
في مقالات سابقة من آفاق رقمية أشرنا إلى أهمية الشراكات الدولية في تعزيز مسيرة التحول الرقمي، واليوم نقف عند منظمة إقليمية كان لها أثر مباشر على السودان، وهي لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، التي تتخذ من بيروت مقرا لها.
لم تكن الإسكوا معنا مجرد مؤسسة تقدم أوراقا أو مؤشرات قياس، بل كانت شريكا معرفيا في مشاريع نوعية تركت أثرها الملموس على مشاريع السودان التقنية. فقد شاركت في برامج تخطيط حاضنات الأعمال، وأسهمت خبراتها في تعزيز مركز البرمجيات الوطني وحاضنات مشابهة، إلى جانب جهودها في التدريب في مجالات التحول الرقمي داخل الخرطوم والولايات بالشراكة مع المركز القومي للمعلومات. هذه الأنشطة لم تكن عابرة، بل أسست لوعي كبير حول أهمية الابتكار وريادة الأعمال الرقمية كمدخل للتنمية.
وعلى امتداد هذه البرامج، عرفنا شخصيات من الإسكوا تركت بصماتها على مسيرتنا الرقمية، منهم الدكتور حيدر فرحات، والدكتورة نيبال إدلبي، والدكتور نوار العوا، الذين قدموا خبراتهم بروح الشراكة والتطوير في السودان، ولا يمكن أن نغفل الدور الكبير الذي لعبه الراحل المقيم سؤدد محمود – طيب الله ثراه – في بناء جسور التعاون بين المركز القومي للمعلومات والإسكوا، وهو جهد يستحق التقدير والوفاء.
اليوم، ونحن نواجه تحدي إعادة بناء ما دمرته الحرب، فإن الحاجة إلى شراكات مثل تلك التي نسجناها مع الإسكوا أصبحت أكثر إلحاحا. فالمعرفة التي توفرها هذه المنظمة، والبرامج التي يمكن أن تنفذها في مجالات الحوكمة الرقمية، والحاضنات التكنولوجية، وبناء القدرات، يمكن أن تختصر الكثير، وتمنحنا فرصة الانطلاق مباشرة نحو نماذج أكثر نضجا وكفاءة.
إن استدعاء خبرة الإسكوا اليوم، ضرورة استراتيجية تساعد السودان في التواجد في المشهد الإقليمي والدولي. فالتحول الرقمي أداة لإعادة الثقة بين المواطن والدولة، وإعادة رسم صورة السودان كدولة قادرة على استثمار عقول أبنائها وشراكاتها الدولية لتجاوز آثار الحرب وبناء مستقبل أفضل.
في العمود القادم نتناول أمثلة عملية لمشاريع وحاضنات ابتكارية قابلة للتنفيذ في السودان.
٢٩ سبتمبر ٢٠٢٥م