ضياء الدين بلال
سألني كثيرون عن عدم ذكر شرائح مجتمعية مهمة كان لها إسهام كبير في هزيمة مشروع حميدتي الانقلابي.
لكن القائمة التي أوردتها لم تكن حصرية لمصادر القوة الخفية الناعمة في الدولة السودانية، بل كانت مجرد نماذج، دون أن يعني ذلك امتيازها على الآخرين.
بدأت أشعر بالقلق من أن معارك جديدة ستنشب بعد الحرب الحالية، محورها: من صنع النصر؟ ومن كانت له اليد العليا فيه؟!
لا شك أن هناك من لعبوا أدوارًا مركزية في هزيمة مشروع الميليشيا بعيدًا عن الأضواء، وسيأتي ذكرهم في يوم ما.
بعض الأصدقاء والقراء لاموني على عدم ذكر مشاركة السلفيين وجماعة أنصار السنة، وآخرون تساءلوا عن عدم الإشارة إلى دور الشعراء وكبار المغنيين، مثل الرمز والقامة عاطف السماني.
أما اللوم الأكبر فجاء من عدد كبير من القراء، بسبب عدم التطرق لدور الإعلاميين، لا سيما في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي.
نعم، لم تكن الحرب التي اندلعت في السودان يوم 15 أبريل 2023 مجرد مواجهة عسكرية تقليدية بين جيش نظامي ومجموعة متمردة، بل كانت حربًا شاملة استهدفت الدولة والمجتمع معًا.
فبينما كانت الرصاصات والقذائف تحصد الأرواح، كانت هناك معركة أخرى، لا تقل ضراوة، تدور في ميدان الوعي والمعلومات، حيث لعب الإعلام الوطني الحر دورًا محوريًا في التصدي لهذا المشروع الغاشم.
في بدايات الحرب، أصيبت مؤسسات الدولة بالشلل، وغابت الأجهزة التنفيذية والإعلام الرسمي.
أما القوات المسلحة، فكانت محاصرة بين الهجمات الغادرة ومحاولات التمرد فرض واقع جديد بقوة السلاح.
وفي تلك اللحظة الحرجة، برز الإعلام كسلاح أمضى وأشد فتكًا من المدافع، يخوض معركة الوعي ضد التزييف والخداع، ويقاتل بالحجة والمنطق لكشف الحقائق ودحض الأكاذيب.
راهن المتمردون ومناصروهم على التلاعب بالسردية الإعلامية، فملأوا الفضاء الرقمي بالدعاية والتضليل، محاولين قلب الحقائق وتقديم أنفسهم كقوة منتصرة تحمل رسالة الحرية والديمقراطية.
لكن الإعلام الوطني الحر كان لهم بالمرصاد، فكشف فظائعهم، وفضح انتهاكاتهم، وعرّى أكاذيبهم.
لم تعد جرائمهم مجرد روايات ظنية مبعثرة، بل حقائق موثقة بالصوت والصورة، شاهدة على مشروعهم القائم على النهب والدمار وإشاعة الفوضى.
لم يكتفِ الإعلام بتعرية التمرد، بل حمل لواء المقاومة الشعبية، فكان منبرًا لتحفيز السودانيين على الصمود، وحشد الطاقات، وبث روح الأمل.
اجتهد الإعلام الوطني في رفع معنويات الجيش، مؤكدًا أن هذه ليست نهاية السودان، وأن القوات المسلحة ستنهض مهما تكالبت عليها المحن، وأن الشعب ليس متفرجًا، بل شريك أصيل في الدفاع عن وطنه.
لم يكن هذا مجرد تفاعل إعلامي عابر، بل كان إعادة تشكيل للوعي الجمعي، وصناعة رأي عام مقاوم يحمي السودان من السقوط في مستنقع الفوضى.
ومع مرور الوقت، استعاد الجيش أنفاسه، وعاد أكثر تنظيمًا وقوة، والتحم بالمقاومة الشعبية التي بشّر بها الإعلام.
وهكذا، تحولت الحرب من مواجهة بين جيش ومتمردين إلى معركة وطنية كبرى ضد مشروع تدميري عابر للحدود.
لقد أثبت الإعلام الوطني أن الكلمة الصادقة، حين تكون في معركة عادلة، تملك من القوة ما يعادل ألف طلقة، وأن الوعي، حين يُدار بذكاء وصدق، يصبح درعًا لا يخترقه التضليل، وسيفًا يقطع أوهام الباطل من جذورها.
هكذا انتصر السودان في معركة الوعي، وهكذا هُزم التمرد قبل أن يُهزم في ميادين القتال