
على مدى عامين ونصف ظلّت هذه الحرب اللعبنة تفتك ببلادنا، وتذري شعبنا في المنافي والمقابر، حتى غدا الخراب سيّد المشهد. والفاشر اليوم، المحاصرة بالجوع والقهر وجدران الموت، ليست سوى دليل اخير على الكرب العظيم الذي يرزح تحته السودانيون ومن قبلها عاش السودانيون مآسي التقتيل في بيوتهم والاغتصاب والعنف الجنسي والنهب والتدمير الممنهج، وكلها جرائم ارتُكبت على يد مليشيا الدعم السريع بإيقاع وحشي لم يعرفه تاريخنا الحديث.
وفي قلب هذا المشهد الدامي، نجد دولة الإمارات العربية المتحدة، بمالها وسلاحها وخطوط إمدادها، كأكبر رافعة لاستمرار هذه المقتلة. وهذه ليست تهمة تُقال على عواهنها، بل حقيقة نطق بها العالم: من تقارير الكونغرس الأمريكي، إلى خلاصات لجان الأمم المتحدة، إلى عشرات التقارير المستقلة في صحف العالم الكبرى. كلها جاءت بصيغ شتى، على أن يد الإمارات هي العامل الاكبر في إطالة أمد هذه الحرب ومأساتها.
والدعوة إلى وقف الحرب، وهي دعوة نبيلة في مضمونها بشكل مطلق ولكنها تفقد معناها حين تُرفع بلسان يعمل في نفس الوقت على تبييض وجه الإمارات وإنكار تواطؤها وجرائمها ومحاولة صرف النظر عنها، أو يصورها كفاعل محايد أو نصير للسلام. فالإمارات شريك مباشر في قتل وتعذيب وتشريد شعبنا، وهذه شهادة عالمية موثقة أمام الملأ. فلا يتفق خداع الناس بطرح خطاب سياسي ذو وجهين: يرفع راية السلام أمام الناس، بينما يوالي الممول الأول للحرب والسبب الرئيس في استمرارها حتى الان، هولاء ليسوا سوى سماسرة دم، سقطوا في مستنقع الانتهازية، وأهانوا معنى السلام حين جعلوه سلعة في مزاد السياسة.
اما محاولة التستر وراء تصفية حسابات سياسية داخلية مع الاسلاميين، ورفع راية ثورة ديسمبر المجيدة لتبرير هذا التماهي فهذا قميص عثمان مضرج بالدماء التي يحاولون اخفاء الجريمة خلفها. لنتذكر جيداً: حين أسقط السودانيون نظام البشير والحركة الإسلامية، لم يحتاجوا إلى الإمارات ولا غيرها. أسقطه السودانيون بثورة شعبهم منفردا. بل إن الحقيقة، أن الإمارات ظلّت حتى أيام البشير الأخيرة تدعم نظام البشير ىتضخ المال في شرايينه؛ ومنحته في مارس 2019، قبل أسابيع قليلة من سقوطه، ثلاثمئة مليون دولار عبر صندوق أبوظبي. واليوم تعود ذات اليد، ملطخة بالدماء، لترفع قميص عثمان، وتزعم أنها تحارب الإخوان، بينما هي تدير حربها بالوكالة في السودان عبر مليشيا الدعم السريع.
الحقيقة التي لا يمكن انكارها اليوم هي ان الدعم السريع منظومة فاشية، وكذلك من يمولها ومن يتماهى معها. ولا يعقل او يستقيم ادعاء السعي لوقف الحرب، مع هذا التماهي او الدفاع عنها، فالشراكة في الجريمة لا يُغسَل قبحها برطانة السلام.
• الحساب الرسمي علي موقع ( x )