فيما أرى / عادل الباز

اغتيال البرهان.. بوابة الفوضى!

عادل الباز


1
القتلة يصرخون في كل مكان أنهم سيقتلونه، ولكن لا أحد يتحرك.
2
كان الجميع على علم باغتيال الشاب سنتياغو نصار في رواية ماركيز (قصة موت مُعلن)، لكن أحداً لم يتحرك حتى وقعت الواقعة وقُتل سانتياغو أمام بيته.
3
كانت آخر محاولة لاغتيال الرئيس البرهان حين أغارت مسيّرات إماراتية على بورتسودان في 6 مايو 2025، لم تستهدف تلك الغارات تدمير صناعة ومستودعات النفط فقط، لكنها حملت في جوفها رسائل أخرى شديدة الخطورة، أهمها تلك التي أُرسلت إلى بريد الرئيس البرهان.. فقد استهدف صاروخ عالي الدقة منزل الرئيس، الذي يقع بالقرب من فندق “مارينا” الذي تضرر جزء منه.. لم يصب منزل الرئيس، إما بسبب التشويش العالي في المنطقة، أو لأن من أطلقوا الصاروخ قصدوا منه إيصال رسالة فقط، أو أن الصاروخ أخطأ هدفه.. ومهما يكن، فإن هذه الحادثة تؤكد أن هدف اغتيال البرهان ظل حاضراً منذ بداية الحرب، كجزء من سيناريو الفوضى متواصل، وهي استمرار لمحاولات سابقة لتنفيذ سيناريو الاغتيال المُعلن.
4
منذ اليوم الأول للحرب، كان الرئيس البرهان هو المستهدف الأول بالاغتيال وذلك لضمان نجاح الانقلاب.. ففي الساعات الأولى من يوم 15 أبريل 2023، انطلق نحو ألفي مقاتل من مليشيات الدعم السريع، مزودين بأسلحة متنوعة، نحو القيادة العامة للقبض على البرهان أو قتله.. وفي تصريح لقناة “الجزيرة مباشر” قال حميدتي: “سنواصل ملاحقة البرهان ونسلمه إلى العدالة”.. (معلوم نوع عدالة الأشاوس)، ثم قال في تسجيل صوتي نُشر في 15 مايو 2023: “البرهان محاصر.. لو ما استسلم حا نستلمو).. ولولا استبسال أبطال الحرس الرئاسي (منهم 35 فدوا الرئيس بأرواحهم)، لنجح المخطط.. صحيح البلاد نجت بمعجزة من تداعيات تلك المحاولة والرئيس كذلك، لكن المخطط استمر.
5
في 31 يوليو 2024، نجا البرهان من محاولة اغتيال أخرى بطائرة مسيّرة أثناء مشاركته في حفل تخريج أقيم في قاعدة جبيت العسكرية بولاية البحر الأحمر.. قُتل في الهجوم ثلاثة أفراد، ونجا البرهان من الاغتيال بفضل العناية الإلهية، إذ هطلت أمطار غزيرة في اليوم السابق للاحتفال، فغمرت موقع المنصة الأصلية التي كان يُفترض أن يخاطب منها الرئيس الخريجين، وتم تغيير مكانها صباح يوم الحفل، فوقعت قذيفة المسيرة على موقع المنصة القديمة. (مدد يا الحفيان).
6
وفي فجر 6 مايو 2025، تعرض فندق “كورال مارينا” في بورتسودان لهجوم صاروخي. أكد مدير الفندق، اللواء حسن صالح، أن الهجوم نُفذ بصاروخ موجه من طراز (AGM-114 Hellfire) تم عرض حطامه– وهو صاروخ أمريكي شهير (جو-أرض) يُستخدم لضرب أهداف متحركة أو ثابتة.اكدت فرق الجيش الفنية بالقوات الجوية نوع الصاروخ والاتجاه الذى قدم منه الصاروخ ، اتجاه الشرق، كما جاء في تصريحات الفريق بشرى قائد القوات الجوية.
أشارت أصابع الاتهام مباشرةً إلى الإمارات، بأنها من نفذت ذلك الهجوم الذي استهدف اغتيال الرئيس البرهان.. لماذا؟ لأن قوات الميليشيا لا تملك ذلك النوع من الصواريخ. فهي صواريخ متقدمة تُسلم للدول تحت شروط مشددة وبشهادة مستخدم نهائي، ويُمنع استخدامها أو تمريرها إلى أي جهة أخرى من دون معرفة وموافقة الجهة المنتجة، وهي الولايات المتحدة، والمصنّع الحصري هو شركة لوكهيد مارتن (Lockheed Martin).
المصدر: DSCA (وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية).
السؤال: هل تمتلك دولة الإمارات ذلك النوع من الصواريخ؟ نعم. في عام 2016، اشترت الإمارات 4,000 صاروخ طراز AGM-114 R/K Hellfire من الولايات المتحدة، بقيمة 476 مليون دولار، كما اشترت 500 صاروخاً من طراز AGM-114R3 في 2011.
المصدر: DSCA (وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية).
7
يتطلب ذلك الصاروخ (AGM-114 Hellfire) منصة إطلاق محددة ، وهي طائرة MQ-9 Reaper، وهي طائرة قتالية واستطلاعية بدون طيار تُعد من أخطر الطائرات في العالم وتتميز بسرعة 480 كم/س، ويمكن أن تحلق لأكثر من 72 ساعة على ارتفاع 15 كيلومتراً وتُستخدم في الاستطلاع، تتبع الأهداف، الضربات الدقيقة، ودعم القوات.
هل تمتلك الإمارات طائرات MQ-9 Reaper؟
نعم.. في يناير 2021، وقعت الإمارات اتفاقية مع الولايات المتحدة لشراء 18 طائرة MQ-9B Reaper.. بعض النسخ من هذه الطائرة مزودة بأنظمة تشويش إشارات ورادارات، ما يزيد من قدرتها على تنفيذ هجمات دقيقة والتخفي من الدفاعات. (المصدر: وكالة DSCA في 15 يناير 2021).
8
إذن الجهة الوحيدة التي تخوض حالياً صراعاً مع السودان ومتهمة دولياً بتسليح المليشيا وتمتلك تلك الصواريخ (AGM-114 Hellfire) والطائرات (MQ-9B Reaper) التي تحمل مثل تلك الصواريخ، ولها قواعد يمكن أن تنطلق منها تلك الطائرات، هي الإمارات، ومن قاعدة الظفرة تحديداً، التي لا تبعد عن بورتسودان سوى حوالي 2,050 كيلومتراً، يمكن أن تنطلق الطائرة (MQ-9B Reaper) وهي ضمن مدى تلك الطائرة، ويمكن لتلك الطائرة أن تطير وتبقى في الجو لأكثر من 70 ساعة، والرحلة الجوية بين النقطتين تستغرق تقريبًا 3 إلى 3.5 ساعات بطائرة عسكرية مثل MQ-9 Reaper (في حال كانت مسلحة). لا توجد دولة أو جهة أخرى غير الإمارات في الإقليم تملك تلك الصواريخ والطائرات التي تحملها.
9
ولكي تفعل الإمارات ذلك، لا بد لها أن تُخفي عدوانها وتتجاوز الإذن الأمريكي ولا تخرق شروط استخدام تلك الطائرة ، عمدت إلى تشويش واسع في المنطقة التي تعبر فوقها الطائرة حاملة الصواريخ. وقد حذر الأدميرال بن كي (Ben Key)، قائد البحرية الملكية البريطانية، من تعرض السفن البحرية لتشويش ممنهج على أنظمة الملاحة بالأقمار الصناعية (GPS).. وقال إن الهجمات تصاعدت بشكل كبير في أواخر أبريل 2025 إلى بداية مايو 2025، وهي الفترة التي هوجمت فيها بورتسودان تحديداً (6 مايو 2025) وأكد الاميرال بن كى “أن أجهزة واردات السفن تعرضت لتشويش كثيف خلال تلك الفترة).. هذا بالضبط ما تفعله الطائرة (MQ-9B Reaper) التي باستطاعتها التشويش على الرادارات وأجهزة GPS حتى لا يتمكن جهاز آخر من رصد مصدرها ولا هدفها ولا مكان انطلاقها.. ذلك عين ما حدث في اليوم الأول والأيام التالية للهجمات التي استهدفت بورتسودان ومقر سكن الرئيس البرهان.
السؤال: لماذا تستهدف الإمارات اغتيال الرئيس البرهان وبتلك الطريقة السمجة والمكشوفة، خاصة أن إثبات جريمة الاغتيال إذا حدثت ليس مستحيلاً في ظل التكنولوجيا الحديثة ومراقبة الطائرات والأجواء بالأقمار الصناعية؟
10
هناك خمس احتمالات:

الإمارات لا تأبه لما يترتب على جرائمها، لأنها لا تخشى العواقب، مادامت قادرة على شراء الذمم، من ذمة الرئيس الأمريكي ترمب إلى الرئيس الكيني روتو .
تحاول الإمارات تقديم إنذار أخير للرئيس البرهان كي يذعن ويقبل الجلوس في مفاوضات تعيد الميليشيا وحلفائها إلى الساحة السياسية والعسكرية.
وصلت أبوظبي إلى قناعة مفادها أن الرئيس البرهان لن يركع ولن يتنازل عن شروطه، القاضية بإزاحة كاملة للميليشيا وحلفائها من الساحة السياسية والعسكرية، سيما وأنه اختار الرد على ذلك الهجوم المجرم بخطاب تاريخي، وجهه لشعبه من الشارع العام وعلى مرمى حجر من موقع الهجوم الآثم وأمام النيران المشتعلة، ليعلن أنه لن يخضع ولن يركع او يستسلم وكان هذ الموقف ابلغ تعبير عن فراسة السودانيين …البتعجبهم الرجالة …نحن في الشدة بأس يتجلى.
أن تكون الإمارات، في ظل يأسها من تحقيق أي نصر عسكري، قررت أن تُغرق البلاد في فوضى شاملة باغتيال الرئيس البرهان، ولأن البديل لن يكون الاتفاق عليه سهلاً، ستسهل عملية تفتيت الجيش وتقسيم البلاد.
احتمال آخر، أن الإمارات قد جهزت بديلها (أحد الخونة في الداخل) ليصعد إلى قمة الدولة بمجرد اغتيال البرهان، ليعلن وقف الحرب من دون اتفاق أو شروط كما تهوى الإمارات، ومن بعد تفعل وميليشياتها ما تشاء بالبلاد والعباد وهيهات.

الخلاصة:

إن ما جرى في بورتسودان ليس مجرد تدمير خزانات وقود، ولا كان قصف فندق مارينا حادثة عابرة أو خطأ فني، بل هو جزء من سيناريو مُعلن ومخطط مستمر لاغتيال الرئيس البرهان، تقوده أيادٍ خارجية تسعى لإغراق السودان في الفوضى.. نعم إنه جزء من سيناريو متكرر ومتصاعد يستهدف اغتيال رأس الدولة، في محاولة واضحة لإسقاط ما تبقّى من توازن سياسي وأمني في السودان.
11
ما يجب الانتباه إليه بعد تكرار محاولات الاغتيال هو أن تتوقف التحركات المكشوفة للرئيس البرهان، وأن تتسع دائرة التأمين حول أماكن وجوده، وأن يجرى تعزيز إجراءات الأمن الرئاسي والمعلوماتي وتحديث الدفاعات الجوية والتقنية مع كشف التدخلات الخارجية وهذا العدوان المتواصل وتنوير الرأي العام والمجال الدبلوماسي في المحافل الدولية والإقليمية بالتواصل المستمر.
12
كلما تقدم الجيش وحقق انتصارات واقتربت هزيمة المليشيا وداعميها وحلفائها ازداد إصرارهم على انفاذ السيناريو المعلن، إذ لم يعد أمامهم سوى الإسراع في إغراق البلاد بالفوضى، والسبيل الوحيد والسريع لذلك هو اغتيال الرئيس البرهان.. إن السودان، وهو يخوض معركته الكبرى من أجل البقاء، لا يحتمل الآن ضربة معنوية جديدة، فاستهداف القيادة يعني استهداف الوطن بأكمله.. اللهم هل بلغت.

اترك رد

error: Content is protected !!