بعد توقع البنك الدولي بنمو اقتصاد الصين بما يمثل خمسي التوسع في الاقتصاد العالمي مقارنة باقل من الخمس لأمريكا ومنطقة اليورو معاً .. ماذا يجلب الإنفتاح الصيني عالي المستوي للعالم ؟؟
الخرطوم – بكين : الرواية الاولى
في 1978، تم تبني أحد أهم السياسات الأساسية في الصين، سياسة الإصلاح والانفتاح، وذلك تحت قيادة الزعيم الراحل دينغ شياو بينغ، ومنذ ذلك الحين، التزمت أجيال من القادة الصينيين بشدة بهذه السياسة، لتتحول الصين إلى اقتصاد سوقي اشتراكي حيوي منفتح على العالم الخارجي.
وأصبحت الصين اليوم ثان أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر أمة تجارية، ونقطة جذب للمستثمرين الدوليين. ولكنها ليست نهاية القصة: تحت قيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ، لن تواصل البلاد الإصلاح لتطوير اقتصاد سوقي اشتراكي فحسب، بل ايضا “تعزز الانفتاح عالي المستوى” كما أشار شي في تقريره في المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني.
وتم التأكيد على المتطلبات الجديدة خلال “الدورتين السنويتين الصينيتين” هذا العام، ولاسيما من قبل شي خلال المناقشات التي أجراها يوم 5 مارس مع نواب من وفد مقاطعة جيانغسو في الجلسة الأولى للمجلس الوطني الـ14 لنواب الشعب الصيني.
وفي استطلاع رأي أجرته وكالة أنباء ((شينخوا))، فإن ” الانفتاح عالي المستوى” أحد أهم الكلمات الرئيسية/التدابير والمبادرات الأجنبية في مخطط التنمية الصينية. ولكن ماذا يعني ذلك؟ وماذا سيجلب للعالم؟
-المساهمات في الاقتصاد العالمي
باعتبارها ثان أكبر اقتصاد في العالم مع تجاوز عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، احتضنت الصين من خلال الانفتاح واسع النطاق، الآخرين بسوق استهلاكي كبير للغاية وعزم ثابت على تعزيز التنمية المشتركة للجميع، وبالتالي ضخ الثقة واليقين في الاقتصاد العالمي.
وقد توقع صندوق النقد الدولي في أواخر يناير أن الاقتصاد الصيني سينمو بنسبة 5.2 بالمائة هذا العام، ما يُمثل خمسي التوسع في الاقتصاد العالمي، بينما ستساهم الولايات المتحدة ومنطقة اليورو معا بأقل من الخمس.
وفي السياق ذاته، قالت مجلة ((ذا إيكونوميست)) في أوائل فبراير إن تعافي الصين من جائحة كوفيد-19 “سيقدم مساهمة مرحب بها في النمو العالمي،” وذلك نظرا إلى أن الاقتصاد الصيني ساعد في استقرار اقتصادات العالمية خلال الأزمة المالية الآسيوية في 1997 والأزمة المالية العالمية في 2008.
ووسط الصراعات الجيوسياسية وأزمة الطاقة والأمن الغذائي وتفشي الوباء، تعاني العولمة الآن من نكسات مختلفة. وقد أظهر تقرير الانفتاح العالمي لعام 2022 أن مؤشر الانفتاح العالمي يستمر في الانخفاض.
وعلى الرغم من ذلك، فإن التزام الصين بالانفتاح عالي المستوى ساعد في مقاومة مثل هذه الرياح المعاكسة. فخلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2023 في دافوس الذي عُقد في شهر يناير، وهو مؤشر للاقتصاد العالمي، قال الكثيرون إن التدابير الداعمة للنمو في الصين، بما يشمل تحسين الاستجابة لكوفيد-19، ستساهم في تعافي الاقتصاد العالمي.
وفي ضوء ذلك، قال بوب موريتز، الرئيس العالمي لشركة برايس ووترهاوس كوبرز، في المنتدى الاقتصادي العالمي، إنه واثق من التوقعات الاقتصادية للصين، وذلك نظرا لقاعدة المستهلكين القوية والتقدم التكنولوجي، ومكانتها كأفضل مصدر.
ومن جانبه، قال وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف “إنني متفائل للغاية بالنتائج،” مضيفا أنه من المتوقع أن تلعب الصين دورا أساسيا في المساعدة اللازمة لتعزيز النمو الاقتصادي العالمي.
-الفرص المشتركة
تشمل بعض أهم جوانب الانفتاح عالي المستوى في الصين مشاركة الفرص، والتنمية معا، فضلا عن تحسين سبل العيش، كل ذلك بهدف نهائي يتمثل في بناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية.
لطالما كانت بكين مروجة قوية للتجارة العالمية والإقليمية الحرة. فعلى سبيل المثال، اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. فإن اتفاقية التجارة، التي دخلت حيز التنفيذ رسميا في 2022، تعد حتى الآن أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم، وذلك مع توقيع 15 دولة.
وقد أظهرت البيانات الصادرة عن البنك الدولي أن الاتفاقية تغطي 30 بالمائة من سكان العالم، وتساهم بنحو 30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتشكل أكثر من ربع التجارة العالمية في السلع والخدمات، فضلا عن أنها تمثل 31 بالمائة من التدفقات العالمية للاستثمار الأجنبي المباشر.
واستنادا إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، عززت الصين بنشاط التجارة الحرة، وسعت إلى كسر الحواجز التجارية بين الدول المُشاركة. لقد أظهرت البيانات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية أن تجارة الصين مع دول الأخرى التي وقعت على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة توسعت بنسبة تُقدر بـ7.5 بالمائة على أساس سنوي لتصل إلى 12.95 تريليون يوان (1.88 تريليون دولار أمريكي) في 2022، أي ما يمثل 30.8 بالمائة من إجمالي قيمة التجارة الخارجية للصين.
وفي ضوء ذلك، قالت ريبيكا غرينسبان، الأمينة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، إنه مع تراجع الانفتاح العالمي وارتفاع تكاليف التجارة، فإن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة تساعد في تعزيز الانفتاح والتعاون في المنطقة وخارجها، وتساهم في التنمية الاقتصادية العالمية.
وفي الوقت نفسه، لعبت مبادرة الحزام والطريق التي طرحها شي في 2013 دورا كبيرا في هذا الجانب، حيث أصبحت أحد المنصات الدولية الأكثر شعبية للتعاون العالمي.
وفي العقد الماضي، وقعت الصين أكثر من 200 وثيقة تعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق، مع 151 دولة و32 منظمة دولية، وفقا للبيانات الرسمية.
وفي إطار مبادرة الحزام والطريق، لدى الآسيان سكة حديد جاكرتا-باندونغ عالية السرعة قيد التشغيل التجريبي، وهي الأولى من نوعها في المنطقة. كما تم افتتاح أول طريق سريع في كمبوديا بين بنوم بنه وسيهانوكفيل رسميا، كما بدأ تشغيل جسر بيليساك في كرواتيا، ومشروع كاروت للطاقة الكهرومائية في باكستان. وقد لقيت كل هذه البرامج ترحيبا حارا من قبل السكان المحليين.
وفي هذا السياق، قال كافينس أدير، باحث في العلاقات الدولية في كينيا “إذا أطلعت على النموذج الصيني للتنمية، فإننا نسميه عائدات التنمية التي تشاركها الصين مع بقية العالم،” مشيرا إلى أن برنامج مثل مبادرة الحزام والطريق، يغير بشكل كبير المناطق النامية مثل أفريقيا.
-سهولة الوصول إلى الأسواق
وفي إطار سياسة الانفتاح عالي المستوى، أتخذت الصين سلسلة من الإجراءات لتحقيق تكافؤ الفرص، حتى تتمكن الشركات الأجنبية من التمتع ببيئة عمل أفضل في البلاد.
وفي العام الماضي، جددت الصين كتالوج الصناعات المشجعة للاستثمار الأجنبي، الذي طبق معدلات مؤقتة على ضرائب الواردات أقل من تلك الخاصة بالدول الأكثر تفضيلا، وذلك على 1020 سلعة، وخفضت أيضًا معدل التعريفات الجمركية على 62 منتجا تكنولوجيا للدول الأكثر تفضيلا، فضلا عن أنه سينخفض مستوى التعريفات الجمركية من 7.4 بالمائة إلى 7.3 بالمائة بعد التعديل.
وفي غضون ذلك، أكد مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الذي عقد في نهاية 2022، على الحاجة إلى “بذل جهود كبيرة لجذب الاستثمار الأجنبي والاستفادة منه”.
وفي الوقت نفسه، تسعى الصين بشكل نشط إلى خفض الحد الأدنى باستمرار وتقليل التكاليف والمخاطر المرتبطة بالاستثمار الأجنبي، حيث تم خفض العناصر المدرجة في القوائم السلبية على مستوى البلاد، وكذلك في مناطق التجارة الحرة التجريبية، والتي دخلت حيز التنفيذ في يناير الماضي، إلى 31 و 27 ، بانخفاض يُقدر بـ6.1 و 10 بالمائة على التوالي.
وإلى جانب ذلك، أنشأت الصين منصات مختلفة للوصول إلى الشركات الأجنبية، بما في ذلك معرض الصين الدولي للاستيراد، ومعرض الصين الدولي للمنتجات الاستهلاكية، ومعرض الصين الدولي للتجارة في الخدمات.
وقد أظهرت البيانات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية أنه في النسخة الـ5 لمعرض الصين الدولي للاستيراد، التي جذبت شركات من 127 دولة ومنطقة، بالإضافة إلى 69 حكومة وطنية ومنظمة دولية، تم التوصل إلى صفقات مبدئية بقيمة 73.52 مليار دولار لشراء سلع وخدمات على مدار عام واحد، بزيادة تُقدر بـ3.9 بالمائة على أساس سنوي. كما أتاح الحدث المزيد من الأكشاك المجانية للشركات المُشاركة من البلدان الأقل نموا.
ومن جانبه، قال شي في حفل افتتاح الدورة الخامسة لمعرض الصين الدولي للاستيراد “قبل 5 سنوات، أعلنت عن قرار عقد معرض الصين الدولي للاستيراد، بهدف توسيع انفتاح الصين وتحويل سوقنا الضخم إلى فرص هائلة للعالم. اليوم، أصبح معرض الصين الدولي للاستيراد عرضا لنموذج التنمية الصينية الجديدة، ومنصة للانفتاح عالي المستوى، ومنفعة عامة للعالم بأسره”.
وفي إشادة بتصريحات شي، قال كريغ ألين، رئيس مجلس الأعمال الأمريكي الصيني، إنه سمع عن التزام الصين المُشجع لتحقيق المزيد من الإصلاح والإنفتاح.