فيما أرى / عادل الباز

الشمول المالي: لماذا؟ وكيف؟ وبأي اتجاه؟ (2)

عادل الباز


1
“الشمول المالي هو العملية التي من خلالها يتم تمكين جميع فئات المجتمع، خاصة الفئات الضعيفة والمهمشة، من الوصول إلى الخدمات المالية الرسمية (مثل الحسابات البنكية، التمويل، التأمين، الادخار، والدفع الإلكتروني) بأسعار مناسبة وبشكل آمن.”
2
اختتمتُ الحلقة الماضية من هذا المقال بالإشارة إلى الندوة التي عُقدت مساء الخميس 6 مارس 2025 في بورتسودان، والتي دعا إليها مركز شموس ميديا تحت عنوان (الدفع الإلكتروني.. خطوة نحو التحول الرقمي والشمول المالي)، وقدم فيها د. خالد التيجاني ود. عسجد الكاظم ورقتين عميقتين حول موضوع الشمول المالي وضرورته وأهدافه. سأقوم في هذه الحلقة باستعراض ما جاء في ورقة د. خالد التيجاني من أفكار واقتراحات مفيدة في النقاش العام قبل الاشتباك معهما في الحوار.
3
أعد دكتور خالد التيجاني ورقة في غاية العمق والشمول بعنوان (التكنولوجيا تعيد تعريف الاقتصاد.. أين موقعنا في اللحظة الكونية الراهنة). تتبّع دكتور خالد التقدّم التكنولوجي الذي أشار إلى أنه يمضي بوتائر مذهلة، ودخوله بقوة على عالم الاقتصاد، مما أثار مخاوف شتى من إساءة استخدام التكنولوجيا المالية، مما دفع السيدة كريستين لاغارد، المديرة السابقة لصندوق النقد الدولي، إلى أن تقول: (إنه يجب قبل كل شيء أن نظل منفتحين أمام فكرة الأصول المشفرة والتكنولوجيا المالية بشكل أوسع، ليس لمواجهة المخاطر التي تفرضها فحسب، إنما كذلك لما تحتويه من إمكانيات لتحسين حياتنا).
4
ويشير دكتور خالد إلى: (إن مواكبة التطورات التكنولوجية، التي باتت تشكل معايير ومؤشرات اقتصاد اللحظة الكونية الراهنة والمستقبلية، ليس ترفاً، ولا حتى خياراً طوعياً، بل تفرضه الضرورات الحتمية الوجودية لأي اقتصاد، شرطاً لازماً للمنافسة في الأسواق العالمية، ولو في حدها الأدنى، ومن يظن أنه بوسعه النجاة من أثر التطورات المتسارعة، فلن يجد جبلاً يعصمه من الطوفان).
5
في منحى آخر ومهم، يلفت دكتور خالد النظر إلى قضية جوهرية في موضوع التحول الرقمي والشمول المالي فيقول: (من المهم إدراك أن التحول الرقمي والشمول المالي ليس مجرد أدوات تقنية لتحديث نظم المعاملات المالية، بل هي واحدة من أهم العوامل الرئيسية للحد من الفقر). ويضيف: (كما لا يجب أن نتعامل معها كأدوات مالية فنية معزولة عن سياقها في بيئة الاقتصاد، سواء على المستوى الوطني أو في فضاء بيئة النظام الاقتصادي الدولي).
6
تتبّع دكتور خالد التيجاني في ورقته خلفيات التحول الرقمي في السياق السوداني، وأشار إلى الإشكالات التي أدت إلى تعثّره، وعزا ذلك التعثّر إلى افتقاد الدولة إلى رؤية شاملة لتحديث الاقتصاد السوداني، وتوظيف قدراته الكامنة، وتطوير وسائله وأدواته، إضافة إلى ضعف تقدير الأهمية الفائقة لتأثير التطورات التكنولوجية في الاقتصاد العالمي. وترافق ذلك مع ضعف البيئة المؤسسية من قوانين وتشريعات مواكِبة للتحول الرقمي، رغم توفر البنية التحتية التقنية. وعزا أيضاً التعثّر إلى غياب الشراكة بين القطاع العام والخاص، وعدم الاستفادة من المبادرات الدولية التي يقودها البنك الدولي وصندوق النقد العربي، مع تواضع المجهودات في نشر المعرفة الرقمية.
7
يخلص دكتور خالد في ورقته إلى الدعوة لاستراتيجية وطنية شاملة للتحول الرقمي، ليتحقق تحول رقمي كفء وفعّال، واقترح أن تكون هذه الاستراتيجية مرجعية رسمية حاملة لتوجّه فكر وممارسات الدولة وشركاء المصلحة نحو هدف مشترك.
وأكد دكتور خالد كذلك أن التحول الرقمي والشمول المالي بحاجة إلى قيادة ذات رؤية مستقبلية معرفية، مبصرة بحجم التحديات واستحقاقات التحديث الاقتصادي، مع بنية مؤسسية تُحدث التغيير على مستوى التشريعات والسياسات والإدارة الكفؤة والفعالة. مشيراً إلى ضرورة تشكيل فريق عمل من الخبراء والمختصين وشركاء المصلحة وقطاع الأعمال والمصارف وصنّاع الرأي العام، للبدء في صياغة الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي، داعياً للاستعانة بخبرات خارجية من صندوق النقد الدولي وصندوق النقد العربي.
8
وأخيراً، طالب الدكتور خالد في ورقته بتأسيس صندوق أسماه (صندوق اختبار التكنولوجيا المالية) المعروف عالمياً بـ (Fintech Sandbox)، والمقصود به بيئة تجريبية رقابية تسمح لشركات التكنولوجيا المالية (Fintech) باختبار منتجاتها وخدماتها المبتكرة تحت إشراف الجهات التنظيمية.

اترك رد

error: Content is protected !!