________
يواجه السودان تحديات هائلة في إدارة النفايات، خاصة بعد الحرب التي اندلعت في أبريل ٢٠٢٣، والتي زادت من الفوضى البيئية وضعف البنية التحتية. غياب استراتيجية وطنية شاملة، مع اعتماد طرق التخلص التقليدية كالحرق والطرح المفتوح، يؤدي إلى تلوث واسع ومخاطر صحية. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة جهوداً متنامية لتحويل النفايات إلى قيمة اقتصادية وبيئية عبر مشاريع حكومية، منشآت صناعية، ومبادرات مجتمعية مدعومة محلياً ودولياً. يقدر حجم النفايات الصلبة في السودان بـ٢.٥ مليون طن سنوياً، مع نسبة إعادة تدوير أقل من ١٠٪، ما يفتح فرصاً هائلة للاقتصاد الدائري. وفقاً لتقرير البنك الدولي، انكمش الناتج المحلي الإجمالي السوداني بنسبة ٣٧.٥٪ في ٢٠٢٣ بسبب الحرب، ومن المتوقع انخفاض إضافي بنسبة ٥.٩٪ في ٢٠٢٤، مع تعافٍ طفيف بنسبة ٠.٥٪ في ٢٠٢٥ إذا تحقق السلام، مما يبرز أهمية المبادرات الاقتصادية مثل إعادة التدوير لدعم الانتعاش.

الوضع الوطني والتحديات

تعاني معظم المناطق السودانية من نقص أنظمة جمع النفايات الرسمية، خاصة في المدن الصغيرة والقرى، حيث يعتمد السكان على المكبات المكشوفة والحرق، ما يزيد التلوث الهوائي والمائي وانتشار الأمراض مثل الكوليرا والملاريا. الحرب أدت إلى تراكم النفايات في مناطق مثل الخرطوم وبورتسودان، مع نقص الوعي المجتمعي كعقبة رئيسية. البرامج الرسمية محدودة، ويذهب أغلب النفايات إلى المكبات دون معالجة، مما يهدد التنوع البيولوجي والصحة العامة. وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، ارتفعت حالات الأمراض المعدية بنسبة ٣٠٪ في المناطق المتضررة. اقتصادياً، تُقدر تكلفة إدارة النفايات غير الفعالة بملايين الدولارات سنوياً، مع خسائر في الإنتاجية بسبب التلوث.

أنواع النفايات في السودان

تشمل النفايات تحديات وفرصاً متنوعة، مع التركيز على الاستغلال المستدام:
•النفايات الصلبة المنزلية: مخلفات الطعام، البلاستيك، الورق، والزجاج، تشكل ٦٠٪ من الإجمالي ويمكن فرزها محلياً لتقليل التكاليف.
•النفايات البلاستيكية: الزجاجات والأكياس، مصدر تلوث رئيسي يمثل ٢٠٪، ويمكن تحويلها إلى مواد بناء أو وقود بديل.
•النفايات الورقية: الورق والكرتون، قابلة لإعادة التدوير بنسبة تصل إلى ٨٠٪، ما يوفر موارد الغابات.
•النفايات العضوية والزراعية: مخلفات الطعام وروث الحيوانات، يمكن تحويلها إلى سماد عضوي لدعم الزراعة المحلية.
•النفايات الطبية والخطرة: مخلفات المستشفيات، تحتاج محارق حديثة لتجنب التسمم وانتشار الأمراض.
•النفايات الصناعية والبناء: مخلفات المصانع والهدم، قابلة لإعادة الاستخدام في مواد صديقة للبيئة مثل الخرسانة المعاد تدويرها.
هذه الأنواع تمثل ٧٠٪ من النفايات القابلة للتدوير، مع إمكانية توليد قيمة اقتصادية تصل إلى ١٠ ملايين دولار سنوياً إذا استُغلت بشكل فعال.

التجارب العالمية والإقليمية

عالمياً، لا تتجاوز نسبة إعادة تدوير المواد ٦.٩٪ من ١٠٦ مليار طن مستخدمة سنوياً، ما يبرز فجوة كبيرة بين الاستهلاك وإمكانيات التدوير. تتصدر ألمانيا واليابان السياسات الصارمة، نظم الفرز، وأنظمة الإيداع والاسترداد، حيث تصل نسبة التدوير في ألمانيا إلى ٦٠٪، مما يولد فوائد اقتصادية تصل إلى ١٠٨.٥ مليار دولار سنوياً عالمياً في نموذج الاقتصاد الدائري بحلول ٢٠٥٠.
إقليمياً، نجحت كينيا في EcoPost بتحويل البلاستيك إلى أعمدة كهربائية، مما أنشأ ٥٠٠ وظيفة؛ ومصر في Zabbaleen تعيد تدوير ٨٠٪ من النفايات العضوية عبر المجتمعات المحلية، مع إشراك النساء؛ والسنغال، يدير Deekali Project تدوير الورق وتمكين الشباب، محققاً دخلاً إضافياً لـ٢٠٠٠ أسرة؛ وجنوب السودان، تدعم UNMISS مبادرات Zero Waste في المخيمات، مما يقدم دروساً للسودان المجاور في مواجهة آثار الحرب، مع إمكانية إنشاء ٥٠٠ وظيفة محلية من خلال إعادة التدوير.

المبادرات السودانية المحلية

تتنوع الجهود السودانية بين الرسمي والمجتمعي، رغم تحديات الحرب:
•مشروع مراكز إعادة تدوير النفايات (WRC): إنشاء مراكز حديثة لفرز المواد وتحويل العضوية إلى سماد، مع خلق آلاف الوظائف في المناطق الآمنة.
•وحدات إعادة التدوير في الخرطوم (٢٠٢٣): مصانع لفرز البلاستيك إلى حبيبات قابلة للتصدير، إنتاج سماد عضوي، وتشغيل محرقة للنفايات الطبية، بدعم تمويل دولي.
•مصنع إعادة تدوير الورق في بورتسودان: تحويل الورق إلى منتجات جديدة للتصدير إلى دول الخليج.
•منظمة إيكو ويست (EcoWaste): حلول مبتكرة لإدارة النفايات منذ ٢٠١٤، مع التركيز على تدوير البلاستيك والورق ونشر الاستدامة.
•منظمة سودان صفر نفايات (Sudan Zero Waste Organization): تأسست في فبراير ٢٠٢٠، وتهدف إلى تقليل النفايات إلى الصفر وتعزيز الاقتصاد الدائري.
•الأنشطة: إعادة تدوير البلاستيك إلى بلاط وإنترلوك، برامج جمع وفرز النفايات، تطبيق Zero Waste Mobile للتوعية وإيجاد نقاط جمع، ورش عمل للشباب والنساء، حملات نظافة وصحة عامة في أغسطس ٢٠٢٥ في سوق أم درمان بالتعاون مع IOM وUSAID.
•الإنجازات: إدارة أكثر من ١٠,٠٠٠ كجم من النفايات وتحويلها إلى منتجات معاد تدويرها، دعم أكثر من ٤,٠٠٠ شخص في معسكرات النازحين، تغطية أكثر من ٢٠ موقعاً في ٢٠٢٥، تدوير حوالي ٥٠,٠٠٠ طن، وتوفير فرص عمل للشباب والنساء في الخرطوم وبورتسودان والقضارف.
•الشراكات والدعم: IOM، USAID، JICA، ومنظمة People in Need، بالإضافة إلى المتطوعين والجامعات السودانية.

الفوائد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية

تساهم هذه المبادرات في تقليل التلوث بنسبة ٢٥٪ في المناطق المستهدفة، حماية الموارد المائية، دعم الاقتصاد الدائري بإنتاج منتجات جديدة بقيمة ٥ ملايين دولار سنوياً، وتوفير تكاليف إدارة النفايات العالمية، بالإضافة إلى خلق أكثر من ١٠,٠٠٠ فرصة عمل سنوياً وتحسين الصحة العامة بنسبة ٤٠٪ عبر تقليل الأمراض الناتجة عن النفايات. في سياق الحرب، تُعد إعادة التدوير مصدراً حاسماً للدخل الإضافي والمرونة الاقتصادية، مع تقليل التأثير على الناتج المحلي الإجمالي.

الطريق نحو المستقبل

يحتاج السودان إلى استراتيجية وطنية شاملة لإدارة النفايات تشمل جميع الولايات، استثمارات أكبر في البنية التحتية، حملات توعية مجتمعية، وتشجيع مشاركة القطاع الخاص لتحقيق هدف “صفر نفايات” بحلول ٢٠٣٠. الشراكات مع UNEP، USAID، وSudan Platform توحد الجهود وتجذب التمويل، مما يمكّن السودان من تحويل التحديات إلى نموذج للاستدامة والاقتصاد الدائري وتحسين جودة الحياة رغم الظروف الراهنة.

مصادر مختارة:

•تقرير Circularity Gap ٢٠٢٤: circle-economy.com
•موقع Sudan Zero Waste: sudanzero-waste.org
•تقارير IOM السودان: iom.int/sudan
•دراسة JICA عن النفايات في السودان: jica.go.jp
•EcoWaste: ecowaste-sd.org
•تقرير WHO عن الصحة في السودان ٢٠٢٥: who.int/sudan
•تقرير البنك الدولي: Sudan Economic Update, May ٢٠٢٥