الرواية الأولى

نروي لتعرف

موطئ قلم / د. اسامة محمد عبدالرحيم

الاقتصاد الأزرق : فرص السودان الضائعة في البحر الأحمر ما بين التحديات والاستراتيجيات (2)

عقيد بحري ركن (م) د. اسامة محمد عبدالرحيم

دكتوراه في الدراسات الاستراتيجية (أمن البحر الأحمر)

________________

في الجزء الأول من هذا المقال، توقفنا عند مفهوم الاقتصاد الأزرق، وواقع تطبيقاته في السودان، ثم استعرضنا أبرز التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تعيق تحوله إلى رافعة للتنمية. وقد رأينا كيف أن هذه التحديات المتشابكة حوّلت موارد البحر الأحمر السوداني إلى “ثروة نائمة” تتآكل بصمت.
لكن ورغم تراكم الإخفاقات وتعدد المعوقات، ما تزال أمام السودان فرص ثمينة لم تُستغل بعد، بعضها أُهدر عبر العقود الماضية، وبعضها الآخر لا يزال ممكنًا إذا ما توفرت الرؤية والإرادة. في هذا الجزء الثاني، نحاول أن نسلط الضوء على الفرص الضائعة، ثم نطرح مسارات للتكامل الإقليمي والتعاون الدولي، وصولًا إلى خارطة طريق نحو اقتصاد أزرق سوداني يواكب التحولات العالمية ويستعيد للسودان مكانته البحرية المفقودة.

الفرص الضائعة

بالرغم من أن الاقتصاد الأزرق يُمثّل فرصة استراتيجية كبرى لدولة مثل السودان، إلا أن الواقع يشير إلى أن سلسلة من الإخفاقات المؤسسية، وغياب الخطط، وتضارب الأولويات، وتأثير الأزمات السياسية والأمنية المزمنة قد أدت إلى تعطيل العديد من المشاريع البحرية المحتملة، وفقدان فرص كان يمكن أن تُحدث تحوّلًا اقتصاديًا حقيقيًا في البلاد.

ورغم ما يملكه السودان من مقومات بحرية وجغرافية نادرة، إلا أن غياب الرؤية الوطنية الشاملة والسياسات البحرية المتكاملة أدى إلى تفويت عدد من الفرص الحيوية التي كان يمكن أن تُحدث تحوّلًا نوعيًا في الاقتصاد الوطني، وتُعزز مكانة السودان الإقليمية والدولية بإقليم البحر الأحمر.

وقد تراكم هذا الفشل على مدى عقود، ليس فقط بسبب نقص الموارد أو التقنيات، بل بسبب غياب الإرادة السياسية الجادة، وانقطاع السودان عن محيطه الإقليمي والدولي في ملفات البحر الأحمر. ورغم توفر المقومات الطبيعية والجيوسياسية، إلا أن سلسلة من الإخفاقات المتراكمة حالت دون تحويل هذه المقومات والفرص إلى واقع فعلي. فيما يلي أبرز تلك الفرص التي فُقدت أو أُهدرت، والتي ما تزال قابلة للاسترداد إن أُحسن التخطيط:

1) غياب استراتيجية وطنية متكاملة للبحر الأحمر:

يُعد البحر الأحمر من أهم الممرات المائية في العالم، حيث تمر عبره أكثر من 10% من تجارة العالم، ويُشكل حلقة وصل استراتيجية بين أوروبا وآسيا وأفريقيا.
ورغم هذا الدور المحوري، لم يبلور السودان حتى الآن استراتيجية بحرية متكاملة تُحدد رؤيته ومصالحه وأولوياته في هذا الممر الحيوي، سواء من حيث الأمن البحري، الاقتصاد الأزرق، أو النفوذ الإقليمي.
وقد أدى ذلك إلى غياب الحضور السوداني في ترتيبات الأمن البحري، وعدم وضوح موقفه في ملفات تتعلّق بالسيادة البحرية، أو التوازنات الجيوسياسية في المنطقة.

2) فقدان الريادة في السياحة البحرية البيئية:

يمتلك السودان أحد أندر الكنوز البيئية في البحر الأحمر، مثل جزيرة سنقنيب (الوحيدة المصنفة محمية بحرية في البحر الأحمر)، ومحمية دونقناب، والتي تحتوي على شعاب مرجانية نادرة ونظم بيئية بكر تجذب الباحثين ومحبي الغوص عالميًا.
ورغم ذلك، لم يتم الاستثمار في هذه المناطق، لا من حيث البنية التحتية، ولا من حيث الترويج أو فتح المجال أمام المستثمرين المحليين والدوليين، مما جعل السودان يغيب عن خريطة السياحة البحرية العالمية، بينما تتقدم دول أخرى أقلّ إمكانيات.

3) عدم استثمار الموقع الجغرافي في المبادرات الإقليمية الكبرى:

يقع السودان في قلب البحر الأحمر، ويملك واجهة بحرية استراتيجية تؤهله للعب دور محوري في مشاريع كبرى، مثل (نيوم) السعودية أو مبادرة (المجلس العربي–الإفريقي للدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن) .
لكن الواقع يشير إلى أن السودان لم يحسن توظيف موقعه الجغرافي في هذه المبادرات، وظل دوره هامشيًا أو غائبًا تمامًا عن المفاوضات، والتنسيق الأمني، والتكامل الاقتصادي، ما أفقده فرصًا هائلة لبناء شراكات تنموية وتحالفات استراتيجية طويلة المدى.

4) التأخر في دخول الأسواق البحرية الإقليمية والدولية:

تشهد الأسواق البحرية الإقليمية، مثل الخليج العربي، والقرن الإفريقي، وجنوب آسيا (الهند وباكستان وسريلانكا)، نموًا سريعًا في حركة التجارة، والخدمات اللوجستية، والنقل البحري، وتكنولوجيا الموانئ.
ورغم قرب السودان الجغرافي من هذه المناطق، إلا أنه تأخر كثيرًا في الانخراط في هذه الأسواق، سواء عبر تطوير موانئه، أو إنشاء خطوط ملاحية وطنية، أو تقديم خدمات تنافسية.
كما أن انعدام وجود سفارات اقتصادية بحرية فاعلة أو ملحقيات تجارية بحرية أضعف من قدرة السودان على عرض نفسه كشريك تجاري موثوق في فضاء البحر الأحمر.

إن الفرص التي ضاعت على السودان في ساحله الشرقي لا ترتبط بندرة الموارد، بل بفقر الرؤية و وهن الإرادة. وإذا لم يتحرك السودان سريعًا لاستدراك هذه الفجوة، فسيجد نفسه خارج معادلة البحر الأحمر، في الوقت الذي تعيد فيه بقية دول الإقليم رسم خرائطها البحرية بجرأة وفعالية.

إمكانيات التكامل مع دول البحر الأحمر

رغم أن السودان ظل لفترات طويلة طرفًا هامشيًا في معادلات البحر الأحمر، إلا أن موقعه الجغرافي الحيوي، وامتداد سواحله، وعمقه الأفريقي، تمنحه فرصة تاريخية للتحول إلى فاعل إقليمي مركزي إذا ما تبنّى سياسة مدروسة تقوم على (التكامل الأزرق) مع دول الجوار البحري، لا سيما تلك التي تشترك معه في المصالح والتحديات. ويُمكن تحقيق ذلك من خلال عدد من المسارات التكاملية، أبرزها:

1) بناء شراكات استراتيجية مع السعودية ومصر وجيبوتي:

تُعد هذه الدول من أكثر الأطراف تأثيرًا في معادلات البحر الأحمر، وتمتلك رؤى ومشاريع طموحة في مجالات الطاقة المتجددة، الموانئ، والنقل البحري.
ويمثل السودان حلقة وصل طبيعية بين هذه القوى الإقليمية، بما يؤهله للدخول في مشروعات تكاملية ثلاثية أو رباعية، مثل الربط الكهربائي، وتطوير ممرات لوجستية، وإنشاء موانئ مشتركة أو مناطق صناعية حرة على الساحل.

2) إنشاء ممرات بحرية إقليمية تربط الموانئ السودانية بنقاط استراتيجية:

يمكن للسودان أن يُبادر بإنشاء ممرات بحرية تجارية وأمنية منتظمة، تربط ميناء سواكن بميناء جدة السعودي، أو ميناء بورتسودان بميناء جيبوتي، بما يعزز الترابط البحري واللوجستي، ويُنعش التجارة بين سواحل البحر الأحمر المختلفة.
مثل هذه المبادرات تُعيد توجيه خطوط التجارة البحرية، وتضع السودان في قلب سلاسل الإمداد الإقليمية.

3) تعزيز التعاون في الأمن البحري ومكافحة التهديدات المشتركة:

تشترك دول البحر الأحمر في مواجهة تهديدات متشابهة مثل القرصنة، التهريب، الهجرة غير النظامية، والإرهاب البحري.
ويمكن للسودان، من خلال تطوير قدراته البحرية والتنسيق مع دول الجوار، أن يكون شريكًا فاعلًا في عمليات المراقبة المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخبارية، والتدريبات العسكرية البحرية، في إطار آليات مثل المجلس الإقليمي للدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

4) تبادل الخبرات في السياحة البيئية والاستزراع السمكي:

تمتلك السعودية ومصر تجارب متقدمة في تطوير السياحة البحرية، وإنشاء محميات بحرية مستدامة، وتربية الأسماك في الأقفاص البحرية.
ويمكن للسودان أن يستفيد من هذه الخبرات في نقل التكنولوجيا، وتطوير الكوادر، وتصميم مشاريع نموذجية على غرار محمية سنقنيب أو جزيرة مقرسم او شعب رومي و شنعاب، وتحويلها إلى نقاط جذب سياحي إقليمي.

5)الانضمام إلى شبكات الاستثمار السيادي المشترك:

تدير بعض دول البحر الأحمر صناديق سيادية ضخمة (مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي)، وتوجّه استثماراتها نحو البنية التحتية الساحلية، والطاقة، والمياه، والأمن الغذائي.
ولدى السودان فرصة كبيرة في استقطاب هذه الاستثمارات السيادية عبر مشاريع تشاركية طويلة المدى في موانئه، ومزارعه البحرية، ومناطقه الاقتصادية الخاصة، خاصة في ظل موقعه كمعبر نحو إفريقيا.

إن التحول من الهامش إلى المركز لا يحتاج من السودان أكثر من قرار جاد ورؤية واضحة لتفعيل تكامل حقيقي مع شركائه البحريين.
فالمعادلة في البحر الأحمر لا تعترف بالفراغ، ومن لا يُحسن استغلال موقعه، سيجد نفسه رهينة لمشاريع الآخرين.

التعاون مع القوى الاقتصادية والصناعية الكبرى في البحر الأحمر

يشكل موقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر، وامتلاكه لساحل طويل غني بالموارد الطبيعية والبيئية، قاعدة مثالية للتعاون مع الدول الاقتصادية والصناعية الكبرى وتلك المطلة على البحر الأحمر، وفي مقدمتها (السعودية، مصر، قطر، الصين، الهند، و تركيا)، سواء عبر شراكات ثنائية أو ضمن مبادرات إقليمية كبرى، خاصة و ان من هذه الدول من له أطماعه و مصالحه و رؤاه تجاه الانفتاح نحو افريقيا، و يعتبر السودان عبر مدخل البحر الأحمر خير بوابة للتوسع و الانطلاق افريقيا.

ويمكن لهذا التعاون أن يتجسد في مشاريع استثمارية كبرى تركز على الاقتصاد الأزرق والموارد البحرية، من خلال:

1) إنشاء مناطق اقتصادية ساحلية مشتركة بمواصفات دولية، تضم مراكز للخدمات اللوجستية، والصناعات المرتبطة بالأسماك، والمنتجات البحرية، والتصنيع البحري الخفيف.

2) تطوير وتوسيع الموانئ السودانية (مثل بورتسودان، سواكن، أوسيف، وأبو عمامة) بالتعاون مع شركات دولية، لتكون مراكز إقليمية للحركة التجارية العابرية وخدمات النقل المتكاملة.

3) إقامة مشاريع سياحية بحرية متكاملة بالتعاون مع شركات استثمارية متخصصة، تستفيد من الجزر والشعاب المرجانية والمواقع البكر، وتحوّلها إلى وجهات سياحية بيئية ذات عائد اقتصادي مرتفع.

4) استثمار الثروات المعدنية في البحر الأحمر، خاصة في المياه الإقليمية القريبة من مشروع “Atlantis II Deep”، الذي يشمل احتياطات هائلة من المعادن مثل الذهب، الزنك، النحاس، والفضة، ويمكن إحياؤه في إطار شراكة متقدمة بين السودان والسعودية وجهات دولية متخصصة في التعدين البحري.

5) تطوير مشاريع الطاقة البحرية، مثل استغلال الرياح والتيارات والمد والجزر في توليد الطاقة، بالشراكة مع دول رائدة في الطاقة النظيفة (مثل الصين، وألمانيا، قطر، السعودية، وتركيا).

6) إقامة مناطق حرة بحرية مخصصة للتجارة العابرة وخدمات الصيانة، وتموين السفن، والتحويل الصناعي السريع، بما يجعل السودان محطة جاذبة للحركة البحرية الدولية على خط قناة السويس – باب المندب.

هذا النمط من التعاون لا يحقق فقط مكاسب اقتصادية، بل يُعيد تموضع السودان في سلاسل الإمداد والتجارة الإقليمية، ويؤسس لعلاقات ندية قائمة على المصالح المشتركة، والموارد المتكاملة، والسيادة الوطنية الواعية.

خارطة طريق نحو اقتصاد أزرق سوداني

للخروج من دائرة التهميش البحري، والتحول إلى فاعل إقليمي في الاقتصاد الأزرق، لا بد من وضع خارطة طريق واضحة، تُبنى على أسس علمية ومؤسسية، وتُنفّذ بإرادة سياسية قوية وتكامل وطني وشراكات دولية. وفيما يلي أبرز ملامح هذه الخارطة:

1) إعداد استراتيجية وطنية شاملة للاقتصاد الأزرق:

الخطوة الأولى والأساس هي وضع استراتيجية وطنية متكاملة للاقتصاد الأزرق، تُصاغ من خلال مؤتمر وطني يضم الجهات الحكومية ذات الصلة، القطاع الخاص، الجامعات، والمجتمعات الساحلية، وتشرف عليها آلية عليا تتبع لرئاسة الوزراء أو لرئاسة الدولة.
يجب أن تُحدد هذه الاستراتيجية أولويات الاستثمار، وتوزيع الأدوار، والضوابط البيئية، والربط مع السياسات البحرية والأمنية الإقليمية.

2) تحديث البنية التحتية للموانئ وتطوير الأسطول البحري الوطني:

لا اقتصاد أزرق بدون موانئ فعّالة وأساطيل بحرية وطنية قادرة على الحركة والتنافس.
لذلك، يجب الإسراع في تحديث موانئ بورتسودان، سواكن، و انشاء موانيء ابو عمامة وأوسيف، و تزويدها بالأرصفة، المعدات، أنظمة الشحن والتفريغ، وربطها بالداخل عبر سكك حديد وطرق حديثة.
كما يجب إعادة تأسيس خطوط ملاحية وطنية تجارية أو الدخول في شراكات تشغيلية مع خطوط دولية، بما يعيد للسودان سيادته البحرية التجارية.

3) إنشاء مراكز تدريب وبحوث بحرية متخصصة:

بناء القدرات البشرية والبحثية عنصر محوري، ويستلزم إنشاء معاهد متخصصة في علوم البحار، وتقنيات المصائد، والهندسة الساحلية، بالتعاون مع الجامعات الوطنية والمؤسسات الدولية.
هذه المراكز ستكون أساسًا لتأهيل الكوادر، وتحفيز الابتكار، وتقديم الدراسات التي تدعم السياسات والقرارات الحكومية والخاصة في مجال الاقتصاد الأزرق.

4) استقطاب الاستثمار الأجنبي في الطاقة والسياحة البحرية:

يجب أن ينطلق السودان نحو فتح المجال أمام رؤوس الأموال الإقليمية والدولية للاستثمار في مشروعات مثل:
استزراع الأحياء البحرية الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الساحلية
السياحة البيئية والغوص إنشاء مرافق لوجستية ومناطق صناعية بحرية

وذلك عبر حوافز استثمارية وتشريعات حديثة تضمن الاستقرار، والعائد، وحماية البيئة.

5) تعزيز مشاركة المجتمعات الساحلية كمستفيدين وشركاء:

لا نجاح لأي نموذج تنموي دون إشراك أهالي المناطق الساحلية (بورتسودان، سواكن، طوكر، عقيق…) في العملية.
ينبغي أن يكون لهم دور مباشر في مشاريع الصيد، السياحة، والخدمات البحرية، من خلال برامج تمويل صغيرة، وتدريب، وشراكات تعاونية، بما يعزز العدالة الاجتماعية ويقلل من الفقر والهجرة غير النظامية.

6) إنشاء مناطق اقتصادية حرة بحرية بمواصفات دولية:

تمثل (جزيرة سنقنيب، وسواكن، وعقيق، و ابوعمامة، و محمد قول) مواقع مثالية لإنشاء مناطق اقتصادية حرة، تُخصص للنشاطات البحرية المبتكرة، مثل الصناعات السمكية، تصنيع المعدات البحرية، الخدمات اللوجستية، والسياحة البيئية.
يجب أن تُدار هذه المناطق بأنظمة حديثة ومرنة، وتشمل بنى تحتية متقدمة، مع تسهيلات جمركية وضريبية لجذب المستثمرين.

7) الانخراط الكامل في منظومة البحر الأحمر الإقليمية:

لا بد للسودان من الخروج من العزلة البحرية والانخراط الفعلي في المبادرات الإقليمية مثل:
مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن مشاريع الربط البحري الإقليمي
برامج الأمن البحري المشترك منصات التنسيق التجاري والبيئي

يضمن ذلك للسودان حضورًا مؤثرًا في صياغة السياسات الإقليمية، ويحمي مصالحه السيادية في بيئة بحرية مضطربة ومتغيرة.

خارطة الطريق نحو اقتصاد أزرق سوداني ليست بعيدة المنال، لكنها تتطلب وضوح الرؤية، وحسم القرار، والتزام الدولة في أعلى مستوياتها.
إن البحر الأحمر ليس مجرد حدود مائية للسودان، بل بوابة للنهوض، والاستقلال الاقتصادي، والتموضع الجيوسياسي في عالم يعاد تشكيله من على سواحل البحار.

يمتلك السودان ما لا تملكه دول كثيرة في البحر الأحمر، لكنه لا يفعل ما تفعله تلك الدول. والاقتصاد الأزرق ليس رفاهية فكرية، بل ضرورة وجودية في بلد يملك كل المفاتيح ويقف على بوابة بحرية شديدة الحساسية. إن ما يحتاجه السودان ليس المزيد من الموارد، بل توافر (الرؤية، الإرادة، والقرار السيادي المستقل) لما هو موجود من موارد .

لقد آن للسودان أن يخرج من دائرة الغياب والتردد، وأن يعيد صياغة علاقته ببحره على أسس جديدة قوامها الرؤية والإرادة والسيادة. فالاقتصاد الأزرق ليس خيارًا تكميليًا أو رفاهية فكرية، بل هو ضرورة وجودية لبلد يملك كل المقومات ويقف على ساحل من أكثر السواحل حساسية وأهمية في العالم. وما لم تُستثمر هذه المقومات ضمن إطار وطني جامع وشراكات إقليمية ودولية واعية، سيظل السودان متفرجًا على الآخرين وهم يعيدون رسم خرائط البحر الأحمر من حوله.
إن السودان لا يحتاج إلى موارد جديدة بقدر ما يحتاج إلى قرار سيادي مستقل يفعّل ما هو متاح، ويحوّل البحر الأحمر من “ثروة نائمة” إلى “بوابة للنهوض الاقتصادي والاستراتيجي”. عندها فقط يمكن أن يتأسس واقع جديد يجعل السودان فاعلًا لا مفعولًا به، وشريكًا أصيلًا في صياغة مستقبل البحر الأحمر.

الخميس 21 أغسطس 2025م

اترك رد

error: Content is protected !!