كنا نحسب ان مايقوم به حسن يعارض فكر الحركة الاسلامية ويذهب بنا بعيدا في اتباع اهواء النفس وميولها الدنيوية ..واذكر انني قد ارسلت له رسالة ذات غفلة ادعوه فيها الي العودة لله وعدم نشر التبرج والفسق في قناته غير انه حسنا فعل اذ تجاوز عن رسالتي ولم يرد ..
وعلمنا بعد حين ان طرق الدعوة الي الله تختلف باختلاف الموقع والحال واتساع القدرات وتطورها ..
وقد وضح لي ذلك جليا في اسلوب علي عبد الله يعقوب والشهيد الحي ابو هريرة ..
وجدتني التهم ماخطه قلم حسن فضل المولي في رثاء السر قدور والم فراقه ..واعيش كل لحظة ذكرها كانما انا بينهم حي اسمع واري وانا حينذاك لا تلمني بقدور وفنه وتاريخه الا بعض همهمات اسمعها هنا وهناك ومشاهدات غير متصلة ولا دائمة لبرنامجة الذي ترك له الشباب صلاه التراويح وتسمرت الاسر كبيرها وصغيرها امام شاشة التلفزيون في سكون مريع ..واستماع مذهل وطرب مفرط .
ولا اخفي سرا ان افصحت انني كنت ممن ينادون بايقاف البرنامج او تاخير ساعات بثه حتي لايشغل الناس عن العبادة في ذلك الشهر العظيم ….
ولكنني كعادة كل سوداني يتحول فكره ويتغير موقفه بعد سماع خبر الموت ودنو الاجل لاجد نفسي الان اغير نظرتي للسر قدور واتمني ان لو استمعت الي فنه وتابعت مسيرته وجالسته لحظات لالحق مافاتني من متع سرد تاريخ الفن السوداني بشعره ومسرحه وغنائه ..
مضي السر في غفوة الراحة الابدية بعد ذلك النضال الشفيف ..
نضال في توفير لقمه العيش ..
نضال بين بيوت الشعر وتنسيق الالحان ..
ونضال مع المرض ومضي العمر وبوادر الشيخوخة ..
ونضال في غربته في مصر ..تلك الغربه غير المحسوسة المحبوبة ..
مات السر قدور في مصر ..
مصر التي حوت بين ازقتها وحواريها اعنف المعارك الغرامية …
من زليخه تجاه يوسف النبي ..
تلك المعركة التي استخدمت فيها سكين الدهشة لتاكيد شطر الجمال النبوي العفيف .. والتي شقت فيها القمصان وغلقت بامر الحب الابواب وصفد رمز الحب الالهي فيها خلف مزالج الزنازين بضع سنين..
وبين كليوباترا وانطونيو ..
بعدما لفت كليوباترا افعي كوبرا سامة حول عنقها لتنتحر وهي تتذوق مر السم بين شفتيها اذ علمت بانتحار انطونيو ..
مصر التي عاني فيها جميل بثينه سكرات الموت وهو يهتف باسم بثينة :
لقد خفت ان يغتالني الموت بغتة
وفي النفس حاجات اليك كما هي
واِني لتثنيني الحفيظة كلما
لقيتك يوما أن ابثك مابيا
ألم تعلمي ياعذبة الريق أنني
أظل اذا لم اسق ريقك صاديا
ولم يكن للمسكين غير وصية واحدة هي ابلاغ بثينة ان اسمها كان اخر اسم هتف به قبل الموت ..
مات السر قدور في مصر التي لايموت فيها غير الكبار ..ولا يعيش فيها غير الاحياء ..والتي لكل منا فيها ما سأل وما لم يسأل ..
مات في مصر وطن الشهداء من اهل الادب والفن والخيال ..
مصر التي حل هواها بروحه حلول العلة العاتية ببدنه الضعيف فزاده شغفا بها وتعلقا ..
مصر التي حوت كل انواع العشق ..وكل انواع الفسق وكل انواع الابداع ..
عشق المال ..
وعشق السلطة ..
وعشق الجمال ..
غير ان قدور ما كان يعنيه مالا ولا سلطة اذ ملا قلبه عشق اثير اذاعاتها..وفنها ومسرحها وعطر نسيمها الفريد ..
ومن منا لايقع في حب الام ..
ماذا يستطيع ان يصنع وهو مقهور علي الخضوع لهواه بارادة قوية خفية هي اراده الحب الذي يتصرف في القلوب والاحوال بلا رحمة ولا اشفاق ..
الم تحوي طبقات تربتها الطاهرة خيانات الحكام والساسة.. واسرار العشاق وآلامهم ..ورفات الصالحين والصحابة ..
الا تستحق مصر ان تترقي باخر انفاس قدور ؟؟وان يظفر ثراها برفات جسده المعني ؟؟