انهيار المهمة الإماراتية في السودان: نموذج آخر لفشل أدوات الحصار والتدخل.

في تطور يكشف عن عمق التدخلات الإقليمية في الشأن السوداني، انهارت أكبر عملية استخباراتية وعسكرية نفذتها دولة الإمارات العربية المتحدة في أفريقيا، والتي تمركزت في السودان، وسط سلسلة من الفضائح التي طالت تورط أبوظبي في دعم مليشيا الدعم السريع، وتجنيد مرتزقة من مختلف دول العالم، في محاولة لإعادة تشكيل المشهد السياسي والعسكري في البلاد. العملية التي وُصفت بأنها الأضخم خارج الحدود الإماراتية تحولت إلى إخفاق مدوٍ، كشف هشاشة الرهان على أدوات غير شرعية، وفضح الأجندات الخفية التي تقف خلفها.
منذ ما قبل اندلاع حرب 15 أبريل 2023، بدأت بصمات أبوظبي تظهر بدعم وثيق لقائد مليشيا الدعم السريع المتمرد محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مستغلة حالة الانقسام الداخلي، ومستخدمة أدوات داخلية لتنفيذ أكبر عملية سطو على موارد شعب بأكمله، لخدمة مصالح اقتصادية وأمنية أبرزها تجارة الذهب وشبكات التهريب عبر الحدود. الدعم الإماراتي لم يقتصر على الجانب السياسي أو المالي، بل شمل توريد الأسلحة، معدات الاتصالات، والطائرات المسيّرة، إضافة إلى التدريب العسكري عبر شركات أمنية خاصة تعمل كواجهة لأنشطة غير رسمية.
ولتعزيز قدرات المليشيا، لجأت الإمارات إلى تجنيد مرتزقة من دول أفريقية مثل تشاد، النيجر، مالي، وجنوب أفريقيا، إلى جانب عناصر من أوروبا الشرقية، بينهم مقاتلون سابقون من قوات فاغنر، وكذلك من دول مثل كولومبيا، حيث أُعلن مؤخرًا عن اغتيال أفراد منهم في تخوم الفاشر. هذا ما يعزز صحة التقارير السودانية والدولية عن نقل جنود مرتزقة إلى السودان عبر رحلات سرية من قواعد عسكرية في الإمارات، ليبيا، واليمن، في عملية معقدة هدفت إلى قلب موازين القوة لصالح المليشيا، وإضعاف الجيش السوداني عبر هجمات نوعية على البنية التحتية العسكرية.
لكن ما لم تحسبه أبوظبي هو قدرة الجيش السوداني على الصمود والتفوق الميداني. فرغم الدعم المكثف الذي تلقته مليشيات الدعم السريع، أثبت الجيش السوداني أنه ليس مجرد قوة تقليدية، بل مؤسسة عسكرية ذات خبرة طويلة، وانضباط تنظيمي، وامتلاك لأسلحة استراتيجية متطورة. بفضل تكتيكات دقيقة شملت الحرب الإلكترونية والرصد الجوي والعمليات الاستخباراتية، تمكن الجيش من كشف خطوط الإمداد الإماراتية واستهدافها، وتدمير مراكز قيادة تابعة للمليشيا، بعضها كان يُدار من قبل مرتزقة أجانب.
هذا التفوق العسكري لم يكن مجرد انتصار ميداني، بل كشف حجم الفشل الإماراتي في إدارة العملية، وأدى إلى تداعيات دبلوماسية واسعة. فقد بدأت دول أفريقية في إعادة تقييم علاقاتها مع الإمارات، وسط مخاوف من تحولها إلى لاعب غير مسؤول في المنطقة. كما أبدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قلقًا متزايدًا من الدور الإماراتي في تأجيج الصراعات، خصوصًا بعد تسريب تقارير تفيد باستخدام طائرات مسيرة إماراتية في ضربات داخل السودان دون تنسيق دولي.
ما حدث في السودان ليس سوى تكرار لنمط إماراتي قائم على استخدام أدوات الضغط غير المشروعة لتحقيق أهداف سياسية. فقد سبق لأبوظبي أن قادت حصارًا اقتصاديًا على قطر عام 2017، شمل حظر الطيران والتجارة، في محاولة لعزلها إقليميًا. لكن ذلك الحصار، رغم ضخامته، فشل في تحقيق أهدافه، بل أدى إلى تعزيز استقلالية قطر، وتوسيع تحالفاتها الدولية، وتحقيق نمو اقتصادي ملحوظ رغم القيود.
اليوم، تعيد الإمارات استخدام ذات الأدوات في السودان، ولكن بشكل أكثر تعقيدًا وخطورة، عبر دعم مليشيات مسلحة وتجنيد مرتزقة، في محاولة لفرض واقع سياسي يخدم مصالحها. غير أن النتيجة كانت مشابهة: فشل ذريع، وتداعيات دبلوماسية، وانكشاف لنمط تدخلات غير مسؤولة.
إن انهيار المهمة الإماراتية في السودان يمثل نقطة تحول في فهم طبيعة التدخلات الإقليمية في أفريقيا. فقد أثبتت الأحداث أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي لتحقيق النفوذ، وأن دعم المليشيات والمرتزقة لا يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى. المختصون في الشأن العسكري يرون أن على الإمارات إعادة النظر في سياساتها الخارجية، والابتعاد عن نهج التدخلات السرية، والعودة إلى أدوات الدبلوماسية والتنمية الحقيقية.
فالقارة الأفريقية لم تعد ساحة مفتوحة للمغامرات الجيوسياسية، بل أصبحت أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على كشف ورفض التدخلات الخارجية، مهما كانت أدواتها أو شعاراتها.
12 أغسطس ٢٠٢٥