، ربما السعى الحثيث لفرض هدنة ، هو محاولة لإلتقاط الأنفاس ، وترتيب الصف ، والحصول على دفعة جديدة من التسليح ووصول نتائج من جماعات سيلكا الارهابية بافريقيا الوسطي لتوفير عدد من المرتزقة ، وتفويج مجموعات من جنوب السودان ، وواضح أن اندفاع عرب الشتات قد تراجع وهم يتناقلون اخبار المعارك والمحرقة فى الخرطوم.. ولم تعد هتافات انتقال قبائل (الجنيد) واردة ، لم تعد الخرطوم أرض مملكة العطاوة.. أمس ، جاءت ردة فعل الجنجا ، فى محاور أمدرمان للوصول إلى شارع العرضة ، وتكبدوا خسائر كبيرة ، وهلكت مجموعة فى منطقة سنار أثر كمين وتدوين طيران ، ولكن الخسائر الكبيرة فى بحري ومنطقة الكدرو ، فقدت المليشيا القدرة على المناورة وكثافة النيران ، مع تناقص قواتها وعتادها ، المئات تساقطوا فى الطرقات والمباني ، وقوة الكدرو اغلبها من ابناء الماهرية ، حيث كان مقر عبدالرحيم دقلو وكبار القادة بكافورى وانتشروا فى مناطق بحري ، بينما مناطق امدرمان من مناطق تندلتي ، وأضيف إليهم قناصين من عدة دول (روس ، سوريا ، جنوب السودان) ، وانخفضت كفاءة أداء المليشيا مع غياب رؤية عملياته واضحة ، والدخول فى مغامرة التمدد دون ادراك المخاطر..
(3)
لم يكن وقع الميدان مؤثرا على المليشيا فقط ، بل هو أكثر تأثيرا على الحاضنة السياسية قحت وتقدم ، ولم تعد هذه القوى السياسية فى مرحلة (الحياد) ، بل أصبحت طرفا فى الحرب من خلال تبني صريح لأجندة ومواقف الجنجا ، بل أكثر تبرعا بالدعاية من ناشطي المليشيا.. وربما لم تعد هذه القوى الشبحية تعول كثيرا على الموقف الشعبي ، أو الراى العام الداخلى فقد أكتشفوا أن الشعب رافض لهم ، من خلال:
- -المقاومة الشعبية
- -رفض التعايش مع المليشيا
- -التفاعل العفوى مع إنتصارات القوات المسلحة..
وعليه ، اصبحت ذات صوت جهور فى تبني مواقف الجنجا ، لإن بقاء قحت وتقدم رهين بوجود المليشيا فى المشهد السياسي ، وهذا تفكير سطحي وساذج ، بل (بلاهة) و (غباء) .. لإن ميراث الجنجا أثقل من أن تقترب منه قوة سياسية ناضجة ، وذات عقل ، ولكنه عمى بصيرة..
(4)
وما يقال عن اتفاق (22) نقطة وبند ، وتهافت قحت وتقدم للدفاع عنه ، ليس هدفه تحقيق (وقف الحرب) ، وإنما إحداث وقيعة فى الصف الوطنى المتماسك ، و أكثر ما يخيفهم هو وحدة وطنية جامعة..
وهذا النشر مقصود به ذلك ، إثارة تشكيك المواطن فى جيشه ، وإثارة حفيظة الإسلاميين ، وبالتالي إبتعادهم عن معركة الوطن ، وهذا وهم..
عندما أنخرط الإسلاميون فى معركة الكرامة كان قادتهم فى السجون ولا زالوا ، وعناصر قحت فى سدة الحكم ، و اغلب الولاة والوزراء عينهم حمدوك ، ومع ذلك دافعوا عن وطنهم ، لإن منظورهم للقضية الوطنية أكبر من مزايدات أو رهينة مصالح صغيرة ، هذه قضية وطن وليس مناورات سياسية وحزبية ، وهذا أمر لا تفهمه قحت وتقدم لإنهم لا يدركون الفرق بين الوطن والحكومة..
ولذلك اقول للاسلاميين ، لا تستغرقوا وقتكم فى هذه المعارك الصغيرة ..
(5)
تقارير أخرى دولية عن مواقف بعض الدول ، وإعادة النظر فى دعم المليشيا وتقدم ، وهذا مهم ، نشير إلى نقطة واحدة منه ، وهو محاولة قحت تسويق المليشيا فى دوائر غربية ، فقد اوردت مصادر متطابقة أن الدكتور نصر الدين عبدالباري وزير العدل السابق فى حكومة حمدوك بذل جهودا مع الادارة الأمريكية للإنخراط فى دعم المليشيا ، وقد أشارت عضوة من وفد (تقدم) فى واحدة من تغريداتها (لقد قدمنا تقارير للوزيرة عن جرائم مليشيا البرهان) ، هذا خطاب القوى المحايدة..
بدأت (الفقاعة) فى التلاشي وفق مؤشرات كثيرة ، حفظ الله البلاد والعباد..